قانون المالية 2025.. بين الجرأة في الطرح والشكوك في التنفيذ

الكاتب : انس شريد

29 نوفمبر 2024 - 10:00
الخط :

في وقت يواصل فيه المغرب مواجهة تحديات اقتصادية كبيرة، يظل قانون المالية لسنة 2025 محط أنظار الجميع، حيث يثير تساؤلات حادة حول قدرته الفعلية على النهوض بأوضاع المغاربة وتحفيز الاقتصاد الوطني.

هل سيكون هذا القانون هو الحل المنتظر لتجاوز العجز المالي الهائل والديون المتراكمة؟ أم أنه مجرد مسكنات مؤقتة ستعمق الأزمة بدلاً من معالجتها؟

طيلة مناقشات مشروع قانون المالية 2025، في قبة البرلمان، شددت الحكومة على نجاح المغرب في الحفاظ على استقرار التوازنات الماكرو-اقتصادية، متوقعة أن يحقق الاقتصاد نمواً بنسبة 3.3% خلال عام 2024، مع طموح قوي لرفع هذا المعدل إلى 4.6% في عام 2025، مع خفض التضخم إلى حدود 2%.

ورغم الإقرار بصعوبة السياق الدولي، الذي يتسم بتصاعد التوترات الجيوسياسية والأزمات المناخية المتفاقمة، تتعهد الحكومة بأن هذا القانون يمثل خطوة جريئة نحو تحقيق التوازن بين الإمكانيات المتاحة والطموحات الكبرى.

وفي الوقت الذي تراهن فيه الأغلبية على هذا المشروع لإطلاق دينامية اقتصادية جديدة، تُعِد الحكومة بتخفيف الضغط عن القدرة الشرائية للمواطنين، مؤكدة أن البرنامج الحكومي سيظل بوصلتها لتوجيه المغرب نحو مزيد من التطور والازدهار، في تحدٍ يحمل في طياته الأمل بخلق تحول اقتصادي واجتماعي حقيقي.

في تطور لافت يعكس عمق التحديات الاقتصادية التي تواجه المغرب، ألقى المحلل الاقتصادي نجيب أقصبي الضوء على الفجوة المالية الكبيرة في مشروع قانون المالية لعام 2025، مشيراً إلى أن الوضع الحالي يهدد الاستدامة الاقتصادية للدولة.

خلال ندوة علمية نظمها التجديد الطلابي- فرع الرباط، والتي حظيت باهتمام واسع، كشف الخبير أقصبي عن أرقام صادمة حول العجز المالي المتوقع، الذي بلغ 188 مليار درهم، وهو ما يمثل 11% من الناتج الداخلي الخام، متجاوزاً بذلك ما تعلنه الجهات الرسمية.

أقصبي، المعروف بجرأته في تحليل الأوضاع الاقتصادية، لم يتردد في انتقاد الحكومة، معتبراً أن اعتمادها على الاقتراض بشكل متزايد بدلاً من إجراء إصلاحات هيكلية حقيقية يُعدّ "هروباً إلى الأمام".

ووفقاً للبيانات، فإن الحكومة تخطط لاقتراض 125 مليار درهم لتغطية هذا العجز، وهو ما سيؤدي إلى رفع تكلفة خدمة الدين إلى 107 مليارات درهم، ما يزيد من الأعباء المالية على الدولة.

واعتبر الخبير أن النسبة الحالية لما أسماه "معدل الاكتفاء الذاتي الجبائي"، والتي تبلغ 59% فقط، تعكس ضعف المداخيل الضريبية في تغطية النفقات العامة، ما يدفع إلى المزيد من الاعتماد على القروض الداخلية والخارجية. هذه الوضعية، حسب أقصبي، تُبرز الحاجة الماسة لإصلاحات ضريبية جذرية من شأنها تقليص الفجوة بين الموارد والنفقات.

في تحليل أوسع للسياق العام، أشار أقصبي إلى أن قانون المالية لعام 2025 جاء في ظل ظروف اقتصادية وسياسية غير مستقرة.

وأوضح أن التوترات الجيوسياسية العالمية، مثل الصراع المستمر في أوكرانيا والتوتر بين إسرائيل وإيران، بالإضافة إلى انعكاسات السياسات الاقتصادية العالمية، تجعل من التوقعات الاقتصادية المستقبلية غير مؤكدة.

وأضاف أن القانون المالي، رغم كونه وثيقة تقنية، يمثل في جوهره اختياراً سياسياً يعكس توجهات الحكومة في إدارة الملفات الكبرى، مثل الشغل والاستثمار.

وأبرز أقصبي أن الاقتصاد المغربي ما زال رهيناً بعوامل مناخية، حيث يعتمد معدل النمو المتوقع البالغ 4.6% بشكل كبير على تساقط الأمطار والمحصول الزراعي.

واعتبر أن استمرار هذا الارتباط، رغم مرور عقود من التحذيرات، يُعدّ إخفاقاً في تحقيق استقلالية اقتصادية عن الظروف المناخية، وهو ما نجحت دول أخرى في تجاوزه.

على صعيد آخر، سلط الخبير الضوء على ضعف دينامية القطاع الخاص في الاستثمار، حيث لا تتعدى مساهمته 25% من إجمالي الاستثمارات، مما يجعل الدولة تتحمل العبء الأكبر.

وبرأيه، فإن هذه الوضعية هي انعكاس لغياب استراتيجيات فعالة لتحفيز القطاع الخاص، رغم مرور عشرين عاماً من الدعوات لتعزيز دوره.

في ختام حديثه، حذر أقصبي من أن استمرار النهج الحالي في إدارة المالية العمومية قد يؤدي إلى ارتفاع الكلفة الاقتصادية والاجتماعية على المدى الطويل.

وأكد أن إصلاح النظام الضريبي وتحقيق التوازن بين الموارد والنفقات يجب أن يكونا أولوية قصوى لتجنب دخول المغرب في دوامة من الأزمات المالية المتكررة.

مشروع قانون المالية لسنة 2025، كما وصفه الخبير، ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة من الإشكاليات الهيكلية التي لم يتم معالجتها بشكل جذري منذ عقود.

وبينما يترقب المواطنون تحسيناً في أوضاعهم المعيشية، تظل التساؤلات مفتوحة حول قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات جريئة تنقل الاقتصاد المغربي نحو مزيد من الاستدامة والاستقلالية.

آخر الأخبار