أخنوش يفتتح جولة الحوار الإجتماعي وسط مطالب بتحسين الدخل وإنصاف المتقاعدين

الكاتب : انس شريد

22 أبريل 2025 - 06:30
الخط :

في ظل ظرفية اقتصادية واجتماعية تتسم بارتفاع غير مسبوق في الأسعار وتراجع القدرة الشرائية، استأنف المغرب جولة جديدة من الحوار الاجتماعي، حيث استقبل رئيس الحكومة عزيز أخنوش، يوم الثلاثاء بالرباط، قيادات المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، إلى جانب ممثلي الاتحاد العام لمقاولات المغرب، في لقاءات متفرقة تسعى إلى إعادة بعث الحوار الاجتماعي في صيغته المؤسساتية، ومواجهة تحديات تتقدمها العدالة في الأجور، وتحسين دخل الشغيلة، ورفع الحيف عن المتقاعدين.

الوفود النقابية التي شاركت في هذه الجولة لم تُخفِ قلقها من استمرار التوجس الحكومي إزاء بعض المطالب الجوهرية، مطالبة بضرورة احترام مواعيد الحوار والتزام الحكومة بالمنهجية التشاركية كأساس لبناء الثقة.

ووسط تطلعات فئات واسعة من الموظفين والمتقاعدين، أبدت النقابات حرصها على الدفع بجولة الحوار إلى مستويات عملية، يتجاوز فيها الخطاب السياسي نحو التزامات ملموسة.

وفي هذا السياق، أفاد بلاغ صادر عن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، أن وفده النقابي، بقيادة الكاتب العام النعم ميارة، استجاب لدعوة رئيس الحكومة، في إطار التفعيل الفعلي لمبدأ انتظامية جولات الحوار. وشدد الوفد خلال الاجتماع على ضرورة احترام المنهجية التشاركية، والالتزام بمواعيد الحوار المتفق عليها، مؤكدًا على أهمية إدراج عدد من النقاط الملحة والعاجلة ضمن جدول أعمال هذه الجولة.

البلاغ ذاته كشف أن النقابة طالبت الحكومة بتوسيع آليات تحسين الدخل، تشمل القطاعين العام والخاص، إضافة إلى فئة المتقاعدين، وذلك استعدادًا لجولة الحوار المقررة في شتنبر المقبل.

كما دعت إلى مناقشة أي تعديل محتمل لمدونة الشغل ضمن مقاربة قائمة على المفاوضة الجماعية، تأخذ بعين الاعتبار مواقف ومطالب الشركاء الاجتماعيين كافة.

وفيما يتعلق بإصلاح صناديق التقاعد، أعلن الاتحاد العام للشغالين التزامه بمناقشة الملف، مع التشديد على رفض أي مساس بحقوق ومكتسبات الموظفين.

كما نبه إلى ضرورة تنزيل ما تبقى من مقتضيات اتفاقي الحوار الاجتماعي الموقعين في 30 أبريل 2022 و29 أبريل 2024، خصوصًا تلك التي لم تعرف بعد طريقها إلى التنفيذ.

النقابة شددت على استعجالية إقرار التعديلات القانونية اللازمة لإحداث الدرجة الجديدة في الوظيفة العمومية، وأثارت جملة من القضايا الفئوية والقطاعية، من ضمنها النظام الأساسي لموظفي الجماعات الترابية والتعليم العالي، وهيئة تفتيش الشغل، ومستخدمي الوكالات الحضرية، إلى جانب الأطر المشتركة من مهندسين ومتصرفين ومساعدين إداريين وتقنيين، مشيرة إلى أن هذه الفئات لم تشملها الإصلاحات الأخيرة رغم أحقيتها في تسوية وضعياتها المهنية.

وفي جانب آخر، طالب الاتحاد العام بتعزيز واستدامة الحوار القطاعي في جميع القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية، مع التأكيد على ضرورة احترام الحريات النقابية، وخلق آلية مركزية لرصد وتتبع الشكايات المرتبطة بالتضييق على العمل النقابي. كما دعا إلى التسريع بإخراج مشروع قانون النقابات، في أفق إرساء قواعد الحكامة داخل الهيئات النقابية.

النقابة لم تغفل أيضًا الإشارة إلى إشكال التمثيلية داخل المجالس الإدارية للمؤسسات العمومية، وعلى رأسها المجلس الأعلى للوظيفة العمومية، داعية إلى تصحيح الوضع، وإطلاق ما تبقى من الحوارات القطاعية التي لم تر النور بعد.

هذه الجولة من الحوار، التي تأتي في سياق اجتماعي متأزم، وصفتها المركزيات النقابية بأنها اختبار حقيقي لمدى التزام الحكومة بإرادة الإصلاح، لا مجرد محطة تفاوضية عابرة.

كما طالبت نقابة الاتحاد المغربي للشغل، الممثلة بميلودي مخاريق من جهتها، بزيادة عامة جديدة في الأجور، معتبرة أن الزيادة التي تم الاتفاق عليها في أبريل 2024 لم تعد كافية أمام تصاعد الأسعار، وارتفاع تكاليف المعيشة.

كما أعادت طرح مطلب الرفع من معاشات المتقاعدين، واصفة وضعية هذه الفئة بـ"المزرية" التي تستوجب معالجة فورية.

وفيما تتحدث مصادر نقابية عن نية الحكومة اقتراح تدابير إصلاحية مثيرة للجدل، تشمل رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، وتوسيع قاعدة الاقتطاعات، وتقليص قيمة المعاشات، عبّرت النقابات عن رفضها لأي إصلاح يغلب منطق الحسابات التقنية على العدالة الاجتماعية.

وحذّرت من تكرار نماذج سابقة عمّقت أزمة الصناديق، دون أن تضمن الحد الأدنى من الإنصاف للمتقاعدين.

وكانت الحكومة قد طمأنت في وقت سابق على لسان وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، بأن الإصلاح سيتم بشراكة مع الفرقاء الاجتماعيين، لا تخفي النقابات قلقها من غياب بوادر واضحة على التفاعل مع مطالبها الجوهرية، معتبرة أن الشارع لم يعد يثق في الوعود المؤجلة، وأن المتقاعدين على وجه الخصوص في حاجة إلى قرارات شجاعة تعيد الاعتبار لكرامتهم.

وفي هذا المشهد المليء بالتجاذبات، يظل الحوار الاجتماعي محطة حاسمة لإعادة ترتيب العلاقة بين الحكومة والمركزيات النقابية، وسط انتظارات شعبية واسعة بأن تتحول هذه الجولات من طقوس تفاوضية شكلية إلى ورش حقيقي للإصلاح، يرتكز على مبدأ التشاركية، ويضمن التوازن بين ديمومة أنظمة الحماية الاجتماعية، والعدالة في توزيع عوائد التنمية.

آخر الأخبار