السل البقري يثير مخاوف المغاربة.. البرلمان يحذر و"أونسا" تدعو لاستهلاك الحليب المراقب

الكاتب : انس شريد

18 أبريل 2025 - 10:30
الخط :

يتصاعد الجدل الصحي بالمغرب بشكل متزايد على خلفية تنامي المخاوف من انتقال داء السل البقري عبر استهلاك الحليب ومشتقاته غير المعقّمة، وهي المخاوف التي تحوّلت من نقاشات متفرقة على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تحذيرات رسمية داخل البرلمان، وسط غياب معطيات رسمية دقيقة تطمئن الرأي العام وتشرح أبعاد الوضع الصحي الراهن.

فقد شكّل ظهور أعراض مرضية مثيرة للريبة بين بعض المواطنين، من بينها انتفاخ في الغدد اللمفاوية بالعنق، مادة خصبة للقلق الجماعي، بعد تداول روايات تفيد بعلاقة هذه الأعراض باستهلاك منتجات ألبان تقليدية وغير مبسترة، تُباع في الأسواق دون أي مراقبة صحية تذكر.

في خضم هذا التوتر، وجّهت النائبة البرلمانية عن مجموعة العدالة والتنمية، سلوى البردعي، سؤالًا كتابيًا إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، دعت فيه إلى تحرك عاجل وشفاف لمواجهة ما وصفته بتزايد حالات السل اللمفاوي، خاصة بين فئات لا تدخل ضمن التصنيف الكلاسيكي للمجموعات الأكثر عرضة للإصابة.

وقد اعتبرت في معرض سؤالها أن هذا التحول في طبيعة الحالات المصابة يثير شكوكا حول فعالية نظام المراقبة الصحية، ويطرح علامات استفهام حول المسارات الجديدة لانتقال العدوى، ما يفرض، بحسب قولها، مراجعة عاجلة للآليات الوقائية المعتمدة، وفتح قنوات تحقيق وبائي دقيقة بالتنسيق مع المصالح البيطرية.

النائبة نفسها دعت إلى تكثيف الجهود بين وزارتي الصحة والفلاحة، في إطار تنسيق مشترك أكثر صرامة ووضوحًا، مشيرة إلى أن تداخل الاختصاصات بين الجهتين قد يؤدي إلى ثغرات في الرصد الصحي ومراقبة مسارات الإنتاج الحيواني.

كما لفتت إلى ضعف التوعية لدى شريحة واسعة من المواطنين، خصوصًا أولئك الذين يقبلون على اقتناء الحليب الطازج غير المبستر، إلى جانب هشاشة أنظمة المراقبة في الأسواق الشعبية، ما يجعل من اكتشاف مصادر المرض بعد ظهوره أمرًا بالغ الصعوبة من الناحية التقنية والعملية.

وتزامن هذا التحرك البرلماني مع ارتفاع في منسوب القلق الشعبي، خاصة بعد تداول منشورات ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تتحدث عن حالات إصابة مؤكدة أو مشتبه فيها بالسل اللمفاوي، بعضها نُسب إلى شخصيات معروفة، دون تأكيدات رسمية.

كما تم تداول صور لأشخاص تظهر عليهم علامات تضخم الغدد العنقية، قيل إنها ناتجة عن استهلاك حليب ملوث، وهو ما زاد من حجم المخاوف الجماعية، في ظل غياب ردود فعل سريعة وشفافة من قبل السلطات الصحية لطمأنة المواطنين وتفنيد أو تأكيد المعطيات المتداولة.

في المقابل، خرج المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) عن صمته، داعيًا المواطنين إلى اقتناء منتجات الحليب المعلبة والمعروفة المصدر، والتي تحمل ترخيصًا صحيًا ورقمًا تعريفيا واضحًا، محذرًا من مخاطر استهلاك الحليب الخام أو مشتقاته القادمة من وحدات إنتاج غير مرخصة.

وأوضح الدكتور هشام عادلبو، رئيس قسم السلامة الصحية بالمكتب، في مقطع توعوي نشر على الحساب الرسمي لأونسا، أن المعالجة الحرارية التي تخضع لها منتجات الحليب داخل الوحدات المعتمدة كفيلة بالقضاء على جميع أنواع الجراثيم والبكتيريا، بما في ذلك الميكروبات المسببة لداء السل البقري، مؤكدًا أن هذه المنتجات تخضع لمراقبة بيطرية دقيقة.

كما شدد المسؤول ذاته على أن الحليب الخام، الذي يُسوَّق أحيانًا من طرف الباعة الجائلين أو في الأسواق التقليدية، يشكل خطرًا حقيقيًا على الصحة العامة، إذ لا يمر عبر أي مسار للمعالجة أو الفحص الجرثومي، ما يجعله بيئة خصبة لانتقال أمراض قاتلة، ليس فقط السل وإنما أمراض أخرى قد لا تظهر أعراضها إلا في مراحل متقدمة.

ودعا المواطنين إلى ضرورة تفحص الملصقات على عبوات الحليب ومشتقاته قبل اقتنائها، والتأكد من وجود الرقم الصحي الذي يُعتبر مؤشرا رئيسيًا على خضوع المنتج للمراقبة.

وبين دعوات التوعية والمطالب السياسية، يجد المواطن المغربي نفسه في خضم أزمة ثقة متصاعدة، تضعه أمام خيارات استهلاكية محفوفة بالمخاطر، وسط أسواق لا تزال مفتوحة على منتجات لا تحمل أي مؤشرات للجودة أو السلامة.

ويتساءل كثيرون عن دور الجهات المعنية في مراقبة هذه المنتجات، خصوصًا في المناطق القروية أو الهامشية التي يعتمد سكانها بشكل أساسي على مصادر تقليدية لتأمين غذائهم اليومي، دون أن يتوفروا على المعرفة الكافية بمخاطر الحليب غير المبستر أو المذبوحات غير المراقبة.

ورغم أن الجهات الرسمية لم تؤكد حتى اللحظة وجود بؤر واضحة للسل البقري داخل التراب الوطني، إلا أن الصمت الذي رافق الأيام الأولى لظهور الأعراض المبلغ عنها، ساهم في تأجيج المخاوف، وفتح المجال أمام الإشاعات والتخمينات التي قد تعمق أزمة الثقة في المنظومة الصحية، وتؤثر على الاستهلاك الداخلي لمنتجات الألبان، بما يحمله ذلك من تبعات اقتصادية واجتماعية وصحية.

وبينما لا تزال التساؤلات معلّقة في انتظار مواقف رسمية أكثر وضوحًا، يبقى الأمل معقودًا على أن تسارع السلطات إلى نشر نتائج الفحوصات والتحاليل المخبرية المتعلقة بالحالات المشتبه فيها، وإطلاق حملات توعوية حقيقية ومكثفة تشرح للمواطنين طرق انتقال داء السل الحيواني وسبل الوقاية منه، في مسعى لتطويق الجدل وإعادة بناء جسور الثقة بين المواطن والمؤسسات المسؤولة عن صحته وسلامته.

آخر الأخبار