40 عائلة تسيطر على 160 رخصة.. الدار البيضاء تعلن الحرب على ريع ركن السيارات

الكاتب : انس شريد

08 فبراير 2025 - 08:30
الخط :

في خطوة وصفت بالحازمة والجريئة، أعلنت جماعة الدار البيضاء شنّ حرب مفتوحة ضد ريع ركن السيارات بالعاصمة الاقتصادية، واضعة حداً لفوضى استغلال الملك العام التي أرّقت البيضاويين لسنوات طويلة.

القرار، الذي جاء تتويجاً لسلسلة من الشكاوى والاستياء الشعبي، يهدف إلى إنهاء مظاهر العشوائية والتسيب التي تحيط بقطاع حراسة السيارات، مع مراعاة البعد الاجتماعي لحماية حقوق الفئات المتضررة من هذه الإجراءات.

لم يكن هذا التحرك وليد اللحظة، بل جاء بعد تراكمات من الغضب الشعبي الذي تفجّر بسبب ممارسات بعض حراس السيارات الذين حولوا الشوارع إلى ما يشبه الإقطاعيات الخاصة، فارضين "إتاوات" غير قانونية على المواطنين دون أي إطار تنظيمي يحكم نشاطهم.

ولم يتردد نائب عمدة الدار البيضاء، الحسين نصر الله، على هامش أشغال الدورة العادية للمجلس لشهر فبراير الجاري، في وصف الوضع بعبارات صارمة، مؤكداً أن قطاع ركن السيارات يعاني من "الريع"، وأن الجماعة عازمة على محاربته بكل قوة، مع ضمان حقوق المستفيدين النظاميين من هذه الأنشطة.

تصريحات نصر الله كشفت عن معطيات صادمة، أبرزها أن 40 عائلة فقط تسيطر على 160 رخصة لركن السيارات، فضلاً عن وجود أشخاص يتحكمون في عدة شركات ويحصلون على أكثر من رخصة بشكل غير منطقي.

هذا الاحتكار الفاضح لم يعد مقبولاً، خاصة في ظل تفاقم معاناة المواطنين مع حراس يفتقرون في كثير من الأحيان لأي سند قانوني يبرر وجودهم في الشوارع.

على إثر ذلك، قرر مجلس جماعة الدار البيضاء خلال دورته العادية لشهر فبراير تأجيل المصادقة على اتفاقية شراكة مع شركة التنمية المحلية "الدار البيضاء للبيئة" لتدبير مرفق وقوف وركن العربات والدراجات، تمهيداً لمراجعة دفتر التحملات المتعلق بالترخيص باستغلال الملك العام، مع المصادقة عليه خلال الجلسة الثانية للدورة.

خطوة وصفها نصر الله بـ"نقطة نظام" لوضع حد للفوضى السائدة، مؤكداً أن القرار لا يستهدف الحراس النظاميين بل تلك الفئة التي تستغل الفوضى لتحقيق مكاسب شخصية دون أي احترام للقانون.

ورغم وجاهة القرار وأهميته في تنظيم القطاع، إلا أن ردود الفعل لم تتأخر.

فقد عبّر العديد من حراس السيارات عن استيائهم العميق، معتبرين أن هذا التجميد يهدد مصدر رزقهم الوحيد ويعرض أسرهم لخطر التشرد.

هؤلاء الحراس يرون أنفسهم ضحايا لغياب سياسات واضحة تنظم عملهم وتوفر لهم الحماية القانونية والاجتماعية اللازمة، مطالبين الجهات المسؤولة بإيجاد حلول متوازنة تراعي مصالحهم ولا تقضي على استقرارهم الاقتصادي.

ودخلت نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب على خط الأزمة، مؤكدة أن القرار اتُّخذ دون دراسة كافية لتبعاته الاجتماعية والاقتصادية.

ودعت إلى ضرورة إشراك الجمعيات والنقابات الممثلة للعاملين في القطاع لتقنين المهنة وتنظيمها في إطار قانوني يحمي حقوق الجميع.

كما شددت على أهمية فتح قنوات حوار مع السلطات المحلية والشركات الخاصة لضمان حقوق الحراس ومنع احتكار النشاط من قبل شركات قد تقصي الحراس التقليديين وتزيد من تعقيد الوضع.

 

 

في المقابل، يرى مسؤولو الجماعة أن هذه الخطوة ضرورية لوضع حد لسنوات من العشوائية.

فقد سبق لعمدة الدار البيضاء، نبيلة الرميلي، أن وجهت مذكرة إلى رؤساء المقاطعات تطلب منهم عدم تجديد رخص ركن السيارات وعدم منح رخص جديدة، في مسعى لضبط القطاع والتحكم في مظاهر الفوضى.

ورغم تفويض رؤساء المقاطعات صلاحية منح الرخص في بعض الشوارع، إلا أن العملية لم تنجح بالشكل المطلوب، ما دفع الجماعة إلى التدخل المباشر من خلال إصدار قرار تجميد شامل.

هذا الصراع بين الحاجة لتنظيم القطاع ومراعاة البعد الاجتماعي يعكس عمق التحديات التي تواجه السلطات المحلية في إدارة المدينة.

فبين مطرقة مكافحة الريع وسندان الحفاظ على مصادر رزق آلاف الأسر، تقف جماعة الدار البيضاء أمام معادلة صعبة تتطلب حلولاً مبتكرة.

آخر الأخبار