مهن تقاوم..التسفير: مهنة تقترب نهايتها بوفاة صناعها وغياب وارثيها

الكاتب : الجريدة24

24 فبراير 2024 - 09:30
الخط :

أمينة المستاري

ارتبط التسفير أو تجليد الكتب والمخطوطات دائما بعمليات الزخرفة والنساخة والكتب الموروثة عن الفقهاء والأئمة وعظماء الكتاب...وكان له شأن كبير في فترات لم يكن للتسفير الآلي والمطابع وجود.

فقد كان للمهنة عشاقها وحرفيوها الذين تعلموها، سواء في مراكز لتكوين الحرفيين أو على يد المسفرين الفرنسيين الذين أدخلوا آلات خاصة خلال فترة الاستعمار، حتى برع فيها المغاربة وتعلموا تقنيات التجليد وبرعوا فيها، من قبيل الحاج محمج بن أحمد بن حسون بوركوز ابن تيزنيت، وأحمد بن محمد أجبابدي بإداوسملال وغيرهم ممن عشقوا الحرفة.

تجليد الكتب كان من الحرف والمهن التي ترتكز على إعادة الروح لكتب اعتبرت نفائس ككتب العلوم الشرعية والأحاديث....فكان من اللازم الحفاظ على شكله، ورقه، كتابته بكل السبل، باستعمال آلة حديدية ضاغطة تتوفر على لولب لتثبيت الجلد، ويضرب بآلة خشبية تسمى "الخفيف" على ظهر الكتاب لتقويمه، وآلة "إكير" ومادة "لهرا" المكونة من الدقيق عبارة عن لصاق استعمله الحرفيون القدامى، ثم تبدأ عملية تذهيبه بورق الذهب.

يخشى بعض ممن يمارسها من انقراضها الوشيك، بغياب وارثيها فالشباب أضبح عازفا عن تعلم صنعات وحرف عديدة، كما أن التكنولوجيا الحديثة عوضت "المعلم" الذي يقوم بتسفير الكتاب بطرق تقليدية بسيطة، لذلك يؤكد المهنيون على أن وفاة كل صنايعي في هذه الحرفة هي إعلان عن وفاة تدريجي للحرفة.

وللتسفير أو التجليد تاريخ قديم، فقد كانت تثير اهتمام المهنيين القدامى، وبسوس برز مجموعة منهم خاصة الحاج محمد بن أحمد بن بوحسون بوركوز، أحد المقاومين الذي ترعرع بحي ادزكري بتيزنيت، وهو ابن فقيه معروف. تعلم الحرفة على يد مولاي المهدي الذي كان يعمل كاتبا في دار الشريف ويقوم بتعليم أبناء بلدته حيث فتح بها دكانا. التحق بعد ذلك بوركوز بورشة لتسفير الكتب بمؤسسة مولاي رشيد. ومن بين من برعوا في هذه المهنة أحمد اجبابدي ، ابن إداككمار بإداوسملال، قاوم بدوره المستعمر ومارس مهنة التسفير فقد كان مثقفا عصاميا، أحب الكتب وخبر أسرار رجالات تيزنيت وأنسابهم، وترك مخطوطات في الفلاك والأعشاب قام بتجليدها وتسفيرها بنفسه.

أما بالمدينة القديمة سوق الشكايرية بالسمارين بمراكش، فكانت معروفة بمجموعة من المعلمين الجيلالي، السي عمر، أحمد لحرش...حرفيون عرفوا بتسفير الكتب الدينية والتفاسير ...يخشى عليه الضياع، حتى يقاوم. وكان الحرفيون يتعلمون بمدرسة بـ "عرصة المعاش" تعلم فيها مجموعة من المعلمين، باستعمال آلة "الكوزوا" و"البوانت" وهي قطعة حديدية على شكل حربة، تتم خياطة الكتاب يدويا ثم استعمال الجلد لتجليده بجلد الماعز. وكان أحد الفرنسيين "دوفران" كان معروفا بالتسفير، وتعلم على يده أحد المعلمين الكبار "السي المختار"، وعلى يد هذا الصانع تعلم آخرون، لكن حاليا لا يتعدى عددهم 5 حرفيين بمراكش.

بعض المهنيين الذين يقاومون من أجل استمرار التسفير بمجموعة من المدن، يؤكدون أن عملهم لا يثير اهتمام شباب اليوم، ويقتصر عملهم على تسفير بعض الكتب التي توجه لهم من طرف بعض المكتبات أو أجانب يودون تجليد كتب لهم أو تعلم بعض أبجديات الحرفة، لإلمامهم بأهمية التسفير العتيق الذي طغت عليه الآلات العصرية، وكادت تجهز عليه لولا استمرار بعض المحرفيين في التشبث بعملهم ومقاومتهم "ريح التغيير"، وحرص بعض عشاق الكتب القديمة الذين يحرصون على منحها سنوات أخرى إما لقيمتها العلمية أو لتاريخها أو لمكانتها لديهم.

لم يعد لناس يقدرون أهمية هذه المهنة، والآلات الحديثة "قتلت الحرفة" كما جاء على لسان أحد الصناع بمراكش، لذلك يهفو صناع التسفير إلى إنقاذ حرفتهم، التي اعتبرتها وزارة الصناعة التقليدية ضمن الحرف المهددة بالانقراض، من بين أزيد من 42 حرفة، وإحداث مراكز لتعليم الشباب وجعلها ضمن اهتماماتهم وتشجيعهم على الاستمرارية واستكمال مشوار "المسفرين" الفقهاء والصناع القدامى الذي برعوا فيها وأنقذوا مجموعة من الكتب التي اعتبرت من النفائس.

آخر الأخبار