المعارضة: فقدنا التوازن السياسي مع هذه الحكومة ومستعدون لتفعيل ملتمس الرقابة

في أجواء سياسية مشحونة بكثير من التساؤلات والمخاوف، شكّلت ندوة سياسية نظّمتها مدرسة HEM للأعمال والهندسة بمدينة الدار البيضاء منصة قوية لقادة المعارضة المغربية لتفريغ ما تراكم من انتقادات وهواجس حول الأداء الحكومي خلال نصف الولاية التشريعية.
تحت عنوان عريض ومفتوح على كل الاحتمالات: "المعارضة السياسية والمشاركة في صنع القرار: أي دور لبناء التوازن السياسي في البلاد؟"، اجتمع كل من نبيل بنعبد الله، ومحمد أوزين، وإدريس لشكر، ليُجمعوا على أن المشهد السياسي يعيش أزمة حقيقية في التوازن، وركوداً في الحوار، وتراجُعاً مقلقاً في الممارسة الديمقراطية.
ولم يتردد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في وصف الواقع السياسي بـ"المهزلة"، قائلاً إننا نعيش لحظة سياسية لا تبعث على الارتياح، وأن الفساد والمال أصبحا أدوات أساسية في تشكيل المشهد الانتخابي والسياسي.
وشدد على أن تجاوز هذه الأزمة لن يتم إلا عبر مشاركة واسعة، فضح مظاهر التغول، ومواجهة كل أشكال الانحراف عن قواعد التنافس الديمقراطي النزيه.
بالنسبة له، الحفاظ على المسار الديمقراطي يتطلب آليات واضحة وصريحة لردع الفساد، لأن الخطر لم يعد يتهدد فقط مصداقية الأحزاب، بل مصير المؤسسات المنتخبة برمّتها.
لم يتوقف بنعبد الله عند التشخيص العام، بل قدّم مثالاً مباشراً من شهر رمضان الماضي، حيث أشار إلى استغلال بعض الأطراف للمساعدات الغذائية المعروفة بـ"القفف" في سياق ترويجي سياسي مرفوض، مؤكداً أن هذه الممارسات تُشوّه الحياة السياسية ويجب أن تتوقف فوراً.
من جهته، وجّه محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، انتقادات لاذعة للأغلبية، متهماً إياها بعدم الانسجام والتنصل من التزاماتها الواردة في البرنامج الحكومي، قائلاً إن الحكومة تملك تعاقداً واضحاً لكنها لا تحترمه على أرض الواقع.
وتحدث عن ملتمس الرقابة الذي كانت المعارضة تدرسه، معتبراً أنه لم يُفعّل فقط لإعطاء الوقت للحكومة لتقديم حصيلتها، لكنه اليوم أصبح أكثر من ضروري في ظل "التهور والتغول الحكومي".
وساءل الحاضرين قائلاً: "هل يُعقل أنه منذ 2010 لم يتم استخدام آلية الرقابة البرلمانية، هل كل شيء يسير على ما يرام؟".
أوزين لم يُخفِ استياءه مما وصفه بـ"عبثية تدبير بعض الملفات"، وعلى رأسها ملف استيراد الأغنام الذي أثار جدلاً واسعاً مؤخراً، حيث أكد أن لوبيات استفادت من دعم ضخم دون أن يكون لذلك أي أثر إيجابي على القدرة الشرائية للمواطن، معتبراً أن أسعار الماشية بقيت مرتفعة بشكل غير مقبول، وهو ما دفع المعارضة إلى تشكيل لجنة تقصّي الحقائق لكشف خبايا هذا الملف.
لكن السقف السياسي الأعلى رفعه إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي وصف المشهد السياسي الراهن بأنه يشهد تراجعاً خطيراً في منسوب الديمقراطية.
لم يتردد في القول إن "الديمقراطية كما نعرفها لم تعد قائمة في المغرب"، معتبراً أن تغوّل الأغلبية وهيمنتها على القرار الحكومي والإداري حوّل العملية السياسية إلى سلطة أحادية تُقصي الآخر، سواء كان مؤسسة دستورية، هيئة حكامة أو معارضة برلمانية.
لشكر استعاد تجربة حزبه في المعارضة خلال العقود الماضية، حين كانت المواجهة مباشرة مع النظام السياسي، وقال إن الاتحاد الاشتراكي لطالما آمن بأن الديمقراطية لا تُختزل في أرقام الأغلبية، بل تقوم على الإنصات والتشارك، وهو ما بات غائباً تماماً اليوم.
وأشار إلى أن روح دستور 2011، التي بُنيت على التوافق والانفتاح، باتت شبه غائبة، لأن الممارسات السياسية الحالية لا تتيح أي إمكانية لتنزيل إصلاحاته الجوهرية.
أبرز ما شدد عليه لشكر في مداخلته هو أن حزب الاتحاد الاشتراكي مستعد لتفعيل ملتمس الرقابة كآلية دستورية مشروعة لمساءلة الحكومة، وقال بوضوح: "السياسة هي فن الممكن، وإذا استمر هذا الوضع، فالرقابة البرلمانية ستكون خياراً مطروحاً بقوة".
وأعرب عن قلقه من صعوبة تشكيل لجان لتقصي الحقائق داخل البرلمان، نتيجة العوائق الإجرائية، وعلى رأسها جمع ثلث التوقيعات، معتبراً أن ذلك يُفرغ هذه الآليات من مضمونها الحقيقي.
وفي تقييمه لتنسيق المعارضة، اعتبر لشكر أن الاختلاف الإيديولوجي بين الأحزاب المعارضة لا يمنع من التقاء مواقفها حول قضايا وطنية كبرى، غير أن التناسق ليس شرطاً ضرورياً كما هو الحال داخل الحكومة، التي يفترض فيها الانسجام بحكم مسؤوليتها التنفيذية المباشرة.
المعارضة، عبر رموزها الحزبية الثلاثة، بعثت برسائل سياسية واضحة ومباشرة: التغول مرفوض، غياب الحوار مقلق، وانحدار الممارسة الديمقراطية يُنذر بفراغ سياسي خطير.