قانون حوادث الشغل.. إنصاف للضحايا أم امتيازات للوبيات؟

الكاتب : انس شريد

05 فبراير 2025 - 08:30
الخط :

في خطوة تشريعية بارزة، صادق مجلس النواب بالإجماع على مشروع القانون رقم 27.23، الذي يُعدّل ويتمّم القانون رقم 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.

هذا القانون، الذي يأتي استجابة للتوجيهات الملكية السامية، يهدف إلى تعزيز الحماية الاجتماعية للعمال والأجراء، وسط دعوات متزايدة لإنهاء احتكار لوبيات التأمين لهذا القطاع الحيوي.

وقد رافقت المصادقة على هذا القانون مطالبات بضرورة تحسين التعويضات الممنوحة للضحايا، في ظل شكاوى مستمرة من ضعف المبالغ المخصصة وتعقيد الإجراءات الإدارية التي تعيق الاستفادة منها.

وشهدت الجلسة التشريعية نقاشًا حادًا حول تأثيرات هذا التعديل، حيث أكد النائب مصطفى الإبراهيمي، عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن القانون في ظاهره بسيط، لكنه يحمل بين طياته إشكالات تنظيمية كبيرة، خاصة بعد نقل اختصاص الحماية الاجتماعية من وزارة التشغيل إلى وزارة الصحة.

وأوضح أن هذا التغيير تسبب في تأخير صرف الإيرادات للضحايا، التي لم تتم مراجعتها رغم وجوب ذلك كل ثلاث سنوات، ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات والمطالبات بتحقيق العدالة الاجتماعية.

كما أثار الإبراهيمي مخاوف من تفتيت صلاحيات الحماية الاجتماعية، مشيرًا إلى أن وزارة الصحة لا تمتلك الخبرة الكافية في هذا المجال، بينما ظلت بعض الاختصاصات، مثل طب الشغل ومراقبة مفتشي الشغل، موزعة بين وزارات مختلفة، ما يعقّد تنفيذ الإصلاحات.

وفي سياق متصل، وجه الإبراهيمي انتقادات حادة إلى شركات التأمين، معتبرًا أنها المستفيد الأكبر من الوضع الحالي، إذ لم يتم فرض أي مراجعة دورية للأقساط والإيرادات المستحقة للمتضررين، على الرغم من العجز المسجل في صناديق العمل وفق تقرير صادر عن صندوق الإيداع والتدبير.

ورغم هذه التحفظات، أكد أن المجموعة النيابية صوتت لصالح القانون حرصًا على استفادة الضحايا من التعديلات الجديدة، مع الإشارة إلى ضرورة إدخال إصلاحات إضافية لضمان عدالة أكبر.

ومن جهته، شدد النائب سعيد بعزيز، عن الفريق الاشتراكي المعارضة الاتحادية، على أن القانون يُعدّ مكسبًا اجتماعيًا مهمًا، إذ ينتظره آلاف المواطنين والمواطنات الذين تعتمد إيراداتهم على التعويضات المرتبطة بحوادث الشغل.

لكنه انتقد تعاطي الحكومة السلبي مع مقترح قانون قدمه الفريق الاشتراكي سابقًا حول الموضوع، معتبرًا أن التأخر في معالجة هذا الملف يعكس ضعف الإرادة السياسية في تحسين أوضاع العمال.

كما أشار إلى وجود تحايل على قرارات المحكمة الدستورية، خاصة فيما يتعلق بتوزيع الاختصاصات بين وزارة التشغيل ووزارة المالية، وهو ما اعتبره إشكالًا حقيقيًا يجب حله لضمان تنفيذ سلس لهذا القانون.

كما لفت بعزيز إلى ضرورة إسناد مهام التأمين إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بدلًا من تركه تحت سيطرة الشركات الخاصة، معتبرًا أن إنهاء هيمنة لوبيات التأمين على القطاع أمر ضروري لتحقيق العدالة الاجتماعية.

وأكد على أهمية إلزامية التأمين على الأمراض المهنية، لضمان حماية شاملة للعمال الذين يعانون من مخاطر مهنية مختلفة دون تعويضات كافية.

وفي معرض تقديمه لمضامين مشروع القانون، أوضح وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أن هذا الإصلاح يندرج ضمن تنفيذ مقتضيات القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية، ويهدف إلى مواءمة الهيكلة الإدارية لوزارة الصحة مع مستجدات الإصلاحات الكبرى في هذا المجال.

وأشار إلى أن القانون 18.12، الذي صدر بموجب الظهير الشريف رقم 1.14.190 عام 2014، كان يمنح وزارة التشغيل اختصاص الإشراف على الحماية الاجتماعية لحوادث الشغل، لكن التعديلات الجديدة تنقل هذه المهمة إلى وزارة الصحة لضمان تكامل السياسات الاجتماعية في هذا القطاع.

كما أكد الوزير أن مشروع القانون الجديد يُدخل تغييرات جوهرية على الإطار التشريعي الحالي، من بينها إحلال عبارة "الإدارة المختصة" محل المصطلحات المرتبطة بمديريات التشغيل الجهوية والإقليمية، وهو ما سيمكن من تبسيط الإجراءات وتوضيح المسؤوليات.

ويهدف المشروع كذلك إلى تحقيق الانسجام بين النصوص القانونية والتنظيمية، بما يضمن ممارسة السلطة الحكومية الجديدة لمهامها بوضوح وفعالية أكبر.

وتُعدّ هذه التعديلات جزءًا من مسار طويل لإصلاح منظومة الحماية الاجتماعية في المغرب، وهو ورش استراتيجي يهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وضمان حقوق العمال، خاصة في مواجهة التحديات التي يفرضها سوق العمل.

ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر يظل في كيفية تطبيق هذه التعديلات على أرض الواقع، ومدى قدرتها على تحقيق الفعالية المرجوة، خصوصًا في ظل الانتقادات التي توجهها النقابات والنواب حول توزيع الاختصاصات بين الوزارات المختلفة.

ورغم المصادقة بالإجماع على القانون، فإن الجدل حول مدى نجاعة التعديلات المقترحة لا يزال قائمًا، وسط مطالبات بمزيد من الإصلاحات العميقة، خاصة فيما يتعلق بدور شركات التأمين ومراجعة التعويضات المستحقة للمتضررين.

ويبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه التعديلات ستضع حدًا للمعاناة التي يواجهها ضحايا حوادث الشغل، أم أنها ستظل مجرد تعديل قانوني لا يغير واقع الحال.

آخر الأخبار