الدار البيضاء تدق ناقوس الخطر المائي.. مسؤولون يُشخصون الأزمة ويقترحون البدائل

في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تشهدها المملكة المغربية، خصوصًا فيما يتعلق بندرة الموارد الطبيعية الحيوية، تبرز قضية الأمن المائي كأحد أبرز الملفات التي تفرض نفسها بإلحاح على طاولة السياسات العمومية، وعلى رأسها إشكالية تدبير الماء في جهة الدار البيضاء-سطات.
هذه الجهة، التي تُعد القلب النابض للاقتصاد الوطني وأكبر تجمع سكاني في المغرب، تواجه منذ سنوات ضغطًا متصاعدًا على مواردها المائية بسبب التغيرات المناخية وتوالي سنوات الجفاف، إلى جانب النمو الديمغرافي المطرد وتوسع النسيج العمراني والصناعي.
أمام هذا الوضع، راهن مجلس جهة الدار البيضاء-سطات على مقاربة جديدة قوامها الحكامة المستدامة في تدبير الماء، والسعي نحو حلول مبتكرة تضمن تأمين حاجيات السكان من هذه المادة الحيوية على المدى القريب والبعيد.
وقد شكلت ندوة وطنية، احتضنتها العاصمة الاقتصادية يوم أمس الخميس تحت شعار "الأمن المائي بالمغرب.. تجاوز النقائص والحلول الاستباقية من أجل مستقبل مائي آمن ومستدام"، محطة لطرح أبرز التحديات واستعراض السبل الكفيلة بتجاوزها وفق رؤية تشاركية.
وأكد محمد بورحيم، النائب الأول لرئيس مجلس جهة الدار البيضاء-سطات، خلال مداخلته أن أحد أبرز التحديات التي تؤجج أزمة الماء في الجهة هو النمو الديمغرافي الكبير، حيث يُتوقع أن يقترب عدد السكان من ثمانية ملايين نسمة، وهو ما يمثل حوالي خمس سكان المغرب.
هذا التوسع السكاني، المصحوب بهجرة قروية متزايدة نحو الدار البيضاء، يفرض ضغطًا هائلًا على الشبكة المائية التي تمتد على مسافة تتجاوز 23 كيلومترًا، وتضم 267 خزانًا بسعة إجمالية تقارب 908 آلاف متر مكعب، إلى جانب 128 محطة ضخ توزّع الماء على مختلف مناطق الجهة.
وأشار بورحيم إلى أن الربط الفردي للمنازل بخدمات الماء ساهم في ارتفاع معدلات الاستهلاك، مما يجعل من الضروري تبني استراتيجيات ترشيد وعقلنة في استعمال الموارد.
وأبرز أن الاستثمارات الموجهة حاليًا للقطاع المائي تركّز على مشاريع كبرى في مجال الري انطلاقًا من سد الحنصالي وسد المسيرة، لتأمين احتياجات الزراعة والأنشطة الاقتصادية.
كما شدد على أن أزمة الجفاف ليست مرتبطة بالسياسات الحكومية فقط، بل ترجع أيضًا إلى عوامل طبيعية خارجة عن الإرادة، مؤكدًا ضرورة التكاتف المجتمعي في مواجهة هذا التحدي بدل الاكتفاء بتوجيه اللوم.
من جهتها، نبيلة الرميلي، عمدة مدينة الدار البيضاء، استعرضت الوضعية الحرجة التي عاشتها العاصمة الاقتصادية خلال الصيف الماضي، مشيرة إلى أن تداعيات الجفاف كانت ثقيلة على المدينة، ما استدعى اتخاذ قرارات حاسمة لتفادي أزمة عطش حقيقية.
ولفتت الرميلي إلى أن السدود التي تزود المدينة لا تزال تعاني من عجز مائي مقلق، رغم التساقطات المطرية الأخيرة، وهو ما يبرز هشاشة الوضع المائي الذي يتطلب استراتيجيات مرنة وطويلة الأمد.
وأشادت العمدة بالبرامج التي أطلقها الملك محمد السادس في هذا المجال، والتي وُصفت بالحكيمة والاستباقية، مؤكدة أنها جنّبت البلاد كارثة عطش في سنوات قاسية.
واعتبرت أن هذه البرامج مكّنت المغرب من الحفاظ على حد أدنى من التوازن المائي في وقت تواجه فيه عدة بلدان تحديات مائية خانقة.
وأعلنت عن مبادرات محلية طموحة تروم جعل الدار البيضاء مدينة خضراء، من خلال العمل على إعادة استعمال المياه العادمة بعد معالجتها لسقي المساحات الخضراء، عوض تصريفها في البحر، وهو ما يمثل نقلة نوعية في مجال التدبير المستدام للماء.
وتعكس هذه التصريحات حجم الرهان الذي توليه السلطات المحلية والجهوية للأمن المائي، في ظل التحولات المناخية والضغوط السكانية المتزايدة، مما يستدعي تضافر جهود جميع الفاعلين، سواء المؤسسات الحكومية أو الجماعات الترابية أو المواطنين أنفسهم، لتحقيق توازن فعلي بين العرض والطلب، وضمان الحق في الماء كعنصر أساسي من عناصر العيش الكريم والتنمية المستدامة.