مجلة "Le Point" الفرنسية: هكذا حازت الخبرة الأمنية في مكافحة الإرهاب صيتا عالميا 

الكاتب : الجريدة24

07 فبراير 2025 - 07:00
الخط :

هشام رماح

"لقد خططوا لكل شيء.. أجروا استطلاعات دقيقة ورسموا مسارات مدروسة بعناية.. بل إنهم سجلوا مقاطع تصويرية يتبنون فيها ما كان يعتزمون تنفيذه من عمليات إرهابية ويعلنون فيها عن مطالبهم... لكن مخططاتهم أحبطت من قبل "المكتب المركزي للأبحاث القضائية المعروف اختصارا بـ"BCIJ"".

هكذا استهلت مجلة "Le Point" الفرنسية تقريرا مطولا تناول المجهودات التي تبذلها المملكة المغربية عبر "المديرية العامة للأمن الوطني" و"المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني"، لصد التهديدات الإرهابية التي تتربص بها وبرعاياها الدوائر، والتي خطفت اهتمام وسائل الإعلام العالمية في مسار مكافحة الإرهاب، الذي أخذه المغرب ومؤسساته على العاتق.

المجلة الفرنسية عرجت على تفكيك خلية "حد السوالم" المشكلة من أربعة عناصر إرهابية من بينهم ثلاثة أشقاء، وقد أكدت على أن "المكتب المركزي للأبحاث القضائية" الذي تأسس في 2015، من قبل "المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني" (DGST)، التي يديرها عبد اللطيف الحموشي، أصبح مفتاح نجاح المغرب في التصدي للإرهاب ومجابهة كل التهديدات الناجمة عن التوجه المتشدد والمتطرف.

وكما أن أفراد خلية "حد السوالم" تبنوا مقاربة "الجهاد الانفرادي"، في تبن منهم لتكتيكات "الذئاب المنفردة"، فإن هكذا أسلوب أصبح سمة للعديد من الخلايا الإرهابية التي جرى تفكيكها، في المغرب. في العديد من الخلايا التي تم تفكيكها في المغرب، وفق ما أفاد به حبوب الشرقاوي، مدير "المكتب المركزي للأبحاث القضائية".

مجلة "Le Point"، أوردت بأنه وانسجاما مع ترسب لدى المحققين المغاربة، فإن الأمر ينم عن تطور استراتيجي كبير للإرهاب في المنطقة، إذ أن الجماعات الجهادية الساحلية، لم تعد تكتفي بالعمل في معقلها بل إنها تسعى الآن إلى التسلل إلى منطقة المغرب العربي.

منطقة الساحل القاعدة الخلفية الجديدة للإرهاب

وأفادت المجلة الفرنسية الذائعة الصيت، بأنه ومنذ بداية التحقيق بشأن خلية "حد السوالم"، بزغ إلى السطح عنصر مهم جدا، وهو متانة الروابط التي تجمع بين أفراد هذه الخلية والحراك الإرهابي في منطقة الساحل، إذ تواصلت الذئاب المنفردة التي جرى اعتقالها مع واحد من أمراء الدم الداعشيين المتواجدين في المنطقة، والذي اضطلع بتوجيههم وتدريبهم والإشراف عليهم عن بعد.

ولفتت "Le Point" الانتباه إلى أن التحقيقات كشفت أن ما يجمع بين خلية "حد السوالم" و"داعش" في منطقة الساحل يتجاوز تبني نفس العقيدة الإديولوجية، إذ كان المعتقلون يخضعون لتدريبات حقيقية وتوجيهات لصناعة المتفجرات ورسم استراتيجيات الهجوم وتقنيات الفرار.

وأكدت المجلة الفرنسية على أن الأرقام تتحدث عن نفسها، فمنذ نهاية عام 2022، انضم ما لا يقل عن 130 متطرفا مغربيا إلى بؤر الجهاد في الصومال ومنطقة الساحل، وقد تسلق بعضهم رتبا داخل التنظيمات الإرهابية ليبلغوا مراكز القيادة، فيما شارك آخرون في عمليات كبرى مثل الهجوم على ثكنة عسكرية صومالية في 31 دجنبر 2024، وهناك جرى التعرف على مغاربة من بين الانتحاريين.

وأفادت "Le Point" بأن منطقة الساحل تحولت إلى بيئة حاضنة للإرهاب، كما أن تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ"داعش" لا يضمر طموحاته في التوسع باتجاه المغرب العربي، علما أن الوضع يبعث على الكثير من القلق وينذر بمخاطر جمة في ظل توالي الانقلابات العسكرية بما أضعفت العديد من بلدان المنطقة.

ونقلت المجلة عن حبوب الشرقاوي، مدير الـ"BCIJ" تحذيراته من هذا الوضع بالقول إنه "منذ الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، واصلت الجماعات الإرهابية اكتساب السلطة، مستغلة حالة عدم الاستقرار لتوسيع نفوذها في استغلال منهم لمقومات البيئة الحاضنة من قبيل شساعة الأراضي العصية على السيطرة، فضلا عن الصراعات القائمة بين القبائل ثم الفراغ الأمني الناجم عن انسحاب القوات الدولية والإقليمية، مثل بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي وقوة "برخان" (Barkhane) الفرنسية ومجموعة دول الساحل الخمس (G5 Sahel)".

وأوردت "Le Point" أنه و"لمواجهة هذا التوسع، أصبح التعاون الأمني الدولي أكثر من أي وقت مضى أداة أساسية"، إذ أكد حبوب الشرقاوي على أن "المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني" (DGST)، أشرفت على تأطير وتدريب ضباط من عدة دول إفريقية، منها الغابون وكوت ديفوار وغينيا كوناكري ومدغشقر وتنزانيا، وشاطرتهم خبراتها في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف المتشدد.

واستدركت المجلة الفرنسية بأن "منطقة الساحل ليست المصدر الوحيد للقلق، فقد أصبحت مخيمات تندوف ملجأ استراتيجيا للجماعات الإرهابية" محيلة على أنها وتنظيم "داعش" في الصحراء الكبرى تجد في المنطقة بيئة مثالية لتجنيد وترتيب اللوجيستيك، من خلال استغلال غياب السيطرة وضعف السكان المحليين.

وحسب نفس المصدر، يعد "عدنان أبو الوليد الصحراوي"، مثالا صارخا على ذلك، إذ فقد كان عضوا سابقا فيما يعرف بمخيمات العار بـ"الهيئة الإدارية لاتحاد شباب بوليساريو" (UJSARIO)، وكان المسؤول عن استقبال الوافدين الأجانب على مخيمات تندوف الكائنة فوق التراب الجزائري.

وكان "عدنان أبو الوليد الصحراوي"، لجأ إلى التطرف من خلال الانضمام إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في عام 2008، ثم أضحى أحد أكثر القادة دموية في تنظيم "داعش" في منطقة الساحل، كما أن مسيرته المهنية تفيد بترتيب روابط خطيرة بين جبهة "بوليساريو" في مخيمات تندوف والجماعات الجهادية التي تنشط في المنطقة.

و"كانت أجهزة الاستخبارات المغربية قد توقعت هذا الصعود في قوة الشبكات الإرهابية في منطقة الساحل قبل وقت طويل من أن يصبح حقيقة واقعة، إذ قال حبوب الشرقاوي، "لقد حذرنا من خطر تحول هذه المنطقة إلى "مالي ستان"، أي أفغانستان جديدة للإرهاب"، وهو تحذير يتردد صداه اليوم أكثر من أي وقت مضى. وفي الواقع ورغم تفكيك الخلايا بشكل منتظم، فإن التهديد لم يتلاشى أبدا"، كما أوردت "Le Point".

التطرف العائلي والتأطير الـ"سيبراني": التهديدات الإرهابية الجديدة

أفادت مجلة "Le Point" الفرنسية بأن ما يعلق بالأذهان بشأن العملية النوعية المتعلقة بتفكيك خلية "حد السوالم"، هو بنيتها في حد ذاتها، إذ ثلاثة من المشتبه بهم الأربعة الذين تم القبض عليهم هم أشقاء، وبخلاف المعروف بخصوص عمليات التجنيد فإن التأطير والتلقين لدى هؤلاء كان يتم في نواة الأسرة.

وأحالت على أن المحققين توقفوا كثيرا عند خطط هذه "الذئاب المنفردة"، إذ انتفت لديهم نية للتوقف عند هذا الحد وبعد تنفيذ هجماتهم، كانوا يخططون للالتحاق بمعسكرات "داعش" في منطقة الساحل، وعلة سبيل المثال فإن الأخ الأكبر وهو شخصية محورية في الخلية الإرهابية، كان ينوي أخذ أبنائه الخمسة إلى هذه المنطقة وهو ما يسلط الضوء على استراتيجية باعثة للقلق من لدن التنظيمات الإرهابية، تتمثل في، "توفير ظروف المعيشة والإقامة لجذب ليس فقط المقاتلين ولكن أيضا عائلاتهم"، كما أكد حبوب الشرقاوي.

وحسب "Le Point" فإنه وعلى النقيض من الشبكات التقليدية التي تترك آثارا ويمكن اختراقها، تعمل النواة العائلية كملاذات أيديولوجية، مما يجعل اكتشافها أكثر صعوبة، وهنا تحقق الفارق بالاستناد على تجربة وحنكة المحققين في "المكتب المركزي للأبحاث القضائية" وذلك عبر التدقيق في أصغر القرائن بما في ذلك الحركات المشبوهة والمشتريات غير العادية للمواد الكيميائية والاتصالات مع الأفراد تحت المراقبة، وهو ما مكن العملاء من تفكيك الخلية وإحباط مخططاتها الإرهابية، قبل المرور لترجمتها على أرض الواقع.

المثير أيضا، هو نهج التلقين الـ"سيبراني"، فقط أصبحت منصات التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة المشفرة فضاءات للاستقطاب وللتجنيد، حيث يتم تداول مقاطع فيديو لـ"داعش" بلا قيود، ويتم تعليم تقنيات الهجوم وتشكيل الروابط بين الخلايا الإرهابية، كما أوردت المجلة الفرنسية مشيرة إلى أن الـ"BCIJ"، واحترازا منه لاحتواء هذا المعطى، أنشأ وحدة متخصصة في مراقبة واختراق هذه الفضاءات الرقمية، وهي يقظة مكنت من إحباط العديد من الهجمات قبل المرور لمرحلة التطبيق، ومنذ عام 2016 تم اعتقال أكثر من 600 متطرف في المغرب اعتنقوا الفكر المتطرف عبر الإنترنت.

استراتيجية أمنية وإيديولوجية لمجابهة التطرف

"المملكة المغربية لا تقتصر على النهج الأمني في مواجهة هذه التهديدات" كما أفادت "Le Point" محيلة على أنها وتحت قيادة الملك محمد السادس، جعلت من مكافحة الإيديولوجية المتطرفة أولوية ومحورا استراتيجيا رئيسيا، إذ منذ مستهل القرن الحادي والعشرين، ترسَّم إصلاح في المجال الديني بهدف تعزيز الإسلام المعتدل وتعزيز قيم التسامح.

وأوردت المجلة الفرنسية في تقريرها المطول أنه وتنزيلا للرؤية الملكية، جرى إنشاء المجالس العلمية الإقليمية التي مكنت من ضمان الرقابة الدينية اللامركزية، كما جرى تعيين "المجلس العلمي الأعلى"، كسلطة وحيدة مختصة ومخول لها إصدار الفتاوى، بما يضمن التماسك العقائدي ويقطع الطريق على الانحرافات المتطرفة.

وأضاف نفس المصدر بأنه وعلى صعيد السجون، جرى توطين برنامج إعادة تأهيل المصالحة في عام 2017 وهي مبادرة رائدة تهدف إلى تزويد السجناء الإسلاميين بفهم أفضل للنصوص الدينية من أجل تشجيعهم على نبذ الإيديولوجية المتطرفة والمصالحة مع أنفسهم ومع المجتمع، وقد هم هذا البرنامج 331 مشاركا وانعكس إيجابيا بحصول 177 شخصا على العفو الملكي وتخفيف أحكام 39 شخصا آخرين، بينما لم يتم تسجيل أي حالة تكرار انخراط في التطرف أو تبني الفكر المتطرف حتى الآن، مما يدل على فعالية ونجاح هذه المبادرة.

المغرب جامعة الأئمة الأفارقة

"رسخت المملكة مكانتها كلاعب أساسي في مجال التعليم الديني في إفريقيا وخارجها، جرى إبرام اتفاقيات ثنائية مع العديد من البلدان، بما في ذلك مالي وساحل العاج والسنغال وغينيا وتونس وتشاد وفرنسا، وقد تم تكوين مئات الأئمة في المعاهد المغربية، بما في ذلك معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والخطباء الذي يدرب 150 إماما و50 داعية سنويا، مما يساهم في نشر الإسلام الوسطي في المناطق الأكثر عرضة لانتشار التطرف"، كما جاء في تقرير "Le Point".

وحسب المجلة فإن المملكة المغربية وإن كانت تستطيع الرهان على الخبرة القوية وخدمات الأمن الفعالة والنهج الاستباقي، إلا أن التحديات تظل هائلة"، كما أن "التزامها الأكيد والثابت بمكافحة الإرهاب يضعها أيضا في مواجهة تحديات أمنية متزايدة".

واستأنست "Le Point" بتصريح حبوب الشرقاوي، مدير الـ"BCIJ"، الذي قال إن "المغرب يواجه تهديدا مزدوجا، فمن جهة هناك العداء المستمر من جانب "داعش" و"القاعدة" وغيرهما من التنظيمات الإرهابية المتطرفة بسبب التزامه الثابت بمكافحة الإرهاب وثم هناك قربه من منطقة الساحل، التي أصبحت معقلا رئيسيا للجهاد العالمي".

ووفق المجلة الفرنسية فإن "الوضع الـ"جيوستراتيجي" المعقد الذي يعرض المغرب لتحديات أمنية عديدة، لا يقوض بأي حال من الأحوال قدرته على الصمود أو التكيف مع التهديدات الناشئة"، مضيفة بأن "الخبرة المغربية في مكافحة الإرهاب أصبحت محط اعتراف لا نظير له على الساحة الدولية، مما يجعل البلاد لاعبا أساسيا في الاستجابة العالمية لمكافحة التطرف".

واستندت "Le Point" على تصريحات حبوب الشرقاوي، حين قال إن "التجربة المغربية في مجال التعاون الدولي تطورت خلال السنوات الأخيرة إلى ما هو أبعد من مجرد تبادل المعلومات لتشمل المعالجة القضائية المشتركة لبعض القضايا المرتبطة بالإرهاب"، ولا غرو أن هذه الفلسفة الاستباقية على وجه التحديد هي التي مكنت المغرب، من إبقاء التهديد تحت السيطرة.

آخر الأخبار