عمر التيسير أو "نص بلاصة"...من بائع البيض إلى عميد المقاولين الأثرياء

أمينة المستاري
نشأ عمر التيسير في بلدته كأي طفل عادي، تلقى تعليمه في المسيد منذ سن الخامسة، حفظ خلالها سورا قرآنية وتعلم أسس الكتابة والقراءة، وسرعان ما انقطع عن الدراسة.
خرج "نص بلاصة" وهو في سن 12 للعمل، وبعد مدة فكر في عمل خاص به يبدأ به مشواره فانبثقت فكرة بيض البيض، يجمعه من نساء قريته ويتوجه به إلى سوق سميمو وتمنار بإقليم الصويرة، يبيعه لتجار الجملة الذين يقومون ببيعه بمدينة الصويرة، وذكر في مجموعة من الكتابات للدكتور عمر أمرير وعبد الله كيكر أن اللقب الذي اشتهر به عمر التيسير" نص بلاصة" كان نتاج إصراره على أداء نصف تسعيرة الحافلات التي كان يتنقل على متنها إلى الأسواق لبيع البيض، وبعد أن يستفيد من تخفيض ثمن التذكرة يدعو أحد الركاب صغار الحجم لمشاركته المقعد.
على بساطتها، كانت فكرة شراء البيض من ربات البيوت بداية لرحلة "الألف ميل"، ويتفق معهن على اقتناء ما يلزمهن من السوق من مقابل ما يبيعه مع الاحتفاظ ببعض الربح، وبذلك أصبح لعمر التيسير جزءا من المداخيل وتمكنت النساء من توفير دخل لهن وهن في بيوتهن، بل أصبحن يجمعن البيض وينتظرن قدومه، رغم أنه غالبا ما كان يأخذه دون دفع ثمنه وعند بيعه بالسوق يقوم بدفع ما عليه ويحتفظ بما ربحه، ولم يقتصر "نص بلاصة" على اقتناء البيض من القرية فحسب بل وسع دائرة اهتمامه وكان يتنقل إلى مناطق أخرى وقرى مجاورة، وتحول من بائع صغير إلى بائع بالجملة، يساعده في العملية مجموعة من الأشخاص يعملون معه. وحسب الدكتور عمر أمرير، صار "نص بلاصة" المزود الوحيد لأسواق منطقة حاحا بالبيض، وهو ما جعله يفكر في الانتقال إلى مرحلة أخرى وإيجاد مجال لاستثمار ما جمعه من بيع البيض.
انتقل عمر التيسير من بيع البيض إلى الاستثمار في الحجارة المنحوتة، في وقت رست صفقة شق الطريق بين الصويرة وأكادير على شركة فرنسية، فكان أمامه فرصة من ذهب، خاصة وأنه عمل مدة في مجال الاقتصاد التضامني، ومن أجل ذلك جمع شباب قريته واتفق معهم على شراء لوازم نحث الحجارة لكسرها بشكل متساوى صالح للبناء، وفي نهاية اليوم يسجل الكمية التي قام كل شاب بكسرها وجمعها، ويقوم كل أسبوعين بدفع مقابل عمل الشباب بعد تسلمه الثمن من الشركة الفرنسية، وما لبث أن أنشأ مقاولة صغيرة بعد الاستقلال، ومع مرور الوقت كبرت المقاولة وأصبحت تضم عمالا من بينهم مهندسين وأطر إضافة إلى التجهيزات والشاحنات...
أبان زلزال أكادير عن معدن الرجل السوسي العصامي الشهم، فقد استنفر آلياته من شاحنات وجرافات في عمليات إنقاذ الناجين وإزاحة الأنقاض وإيصال المؤن لاسيما في الأحياء المنكوبة كإحشاش وفونتي..مع مرور الأيام استقبل من طرف المغفور له الملك الحسن الثاني كتعبير عن إشادة بعملياته التطوعية خلال النكبة، هذا اللقاء إضافة إلى حضوره الكلمة المؤثرة التي ألقاها الملك الراحل محمد الخامس بأكادير، كان لهما تأثير قوي شجع التيسير إلى العمل أكثر ودخول أوراش كبرى بالجنوب والشمال، وتمكن من الحصول على صفقات مهمة بفضل سيرته وسمعته الحسنة التي بلغت سيرته ووطنيته القصر وأثارت إعجاب الملك الحسن الثاني به، كما جاء في كتاب الدكتور أمرير والأستاذ عبد الله كيكر.
استقر "نص بلاصة" بالعاصمة الاقتصادية بعد أن اقتنى مجموعة من الأسهم بشركات فرنسية، كما جاء في كتاب الدكتور عمر أمرير حول العصاميون السوسيون، وقام بإنجاح مشاريع طرقية ضخمة من سدود وقناطر وطرق (طريق الصويرة أكادير، وإيمنتانوت أمسكرود، ومراكش تارودانت، الطريق السيار الدارالبيضاء والرباط...) باعتماده على خبرات مغربية وأخرى أجنبية، بل وتمكن من إنجاز مجموعة من المشاريع خارج المغرب بتسهيل من الحكومة المغربية.