تزايد المختلين عقليا في الشوارع يفجر جدلا تحت قبة البرلمان والحكومة تعد بالإصلاح

أثار تزايد أعداد المختلين عقليا في الفضاءات العامة جدلاً واسعاً خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، اليوم الإثنين 26 ماي 2025، حيث وجه النائب البرلماني محمد البوعمري عن الفريق الاشتراكي، انتقادات حادة إلى الحكومة ووزارة الصحة، معتبراً أن استمرار هذا الوضع يعكس فشلاً واضحاً في التعاطي مع ملف الصحة النفسية والعقلية.
وأكد البوعمري أن الشوارع المغربية تشهد تنامياً مقلقاً في أعداد الأشخاص المختلين عقلياً، وهو ما وصفه بـ"المؤشر المأساوي" على اختلال بنيوي في المنظومة الصحية، متهماً الحكومة بعدم توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية والاجتماعية لهذه الفئة. وأشار إلى أن هذا الإهمال لا ينعكس فقط على وضعية المرضى، بل يشكل أيضاً تهديداً مباشراً لأسرهم وللسلامة العامة.
واستشهد النائب البرلماني بحالات سجلت في عدد من المدن، من بينها بن حمد، قال إنها تؤكد خطورة غياب التدخلات العلاجية العاجلة، مستحضراً وضعيات مأساوية لنساء مختلات عقلياً يعشن في الشوارع في ظروف مهينة، من بينهن نساء في حالات حمل دون أي رعاية أو حماية.
وانتقد البوعمري ما سماه "المقاربة العكسية" التي تنهجها الحكومة، عبر ترحيل المرضى من المراكز الكبرى إلى المدن الهامشية، بدل تعزيز القدرات الاستشفائية للمؤسسات الصحية القائمة، معتبراً أن هذا التوجه "غير إنساني" ويعكس غياباً لرؤية استراتيجية واضحة في التعاطي مع هذا الملف.
من جانبه، أكد وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، أن الصحة النفسية والعقلية باتت أولوية في السياسات الصحية العمومية، مشدداً على أن الوزارة تعمل على توسيع العرض الصحي المتخصص رغم التحديات المرتبطة بنقص الموارد البشرية والتفاوتات المجالية في التوزيع.
وكشف الوزير أن عدد المهنيين العاملين في مجال الصحة النفسية والعقلية بلغ إلى غاية 2025 حوالي 3230 إطاراً صحياً، منهم 319 طبيباً مختصاً في الطب النفسي بالقطاع العام، و274 بالقطاع الخاص، بالإضافة إلى 62 طبيباً في طب نفس الأطفال و1700 ممرض متخصص بالقطاع العام.
كما تم، بحسب التهراوي، تخصيص 123 منصباً مالياً إضافياً لفائدة القطاع خلال سنتي 2024 و2025، منها 34 طبيباً و89 ممرضاً متخصصاً.
وفي السياق ذاته، أشار الوزير إلى أن الوزارة انخرطت في عملية إصلاح شاملة تشمل التكوين والتأطير القانوني، وذلك من خلال رفع عدد مقاعد التكوين في المعاهد الصحية، وتفعيل اتفاقيات التعاون مع قطاع التعليم العالي، فضلاً عن مراجعة الإطار التشريعي للصحة العقلية لملاءمته مع المعايير الدولية.
وأوضح التهراوي أن الاستراتيجية الوطنية للصحة النفسية والعقلية 2030، التي تمت بلورتها بشراكة مع المتدخلين، ترتكز على تعميم خدمات الطب النفسي في مختلف الأقاليم، وإحداث وحدات استشارية في المناطق غير المغطاة، وإنشاء فرق لتدبير الأزمات النفسية والاجتماعية، مع تعزيز برامج التأهيل وإعادة الإدماج.
كما سجل الوزير غياب منظومة فعالة للتكفل الفوري بالحالات النفسية الحرجة، وهو ما يعزز ظاهرة وجود المرضى في الشوارع. واعتبر أن الأمراض النفسية، كسائر الأمراض الأخرى، تحتاج إلى استشفاء يتبعه تأهيل وإدماج، مشيراً إلى وجود فراغ مؤسساتي في هذه المرحلة من العلاج.
وأكد التهراوي أن الوزارة ستعمل بالتعاون مع باقي القطاعات على وضع حلول عملية وشاملة، بهدف ضمان التكفل الكامل بالمرضى النفسيين، وتأمين عودتهم إلى محيطهم الأسري والاجتماعي في ظروف تحفظ كرامتهم وتراعي أمن المجتمع.
ويأتي هذا السجال السياسي في ظل تزايد المطالب الحقوقية والمجتمعية بإعادة الاعتبار للمرضى النفسيين والعقليين، من خلال إدماج الصحة النفسية في صلب السياسات العمومية وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية الكفيلة بالاستجابة لتحديات هذا الملف الحساس.