قتلة الأصول... قتل والديه فجرا وتحصن في غرفة

فاس: رضا حمد الله
استفاق مذعورا على صوت صراخ سرعان ما خمد. جلس على سريره وأمعن السمع، لعله يهتدي لمصدره. لم يسمع سوى أنينا من منزل جاره المقابل لسكناه في ذاك الحي الشعبي الموغل في التهميش. منسوب الأنين كان يقل تدريجيا، وبنباهته خمن أن يكون لامرأة. قد تكون جارته تئن من شدة الألم، مرضها المزمن يدخلها في حالات مماثلة. صدق نفسه وعاد لينام.
مرة دقائق معدودات وسمع صوت ابن جاره، يصرخ ويتوعد. أيقظ زوجته، وجلسا ينتظران التأكد مما يقع بمنزل الجار الستيني يقطنه وزوجته وابنه العائد قبل يومين من رحلته للبحث عن عمل بمدينة طنجة طال غيابه فيها دون جدوى. هو الوحيد باق مع والديه يكلفهما مصاريف لا طاقة لهما عليها. كل إخوته الأربعة الآخرين استقروا مع زوجاتهم وأبنائهم في منازلهم، كما أختيه تسكنان بعيدين عن العائلة في مدينتين تستقران فيهما مع زوجيهما.
لم يتزوج ولا فكر في ذلك، فظروفه الاجتماعية لا تسمح بتكوين أسرة، هو بالكاد يتدبر مصاريف تدخينه، فمن اين له بتدبر تكاليف زواج وما يعقبه من مصاريف يومية لا تنتهي ولا تحمل غض الطرف. كل المهن التي حاول تلمس طريق الكسب منها، لفظته. وحتى لما هاجر لإسبانيا، عاد منها بخيبة أمل. وفي آخر مغامرة قضى أشهرا بطنجة تتقاذفته فيها شركات لم يستقر في عمله بأي منها، ليعود من جديد للاستقرار مع والديه. وحدهما يحضنانه، حتى إخوته لم يكترثوا لحاله ولا فكروا في تضامنهم لإخراجه من وضع يزداد تأزما وأسهم في تأزم نفسيته.
صراخه في تلك الليلة زاد حدة تدريجيا، كان يسب الجميع، ويتوعد. تصرفه غير جديد على الجار الذي ما يزال وزوجته جالسين على سريرهما، يتساءلان حائرين عما يقع في المنزل المقابل. صراخ وأنين يخفتان، لينفجر الابن في حالة تخيلاها دون أن يعايناها طالما أن الأبواب موصدة ولا حق لهما في التدخل فيما قد لا يعنيهما خاصة أن الوقت متأخرا والفجر وشيك.
لكن صوت ابن الجار زاد حدة ويعلو لوحده مكسرا هدوء وصمت ليل موحش. مع نفسيهما تساءلا:
-لماذا لا يسمع صوت والديه، أيكون حل بهما مكروه؟
سؤال لم يجدا له جوابا، قبل أن يقترح الزوج الخروج للاطمئنان على حالهما، فقد يكون الابن آذاهما. وبالفعل خرج هو أولا ولحقت به بعدما فشلت طرقاته على باب منزل الجار، في لفت انتباه من به. دقائق قضياها وهما يطرقان الباب، دون جدوى، قبل أن يزلزل صوت الابن، دهشتهما.
- ابتعدوا عني وإلا نلتم نفس مصيرهما. لن أفتح ولا دخل لكم فيما أنا فيه ولا ما فعلته.
عبارات استشف منها أن شيئا غير عاد حدث. وحده صوت الابن كان مسموعا، فأين والداه؟. الأمر محير واستدعى اتصال الجار بمصالح أمن الدائرة القريبة. ولم تمر إلا مدة قصيرة، حتى حضرت عناصر الشرطة حاولت بدورها إقناع الابن بفتح الباب. لكنه توعد بقتل من يدخل أو يقترب منه. يبدو أن الليلة لن تكتمل على خير. الأمر تطلب استشارة النيابة العامة التي اذنت بتكسير الباب واقتحام المنزل، طالما ان هناك احتمال بوقوع جريمة.
كسر قفل الباب ودخلت عناصر الأمن متخذة كل الاحتياطات لتلافي وقوع الأسوء. أياديهم جميعهم كانت على أسلحتهم الوظيفية استعدادا لأي طارئ. دهشتهم كانت كبيرة وهم يعاينون جثة رجل وسط بركة دم وسط فناء المنزل. كانت عليه جروح في الرأس والأطراف والبطن، جثته مشوهة. ومن أول نظرة تأكد أنه مقتول. لكن أين زوجته وابن الذي أثار الضوضاء في آخر الليل. لا أثر لهما.
ناداه الجار باسمه، فأجاب من داخل غرفة، كانت محكمة الإغلاق من الداخل. وبها كان متحصنا. كل الحلول جربتها عناصر الأمن، بدء من الإقناع إلى الإغراء. لكن لا شيء نفع. الأمر يتطلب تدخلا فقد تكون الأم في خطر، إن لم تكن في عداد الموتى. تفرقت عناصر الأمن بعد حضور تعزيزات جديدة، وحاصرت المنزل من كل منافذه. الاحتياط واجب قبل فتح الباب أو محاولة ذلك بعد فشل المحاولات الودية. الابن كان يهدد كل من يقترب منه. لكن ذلك لم يمنع من تكسير الباب والاحتياط من تدخل عنيف منه. وكذلك كان، فبمجرد تكسير الباب هاجم عناصر فريق التدخل. كان ماسكا آلة حادة ما زالة ملطخة بالدم هددهم بها وأصاب أحدهم. أما الأم فكانت جثة هامدة فوق سريرها لون بدمها بعدما نالت المصير نفسه لزوجها من طرف ابن عاق.
بصعوبة سيطرت عناصر الأمن على الابن الهائج. تمكنت من ذلك بعد إصابة اثنين واصطراىها لاستعمال السلاح الوظيفي أطلق رصاصتين في الهواء وثالثة أصابه في فخذه وشلت حركته بشكل مكن من السيطرة عليه وتوقيفه بعد عناء دام نحو ساعة من الترقب والتخوف والتفكير في خطة أنجع للخروج بأقل الخسائر.
بعد اعتقال الابن، شرع في اتخاذ الإجراءات القانونية بدء من تصوير الجثتين وانجاز محضر معاينة لهما، قبل نقلهما لمستودع الأموات لتشريحهما. اقتيد الابن لمقر الدائرة الأمنية وسلم لولاية الأمن لتعميق البحث، وبعد انتهاء مدة الحراسة النظرية أحيل المتهم على الوكيل العام الذي أحاله على قضاء التحقيق. وبعد أسابيع من إيداعه السجن، انطلقت جلسات محاكمته، وعينت المحكمة محاميا للدفاع عنه في إطار المساعدة القضائية، التمس إخضاعه لخبرة طبنفسية للتثبت من قواه العقلية، استجابت لها المحكمة. وعينت طبيبة زارته في السجن، وأنجزت الخبرة التي جاء نتائجها مؤكدة لكونه يعاني من خلل عقلي، وأنه لم يكن في كامل قواه العقلية وقت ارتكاب الجريمة. وبناء على الخبرة أعفته المحكمة من المسؤولية الجنائية وأمرت بإيداعه مستشفى الأمراض النفسية والعقلية للعلاج.