تسريح مدرسات محو الأمية يشعل الجدل.. والحكومة تحت الضغط

رغم التقدم الذي أحرزته المملكة في مجال محاربة الأمية، إلا أن الأرقام لا تزال تعكس تحديًا حقيقيًا يستدعي المزيد من الجهود والتدخلات العاجلة. فقد كشف الإحصاء العام للسكان لعام 2024 أن نسبة الأمية لا تزال مرتفعة، إذ تصل إلى 25% على المستوى الوطني، فيما تقفز هذه النسبة إلى 38% في المناطق القروية، وترتفع بشكل أكبر بين النساء لتتجاوز 32%.
هذه الأرقام، التي تعكس استمرار الفجوة التعليمية، وضعت الاستراتيجية الوطنية لمحو الأمية تحت المجهر، خاصة بعد التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات، الذي سجل عدداً من الاختلالات البنيوية في هذا القطاع، من بينها محدودية الأثر وضعف آليات التتبع والتقييم،
إضافة إلى غياب التعاقد الواضح بين الدولة والوكالة الوطنية لمحاربة الأمية لضمان تحقيق أهداف ملموسة. كما أشار التقرير إلى اعتماد الوكالة على جمعيات غير متخصصة، وهو ما أثر سلبًا على جودة البرامج التعليمية وكفاءتها.
وسط هذه التحديات، جاء قرار تسريح عدد كبير من مدرسات محو الأمية في مختلف المدن المغربية ليضيف أزمة جديدة إلى المشهد.
فالأستاذات اللواتي راكمن خبرات تمتد لسنوات، وجدن أنفسهن خارج المنظومة التعليمية دون سابق إنذار أو تبرير واضح من الجهات المعنية.
هذا القرار المفاجئ يهدد باستمرار تفاقم معدلات الأمية، خاصة في المناطق القروية التي تعتمد بشكل أساسي على هذه البرامج لمساعدة الفئات الهشة على اكتساب مهارات القراءة والكتابة.
الجدل الذي أثاره هذا القرار دفع البرلمان إلى التدخل، حيث وجهت النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية، نزهة مقداد سؤالًا كتابيًا إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة حول أسباب هذا التسريح الجماعي، مطالبة بتوضيح التدابير التي ستتخذها الوزارة لإنصاف هذه الفئة، خاصة في ظل انعدام البدائل وفرص الشغل، خصوصًا في الأقاليم النائية مثل تنغير.
وسبق أن أكد وزير التربية الوطنية محمد سعد برادة خلال أشغال الدورة العاشرة لمجلس إدارة الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، على ضرورة تكثيف الجهود لمحو الأمية وتعزيز التعلم مدى الحياة، مشيرًا إلى أن هذا الملف لا يزال يمثل تحديًا رغم التقدم المحقق.
كما شدد على أهمية الأخذ بعين الاعتبار توصيات المجلس الأعلى للحسابات، داعيًا إلى تبني حلول مبتكرة لتعزيز فعالية البرامج التعليمية وضمان تحقيق نتائج ملموسة.
في السياق ذاته، أشار الوزير إلى أن القانون الإطار رقم 51.17 جعل من محو الأمية التزامًا اجتماعيًا للدولة، معتبرًا أنه يشكل ركيزة أساسية للنهوض بالنسيج الاقتصادي من خلال تحسين مستوى الكفاءات البشرية.
كما أكد أن هذه الدورة تأتي في سياق خاص، يتزامن مع نشر نتائج الإحصاء العام للسكان والتقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، ما يستوجب إعادة تقييم استراتيجية الدولة في هذا المجال لضمان تحقيق الأهداف المنشودة.
بدوره، كشف وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، في وقت سابق داخل قبة البرلمان، أن عدد المستفيدين من برامج محو الأمية منذ إطلاقها عام 2000 بلغ نحو 4.99 مليون مستفيد، منهم 2.1 مليون في العالم القروي. كما أشار إلى أن الوزارة خصصت ميزانية سنوية لهذا البرنامج بلغت 180 مليون درهم لعام 2025، منها 94.32 مليون درهم موجهة للمناطق القروية.
ورغم هذه الجهود، فإن تحقيق الأهداف المنشودة يبقى مرهونًا بتوسيع نطاق الاستفادة وتوفير الإمكانيات اللازمة لمواصلة هذه البرامج.
وفي ظل هذه التطورات، تتجه الأنظار إلى الحكومة لمعرفة كيف ستتعامل مع هذا الملف، خاصة في ما يتعلق بإعادة إدماج الأستاذات المسرحات، وضمان استمرار برامج محو الأمية بوتيرة أكثر فعالية، مع ضمان حقوق جميع العاملين داخل القطاع.
فبين الأرقام الرسمية التي تشير إلى تقدم ملحوظ، والتحديات الواقعية التي تعيق التنفيذ، يبقى محو الأمية معركة مفتوحة تحتاج إلى رؤية أكثر شمولية وإجراءات أكثر جرأة لضمان مستقبل تعليمي أكثر إشراقًا لجميع فئات المجتمع.