فاجعة ابن أحمد تعري واقع الصحة النفسية بالمغرب

الكاتب : انس شريد

25 أبريل 2025 - 10:47
الخط :

تشهد المدن المغربية تنامياً مقلقاً في أعداد المختلين عقلياً والمرضى النفسيين المتجولين في الشوارع، في ظاهرة باتت تؤرق المواطنين وتطرح تحديات أمنية واجتماعية وصحية مستعجلة.

وأضحى تكرار حوادث اعتداء بعض هؤلاء المرضى على المواطنين في الفضاءات العامة، يثير مخاوف حقيقية، بعد أن تحولت حالات فردية إلى نمط متكرر ينذر بانفلات اجتماعي، خاصة في ظل غياب منظومة فعالة للرعاية النفسية والتتبع الطبي.

وقد خلفت هذه الاعتداءات، في عدد من المناسبات، إصابات جسدية متفاوتة الخطورة، تراوحت بين الجروح والكسور، ووصلت في بعض الحالات إلى الوفاة.

آخر هذه الحوادث المأساوية وقعت بمدينة بن أحمد، حين اهتزت المنطقة على وقع جريمة مروعة ارتكبها رجل ستيني، يشتبه في إصابته باضطراب عقلي حاد، أقدم على قتل وتقطيع جثث ضحاياه ورميها في أماكن متفرقة، في واقعة أثارت موجة استنكار واسعة وسط الرأي العام المحلي والوطني.

تداعيات هذه الظاهرة لا تقتصر على الجانب البدني فحسب، بل تمتد إلى ما هو نفسي، إذ يعاني عدد من ضحايا هذه الاعتداءات من آثار عميقة، تشمل حالات قلق حاد، واكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة.

كما أن الخوف المتنامي من هذه الحوادث أصبح يؤثر سلباً على الإحساس بالأمان داخل الأحياء والمرافق العامة، وينعكس مباشرة على جودة الحياة اليومية للمواطنين، في وقت يفترض فيه أن تكون المدن فضاءات للراحة لا مصدراً دائمًا للتوجس.

في هذا السياق، وجهت فعاليات مدنية وجمعوية نداءات متكررة للسلطات العمومية من أجل التحرك العاجل لإيجاد حلول جذرية لهذه الأزمة، مشددة على ضرورة إعادة النظر في مقاربة الدولة تجاه ملف الصحة النفسية.

وتزداد هذه الدعوات إلحاحاً في ظل استعداد المملكة لتنظيم تظاهرات كبرى في المستقبل القريب، أبرزها كأس العالم 2030، ما يستوجب تحسين مؤشرات الأمان والرعاية في الفضاء العام.

الملف دخل قبة البرلمان، حيث بادر المهدي الفاطمي، النائب البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي، بتوجيه سؤال كتابي إلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، حول ما سماه "أخطار الإهمال في الصحة النفسية، سفاح بن أحمد نموذجاً".

وأبرز الفاطمي في سؤاله أن الجريمة التي وقعت بمدينة بن أحمد كشفت عن واقع مهمل ومقلق يرتبط بغياب استراتيجية فعالة في مجال الصحة النفسية، لافتاً إلى أن الواقعة ليست معزولة عن سياق أوسع، تعاني فيه البنية التحتية للرعاية النفسية من أعطاب هيكلية ونقص حاد في الأطر الطبية والمراكز المتخصصة.

وأكد البرلماني أن المغرب لا يتوفر سوى على عدد محدود من الأطباء النفسيين العاملين في المستشفيات العمومية، وهو رقم لا يستجيب لحجم الطلب المتزايد، خاصة في ظل تنامي الضغوط الاقتصادية والاجتماعية. كما أن التوزيع الجغرافي غير المتوازن للبنيات الصحية يُقصي شريحة واسعة من المواطنين، خاصة في المناطق القروية وشبه الحضرية، من الولوج إلى العلاج والمتابعة، ما يدفع العديد من المرضى إلى الشارع، ويضع المجتمع في مواجهة مباشرة مع حالات غير مراقبة.

وساءل النائب البرلماني الوزير عن تفاصيل الخطة الوطنية للنهوض بالصحة النفسية، إن وُجدت، ومدى تقدم تنفيذها على أرض الواقع، كما طالب بالكشف عن عدد مراكز العلاج النفسي وعدد الأسرة المتاحة وطنياً، ومدى توفر آلية لرصد وتتبع المرضى العقليين ممن يشكلون خطراً محتملاً على أنفسهم أو محيطهم.

ولفت أيضاً إلى غياب برامج واضحة لضمان الاستمرارية في العلاج بعد الخروج من المستشفيات، ما يؤدي في كثير من الحالات إلى انتكاسات خطيرة.

الملف الذي ظل لسنوات على هامش السياسات العمومية، يتطلب اليوم تدخلاً عاجلاً لإعادة الاعتبار للصحة النفسية كجزء لا يتجزأ من الصحة العامة. ويؤكد مختصون أن معالجة هذه الظاهرة لا تقتصر على إنشاء مراكز استشفائية جديدة، بل تشمل أيضاً تعزيز الوقاية، وإرساء آليات ميدانية للتشخيص المبكر، والتنسيق بين مختلف القطاعات المعنية، وتوفير الدعم للأسر الحاضنة، مع إدماج بعد الصحة النفسية في السياسات التعليمية والاجتماعية.

في انتظار تفعيل هذه الإصلاحات، يبقى المواطن المغربي معرضاً لمخاطر يومية قد تأتي من شخص مريض، كان من المفترض أن يحظى بعلاج، لا أن يتحول إلى تهديد.

وتظل فاجعة بن أحمد، بكل ما تحمله من ألم ورعب، ناقوس خطر ينبغي ألا يتم تجاهله، بل أن يكون منطلقاً لإعادة ترتيب أولويات الصحة العمومية، بما يضمن كرامة المرضى وسلامة المجتمع في آن واحد.

آخر الأخبار