بعد 56 غرزة وتشهير رقمي.. تسعة أشهر حبسا للمعتدية على سلمى

الكاتب : انس شريد

18 أبريل 2025 - 07:30
الخط :

في تطور جديد لقضية أثارت موجة من الاستياء العارم على مواقع التواصل الاجتماعي، قضت المحكمة الابتدائية الزجرية بمراكش، اليوم الجمعة، بإدانة شابة تبلغ من العمر 19 سنة بتسعة أشهر حبسا نافذا، وغرامة مالية قدرها 2500 درهم، إلى جانب تعويض مدني لفائدة الضحية سلمى حُدد في 30 ألف درهم.

وذلك على خلفية تورطها في اعتداء جسدي خطير وتشهير رقمي أعاد النقاش حول العنف في الوسط المدرسي إلى الواجهة.

القضية، التي ظلت لسنوات تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، تعود تفاصيلها إلى دجنبر 2022، حين كانت الضحية، وهي تلميذة في مرحلة التعليم الثانوي، ضحية لاعتداء شنيع داخل الحرم المدرسي بمنطقة المسيرة بمدينة مراكش.

فقد تعرضت لطعنة غادرة في الوجه بواسطة شفرة حلاقة، غرستها زميلتها في المؤسسة التعليمية ذاتها دون سابق إنذار، في واقعة أثارت حينها صدمة عارمة في محيط الأسرة التربوية والمجتمع المحلي.

وخلف الاعتداء جرحًا غائرًا تطلب رتقه بـ56 غرزة، وترك ندبة ستلازم وجه الضحية مدى الحياة. ورغم صغر سن المعتدية آنذاك، فقد قررت أسرة الضحية اللجوء إلى القضاء، حيث أدينت المتهمة بشهرين حبسا نافذا، مراعاة لكونها كانت قاصراً، مع تغريمها 300 درهم وتعويض مدني بلغ 50 ألف درهم.

لكن ما أعاد القضية إلى الواجهة من جديد، هو ظهور مقاطع فيديو انتشرت على نطاق واسع، ظهرت فيها المتهمة وهي تتباهى بما اقترفته، وتطلق تهديدات جديدة ضد الضحية، في مشاهد صادمة خلت من أي مظاهر ندم أو مراجعة للذات.

الفيديوهات، التي وُصفت بـ"المستفزة"، دفعت السلطات إلى التحرك بسرعة، حيث أمر وكيل الملك بفتح تحقيق فوري في مضمونها، أفضى إلى توقيف المعنية بالأمر مجدداً ووضعها تحت تدبير الحراسة النظرية.

وكشفت التحقيقات أن المعتدية لم تكتف فقط بالاعتداء الجسدي السابق، بل واصلت استهداف الضحية نفسياً من خلال نشر محتويات رقمية تحريضية تمس بكرامتها، في سلوك يعكس خطورة ما بات يُعرف بالتشهير الرقمي، ويثير قلقاً حقيقياً حول حجم التأثيرات النفسية والاجتماعية لهذا النوع من العنف في أوساط التلاميذ والشباب.

وقد تزامن ذلك مع تصريحات مؤثرة أدلت بها الضحية في خرجات إعلامية مؤخرًا، أعادت فيها سرد تفاصيل الحادث، مؤكدة أن الخلاف بدأ بتبادل اتهامات داخل المؤسسة التعليمية، قبل أن يتطور إلى شجار ثم إلى اعتداء دامٍ كان من الممكن أن تنجم عنه عواقب أكثر خطورة.

وأشارت إلى أنها لا تزال تعاني آثار ذلك الحادث، نفسياً وجسدياً، وتجد صعوبة في العودة إلى حياتها الطبيعية.

الشارع المغربي، من جهته، لم يقف مكتوف الأيدي أمام ما جرى، حيث عجّت منصات التواصل بحملات تضامن واسعة مع الضحية، ودعوات لسن قوانين أكثر صرامة لحماية القاصرين من العنف داخل المؤسسات التعليمية، وكذلك لردع كل من يحاول تحويل الفضاء الرقمي إلى منصة للتشهير أو التحريض أو تبرير الجريمة.

وفي خضم هذا الجدل، برزت أصوات حقوقية وتربوية تحذر من ارتفاع منسوب العنف وسط فئات عمرية صغيرة، وتدعو إلى تدخل عاجل من طرف وزارتي التربية الوطنية والعدل، لبلورة استراتيجية وطنية شاملة لمحاربة العنف الرقمي والمدرسي، تتضمن تدابير وقائية وتربوية، وكذا تعزيز ثقافة المواطنة الرقمية واحترام الآخر.

وباتت القضية اليوم أكثر من مجرد اعتداء فردي، بل أصبحت رمزاً لمظاهر انحراف جديدة تشق طريقها وسط فئة من الشباب المغربي، في ظل تغوّل وسائل التواصل الاجتماعي، وسهولة الوصول إلى المحتوى العنيف أو التحريضي، ما يتطلب وعياً جماعياً بمسؤولية الأسرة، والمدرسة، والإعلام، والفاعلين القانونيين والتربويين، في التصدي لهذه الظواهر التي تمس بالتماسك المجتمعي وتقوّض منظومة القيم.

آخر الأخبار