هل يتجه البرلمان لتشديد الخناق على نواب السلايتية؟

في خطوة تعكس تغيرًا ملموسًا في توجهات المؤسسة التشريعية نحو مزيد من الصرامة والانضباط، شرع مجلس النواب، تزامنًا مع افتتاح الدورة الربيعية، في تثبيت كاميرات مراقبة متطورة داخل قاعة الجلسات العامة، في إجراء غير مسبوق يهدف إلى التصدي لظاهرة طالما أثارت الجدل والسخط داخل الرأي العام المغربي: غياب البرلمانيين غير المبرر، أو ما بات يعرف في الخطاب الشعبي بـ"النواب السلايتية".
هذه الكاميرات الذكية، المرتبطة بنظام رقمي قادر على رصد الدخول والخروج بدقة متناهية، لا تكتفي بمجرد توثيق الحضور، بل تمثل تمظهرًا جديدًا لثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة داخل المؤسسة التي من المفترض أن تكون مرآة لانتظارات وهموم المواطن.
البرلمان، الذي لطالما وُجهت إليه أصابع النقد بسبب نسب الحضور المتدنية في جلساته التشريعية والرقابية، يبدو أنه استشعر ضرورة استعادة هيبته والرفع من منسوب الثقة لدى المواطنين، خاصة في ظل اتساع الهوة بين ممثلي الأمة وقضايا الشارع، وتكرار حالات الغياب المتواصل لبعض النواب، دون مبررات قانونية، مع استفادتهم من تعويضات مالية سمينة.
وتعكس الإجراءات الجديدة، من حيث المبدأ، تحولا في فلسفة تدبير العمل البرلماني، لكنها تطرح في المقابل تساؤلات حول مدى قدرة المجلس على الالتزام بتنفيذ هذه الإجراءات بحزم، بعيدًا عن منطق المجاملة السياسية أو الحسابات الحزبية الضيقة.
وقد سبق لمكتب مجلس النواب أن عاش لحظة ارتباك حقيقية بعد إعلانه عن لائحة المتغيبين في إحدى الدورات السابقة، وهي لائحة أثارت موجة من الاستياء بعدما تبين أن بعض الأسماء الواردة فيها كانت حاضرة فعليًا، ما أفضى إلى سحبها بذريعة وجود مشاكل تقنية في نظام تسجيل الحضور.
هذه الواقعة لم تمر مرور الكرام، إذ اعتبرها كثيرون دليلا على وجود اختلالات هيكلية تحول دون تنزيل الإصلاحات بالجدية المطلوبة، بل ذهبت بعض الأصوات المعارضة إلى حد التشكيك في وجود إرادة حقيقية داخل المجلس لمحاربة هذه الظاهرة التي تمس في العمق صورة البرلمان ومصداقيته أمام المواطنين.
ومع تثبيت الكاميرات الجديدة، تتجدد الآمال في أن يتمكن المجلس من تجاوز تلك الأخطاء السابقة، عبر بناء منظومة تقنية دقيقة وشفافة تضمن مراقبة فعلية وحقيقية للحضور داخل القاعة، وتقطع مع أساليب التلاعب القديمة.
ولا يُخفي كثير من المتابعين تخوفاتهم من أن تظل هذه الخطوة شكلية إذا لم تصاحبها إرادة سياسية صلبة لتفعيل مقتضيات النظام الداخلي الذي يتيح، بوضوح، إمكانية الاقتطاع من أجور النواب المتغيبين دون مبرر.
فالخطر الأكبر، حسب هؤلاء، لا يكمن في غياب النواب فحسب، بل في التساهل مع هذا الغياب وتطبيعه كجزء من الأعراف البرلمانية غير المعلنة.
وسبق لرئيس المجلس، رشيد الطالبي العلمي، أن دعا مرارًا إلى استعمال البطاقات الإلكترونية لتسجيل الحضور والغياب، مشددًا على ضرورة احترام النظام الداخلي وتطبيقه دون انتقائية، وهي دعوة وجدت صداها، ولو متأخرًا، في الخطوة الأخيرة الخاصة بالكاميرات الذكية.
كما رفعت فرق المعارضة صوتها أكثر من مرة للمطالبة بمحاسبة المتغيبين، وتفعيل الإجراءات التأديبية الواردة في النظام الداخلي، خاصة الاقتطاع من الأجور، معتبرة أن الانضباط البرلماني ليس فقط ضرورة تنظيمية بل واجب أخلاقي تجاه من منحوا أصواتهم لممثليهم تحت قبة البرلمان.
ومع دخول هذه الإجراءات حيز التنفيذ، يُنتظر أن تتبدل ملامح المشهد البرلماني خلال المرحلة المقبلة، خصوصًا إذا تم الالتزام فعليًا بتفعيل مقتضيات المحاسبة.