القضاء الإسباني يصدر حكما غير مسبوق في قضية عنصرية استهدفت نجم "الأسود"

في سابقة قضائية لافتة اعتُبرت محطة مفصلية في مواجهة ظاهرة العنصرية داخل الملاعب الأوروبية، أصدر القضاء الإسباني حكماً ضد مشجع تورط في توجيه إهانات عنصرية للمدافع المغربي عمر الهلالي، لاعب نادي إسبانيول ونجم المنتخب المغربي الأول، خلال مباراة جمعت فريقه بنادي كارتاخينا في أكتوبر 2023، في خطوة لقيت إشادة واسعة من مختلف الأوساط الرياضية والحقوقية.
وتعود تفاصيل الحادثة إلى تاريخ 5 أكتوبر، عندما تفوّه أحد المشجعين بعبارات عنصرية ضد الهلالي في مدرجات ملعب "كارتاغونوفا"، في مشهد أثار ردود فعل غاضبة وأعاد إلى الواجهة النقاش حول مظاهر التمييز العنصري التي لا تزال تتسلل إلى الملاعب رغم الجهود المؤسساتية لمكافحتها.
ووفقا لتقارير إعلامية إسبانية، فقد سارعت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم إلى تقديم شكاية رسمية، تبعتها تحركات من هيئات حقوقية ورياضية، الأمر الذي سرّع من مسار القضية وأوصلها إلى أروقة القضاء.
وبعد شهور من التحقيقات وجمع المعطيات، حسب التقارير ذاتها، فقد نطقت المحكمة الإسبانية بحكمها ضد المشجع المعني، وقضت بسجنه ثمانية أشهر، مع منعه من الترشح لأي استحقاق انتخابي طيلة مدة العقوبة، إضافة إلى حرمانه من دخول الملاعب الرياضية لمدة عامين كاملين.
واعتُبر هذا الحكم من الأحكام النموذجية في التصدي للعنصرية، حيث لم يقتصر على الجانب العقابي فحسب، بل مزج أيضاً بين الردع وإعادة التأهيل.
ورغم صدور الحكم بالسجن، فقد قررت المحكمة تعليق تنفيذه لمدة سنتين، شريطة التزام المدان بعدم ارتكاب أي جريمة خلال هذه الفترة، إلى جانب احترام تام لحظر دخول الملاعب.
كما فرض عليه تقديم اعتذار علني لعمر الهلالي وللرأي العام، مع الالتزام بالخضوع لدورة تدريبية متخصصة في مجال المساواة وعدم التمييز، وذلك في مسعى لتقويم السلوك وتكريس قيم التسامح والاحترام.
وقد استند الحكم القضائي إلى المادة 173.1 من القانون الجنائي الإسباني، التي تجرّم الاعتداءات المعنوية، مع تشديد العقوبة بالنظر إلى الطابع العنصري للواقعة.
وأكدت المحكمة حسب التقارير ذاتها في حيثيات الحكم على أهمية تبني مقاربة مزدوجة تقوم على العقاب والتأهيل، وهو توجّه جديد بدأ يبرز في التعاطي المؤسسي مع قضايا الكراهية والعنصرية في المجال الرياضي.
وقد اعتُبر هذا الحكم لحظة فارقة في الحرب ضد العنصرية داخل الملاعب، إذ شكّل رسالة قوية إلى أن زمن التساهل مع مظاهر التمييز بدأ في التراجع، وأن العدالة باتت تتعامل بجدية مع هذه الانتهاكات التي لا تهدد فقط ضحاياها المباشرين، بل تسيء أيضاً إلى القيم الأساسية التي تقوم عليها الرياضة.
كما نال الحكم إشادة واسعة من الفاعلين في الشأن الكروي الإسباني والدولي، واعتُبر دعماً معنوياً مهماً لعمر الهلالي الذي أبان عن احترافية كبيرة في التعاطي مع الواقعة، حيث فضل الرد في الميدان على الرد بالكلمات، محافظاً على مستواه الفني ومركّزاً على أداء واجبه داخل المستطيل الأخضر.
ويُذكر أن نادي إسبانيول الذي ينشط فيه الهلالي تمكّن مؤخراً من تحقيق فوز مهم على فريق لاس بالماس بهدفين دون رد، في مباراة حاسمة مكنته من تأمين البقاء في دوري الدرجة الأولى الإسباني، وهو ما أضفى أبعاداً إضافية على قصة الهلالي، حيث تحول من ضحية لعنصرية مقيتة إلى نموذج للثبات والانتصار داخل الميدان، ما زاد من رمزية هذه السابقة القضائية وعمّق دلالاتها الحقوقية والرياضية.