المحكمة تواصل فك ألغاز ملف "إسكوبار الصحراء"

الكاتب : انس شريد

21 مارس 2025 - 06:30
الخط :

في خضم دراما قضائية تشبه حكايات الجريمة العالمية، يكتسح ملف "إسكوبار الصحراء" أروقة محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، حيث تتشابك خيوط الاتهامات لتشمل تهم تبييض الأموال وتهريب المخدرات والتزوير، فيما يُتهم أزيد من 20 فردًا من شخصيات بارزة في الساحة السياسية والرياضية والتجارية.

وفي قلب هذا الملف الملتبس يظهر عبد الرحيم بعيوي، شقيق الرئيس السابق لجهة الشرق عبد النبي بعيوي، الذي يواجه اتهامات خطيرة تتعلق بالمشاركة في عمليات تحكيم ماسٍّ للحريات الشخصية بهدف إرضاء مصالح شخصية، إضافة إلى اتهامات بمشاركة في اتفاقيات لتهريب المخدرات ونقلها وتصديرها دون تصريح قانوني، فضلاً عن تهمة إخفاء أشياء متحصل عليها من جنحة وفقًا للفصول الجنائية ذات العلاقة.

منذ بداية الجلسة، والتي أقيمت يوم الجمعة، تصدح تصريحات المتهم الذي ينكر بصراحة علاقته بأي شبكة تهريب مخدرات، مؤكدًا أنه منذ التحاقه بالشركة حرص على تصفية كل المخالفات القانونية والإدارية، وأن الادعاءات المحيطة بواقعة الشاحنات، سواء كانت تلك التي تتحدث عن شاحنتين حمراوين أو تلك المتعلقة بنزع جهاز التتبع (GPS)، لا أساس لها من الصحة.

إذ أشار المتهم إلى أنه كان مسؤولًا عن إدارة شركة تضم 600 أجير وأن الشاحنات التي تم استخدامها كانت صفراء اللون، منفيًا أي علاقة لها بملكيات شخص يُدعى "المالي" أو بشبكة تهريب معينة.

وفي تصريحات مثيرة، صرح بأن نقل الشاحنات من العاصمة الرباط إلى وجدة لم يكن بأمره إطلاقًا، مشددًا على أن العمليات كانت تتم وفق أوامر من مدير الشركة العام الذي كان يتابع كل صغيرة وكبيرة.

وعندما تم استجوابه بشأن إحدى الشاحنات التي قبض عليها رجال الأمن محملة بما يقارب 40 طناً من مخدر الشيرا، نفى المتهم علمه بهذه الواقعة، مبينًا أن الشاحنات كانت تُستخدم حصريًا في مقالع تكسير الأحجار.

كما حاول التشكيك في صحة الخبرات الفنية التي أظهرت تزوير الأرقام التسلسلية للشاحنات، حيث قدم صورًا ووثائق تثبت أن الشاحنات ليست من الصنع الصيني كما ادعى البعض، بل إيطالية الصنع، فيما أُعيرت لها بطاقة رمادية تبرهن ذلك.

وفي سياقٍ متصل، أكّد المتهم أنه لم يستلم أي شاحنات دون وثائق قانونية، وأنه حينما وجد تقرير الشرطة الذي يتحدث عن وجود شاحنات ناقصة أوراق، كانت تلك الشاحنات في الواقع غير مستوفية للمستندات المطلوبة عند نقلها إلى الشركة، وهو ما دفعه لإصدار أوامر بعدم تشغيل أي شاحنة أو آلية لا يتوفر عليها الوثائق الرسمية.

ومن جهة أخرى، أسدل المتهم ستارًا على تفاصيل معاملات مالية أثارت جدلاً واسعًا، حيث كشف أن مداخيله بنسبة 20% من عائدات الفلاحة  وتربية المواشي، كما أن أرباح شركته وصلت 170 مليار سنتيم، بدون أي شبهات تذكر وفقا لما يروج له البعض.

وفي ظل هذه الأرقام الضخمة، شددت النيابة العامة على ضرورة إجراء خبرة تقنية على كشوف الحسابات البنكية للمتهم، مشيرة إلى عمليات تحويل بنكية ضخمة مشبوهة تجاوزت مليار، وهو ما جعل السؤال يحوم حول مصادر هذه الأموال الكبيرة.

على صعيد آخر، لم يخلِ الملف من تفاصيل تربط بين شخصيات سياسية ورياضية بارزة؛ فقد ذُكر اسم سعيد الناصري الرئيس السابق لنادي الوداد الرياضي، الذي يُزعم أن لقاءاته مع المتهم حدثت داخل سجن عكاشة بالدار البيضاء، فيما أشارت تصريحات بعض الشهود إلى علاقات وطيدة تربط بين المتهم وشخصيات أخرى مثل الحاج بن إبراهيم المعروف بلقب "المالي"، الذي يُقال إنه استورد 60 سيارة و16 شاحنة وحاول استخراج شهادات المطابقة لتلك المركبات، لكن لم يتمكن من ذلك بسبب اختلاف المواصفات.

وفي هذا السياق، أدلى شاهد من داخل الشركة يُدعى "ت.ز" بتفاصيل مثيرة حول عملية استلام الشاحنات التي أفادت بأنها جاءت بدون أوراق قانونية وأنه تم تسليم مبلغ مالي قدره 500 ألف درهم من قِبل كاتبة يُزعم اسمها غزلان، إلا أن المتهم نفى تمامًا وجود هذه الكاتبة في الشركة، مؤكدًا أن مثل هذه الأمور لا تجري في مؤسساته.

على هامش المحاكمة، خرج المحامي مبارك المسكيني، عضو هيئة دفاع سعيد الناصري، بتصريحات نارية، أكد فيها أن موكله "تم الزج به في هذا الملف دون أي سند قانوني".

وأضاف أن "كل ما قيل عن الناصري مجرد اتهامات كيدية من شخصيات تحاول الانتقام منه"، مشددًا على أن الدفاع يملك "حججًا قاطعة ستثبت براءته عند استكمال المناقشة".

وأشار المسكيني إلى أن الملف مليء بالتناقضات، وأن الناصري لم يكن له أي علاقة بشبكة تهريب المخدرات أو بعمليات التلاعب المالي التي تضمنها الملف.

وأوضح أن المحكمة ستقف قريبًا على حقيقة أن موكله كان ضحية مؤامرة لتوريطه في قضية لا تمت له بصلة.

وبينما يتصاعد التوتر داخل قاعة المحكمة، يبدو أن ملف "إسكوبار الصحراء" قد أصبح ساحة معركة قانونية تتصارع فيها الأدلة والوثائق مع التصريحات والنفي المتكرر، حيث تنتظر الجلسة القادمة في 4 أبريل لاستكمال الاستماع إلى المتهمين البارزين مثل سعيد الناصري وعبد النبي بعيوي، في انتظار ما ستكشفه الحقائق أمام هيئة الحكم.

آخر الأخبار