رغم أرقام أخنوش.. المعارضة تقصف الحكومة وتكشف اختلالات المدرسة العمومية

تحول موضوع التعليم العمومي إلى محور انتقاد لاذع داخل مجلس النواب، خلال جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، بعدما شككت أصوات من المعارضة في نجاعة الأرقام التي قدمها الأخير بخصوص ما تحقق في ورش إصلاح منظومة التربية والتكوين.
ولم يتردد النائب البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية، حسن أومريبط، اليوم الإثنين، في وصف حصيلة الحكومة بـ"الفشل المؤكد"، رغم رفعها شعار الدولة الاجتماعية، منتقداً ما اعتبره "تنكراً للإنسان لصالح الربح" في السياسات العمومية.
وقال إن الحكومة الحالية، رغم توفرها على مرجعيات جاهزة للإصلاح، من بينها وثيقة النموذج التنموي الجديد، والرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار 51.17، اختارت السير في "دوامة إصلاح الإصلاح" دون نتائج ملموسة.
وأشار أومريبط إلى أن الحكومة التزمت بجعل المغرب ضمن أفضل 60 دولة عالمياً من حيث جودة التعليم، لكنها أخفقت بشكل ذريع، كما أنها لم تقترب من ملف مراجعة المناهج الدراسية، في حين أن تدريس اللغة الأمازيغية ما يزال ضعيفاً جداً في المؤسسات التعليمية.
وفي ما يخص أوضاع نساء ورجال التعليم، اتهم النائب الحكومة بالتنكر لالتزامها برفع الأجور بـ2500 درهم صافية منذ بداية المسار المهني، مشيراً إلى أن الحكومة استجابت جزئياً فقط، بعد احتجاجات عارمة دامت لأشهر.
كما أشار إلى قرار تحديد سن ولوج مهن التدريس في 30 سنة، واصفاً إياه بـ"الإقصائي وغير العلمي".
ودعا إلى التنفيذ الكامل لمخرجات الاتفاق الاجتماعي القطاعي، وخاصة تطبيق النظام الأساسي الجديد، موجهاً التحية لأزيد من 288 ألف رجل وامرأة من نساء التعليم، خاصة العاملين في الجبال والمناطق النائية.
وفي مداخلة مثقلة بالأرقام، أكد النائب البرلماني أن الهدر المدرسي لا يزال يمثل "قنبلة اجتماعية" حقيقية، إذ يغادر نحو 295 ألف تلميذ وتلميذة مقاعد الدراسة سنوياً، ما يفاقم وضعية فئة الشباب خارج الدراسة والتكوين والعمل (NEET)، التي تتجاوز أربعة ملايين شابة وشاب.
أما على مستوى التعليم العالي، فقد نبه النائب إلى تراجع خيار إحداث المركبات الجامعية والأنوية، وارتفاع نسبة الهدر الجامعي إلى نحو 50%، إضافة إلى ضعف المنح والغياب المزمن لأسرّة الإيواء في الأحياء الجامعية. كما أشار إلى ضعف التأطير الجامعي، إذ لا يتجاوز عدد الطلبة الباحثين 1400 لكل مليون نسمة، بينما تبقى ميزانية البحث العلمي في حدود 0.75% فقط من الناتج الداخلي الخام، في حين يُوصى بأن تتراوح بين 1.5 و2.5% حسب التجارب الدولية المقارنة.
النقاش حول فشل المدرسة العمومية لم يقتصر على فريق التقدم والاشتراكية، فقد تحدث النائب البرلماني محمد عبا، عن الفريق الاشتراكي، بدوره عن حالة "إنكار جماعي" تعيشها مكونات الحكومة أمام الواقع التعليمي المأزوم، قائلاً إن "الصورة الوردية التي تقدمها الحكومة، معزولة عن السياق، وتخفي عجزاً واضحاً في تنزيل القانون الإطار والرؤية الاستراتيجية للإصلاح".
واعتبر عبا أن الولوج إلى التعليم ما زال يفتقر إلى العدالة وتكافؤ الفرص، وأن المنظومة لا تنسجم مع محيطها الاقتصادي، بينما تفقد المدرسة العمومية تدريجياً ثقة المواطنين.
وأشار إلى أن التعليم الأولي، رغم كونه ركيزة لتحقيق الإنصاف الدراسي، يتمركز بنسبة 90% بيد ثلاث جمعيات فقط، بينما تتقاسم 240 جمعية أخرى النسبة المتبقية، ما يكشف اختلالاً بنيوياً في تدبير هذا القطاع.
ونبه عبا كذلك إلى هشاشة وضعية 20 ألف مربية بالتعليم الأولي في العالم القروي، يخضعن لعقود إذعان ويشتغلن في ظروف قاسية، متسائلاً عن جدوى أي تأهيل تربوي في ظل هذه الأوضاع.
أما مؤسسات الريادة، حسب المتحدث ذاته، فرغم أهمية الفكرة، إلا أن وتيرة تعميمها "بطيئة جداً"، وستتطلب سنوات طويلة لتشمل جميع التلاميذ، ناهيك عن الكلفة المالية المرتفعة المرتبطة بالبنيات والمعدات.
أما البرلمانية فاطمة التامني عن فدرالية اليسار الديمقراطي، فقد وجهت انتقادات شديدة لما وصفته بـ"الشعارات المفترى عليها"، معتبرة أن الحكومة تنهج مقاربة تكنولوجية سطحية في التعامل مع التعليم.
وأكدت أن المؤشرات الدولية تُظهر تدهوراً واضحاً، إذ يحتل المغرب الرتبة 78 من أصل 81 دولة في مؤشر المهارات المستقبلية.
وشددت التامني على أن التعليم العمومي يعيش ازدواجية "تعليم للنخبة وآخر لأبناء الفقراء"، واتهمت الحكومة باستخدام التلاميذ كـ"فئران تجارب"، وتكريس الريادة من زاوية المكننة والمهننة بدل الفكر النقدي. كما نبهت إلى ما سمّته "جامعة التهميش"، في ظل استمرار هجرة الكفاءات، حيث يحتل المغرب المرتبة الثانية عالمياً بعد سوريا، إضافة إلى تهميش الطالب والباحث، مع تخصيص 0.75% فقط من الناتج الداخلي الخام للبحث العلمي.
وتحدثت النائبة البرلمانية عن "خوصصة مقنعة" تُفاقم الفوارق المجالية، والفضائح التي تشوب عدداً من الجامعات، دون أن تواكبها إصلاحات حقيقية.
كما حمل باقي نواب المعارضة الحكومة مسؤولية حذف برنامج "مليون محفظة"، وتعويضه بدعم مالي هزيل وغير كافٍ، ما زاد من معاناة الأسر المستضعفة في ظل الغلاء الفاحش لمستلزمات الدراسة.
كما تم التحذير من غياب المرافق في آلاف المدارس القروية والجبلية، وضعف خدمات الداخليات والنقل المدرسي، واتساع الفجوة الرقمية، فضلاً عن ارتفاع نسبة الاكتظاظ في الثانوي التأهيلي من 11 إلى 13%.
وشددت المعارضة البرلمانية على أن تهميش المدرسة العمومية هو تهديد صريح للمرفق العمومي في ظل غياب رؤية حكومية حقيقية. وحذرت من استمرار الأمية التي ما تزال تمس ربع المغاربة فوق سن العاشرة، وثُلث النساء، و38% من ساكنة العالم القروي، حسب الإحصاء العام الأخير.
وفي ختام المداخلات، أجمع نواب المعارضة على أن الحكومة فشلت في جعل التعليم أولوية فعلية. واعتبروا أن الكرم المالي الذي أظهرته تجاه لوبيات المال، من مستوردي المواشي إلى أرباب النقل، كان أولى أن يُوجَّه إلى ورش إصلاح المدرسة العمومية.