وهبي: منطق "الجميع فاسد" خطر على الدولة.. وواجبي حماية النزهاء

في جلسة ساخنة بمجلس النواب، تفجر جدل سياسي وقانوني حاد بين وزير العدل عبد اللطيف وهبي وعدد من النواب البرلمانيين، على خلفية الملاحقات القضائية التي تطال رؤساء الجماعات الترابية بسبب أخطاء في التدبير الإداري.
وأعاد النقاش الذي أخذ منحى مباشراً وصريحاً، إلى الواجهة العلاقة المتوترة بين العمل الجماعي المحلي والمسؤولية الجنائية، في سياق يتزايد فيه الضغط على المنتخبين ويشتد فيه النقاش المجتمعي حول الفساد ومكافحة الإفلات من العقاب.
وزير العدل، وفي معرض رده على سؤال خلال جلسة الأسئلة الشفوية، اليوم الإثنين، شدد على أن القانون لا يحتاج أكثر من 24 ساعة لإيداع رئيس جماعة السجن، إن ثبت تورطه في قضايا فساد، نافياً بذلك أن تكون هناك أي عراقيل قانونية في التعامل مع المسؤولين المحليين الفاسدين.
وأضاف وهبي أن القضاء يقوم بمهامه كاملة، وأن محاربة الفساد لا يجب أن تتحول إلى مبرر لإرهاب المنتخبين النزهاء، مؤكداً أنه شخصياً لا يفكر في "الفاسدين"، بل في أولئك الذين يشتغلون بجدية ويقعون في أخطاء تدبيرية غير مقصودة.
معتبرا في نفس الوقت أن واجب الدولة هو حماية هؤلاء وليس معاقبتهم.
وأوضح الوزير أن هنالك خلطاً خطيراً بين التدبير الإداري والعمل الجنائي، مشيراً إلى أن مجرد الوقوع في خطأ مسطري لا يجب أن يؤدي إلى المتابعة القضائية.
واستشهد المتحدث ذاته، بقضية شخص أوكلت له مهمة إصلاح مراحيض إحدى المدارس، غير أنه حوّل ما تبقى من الميزانية إلى شراء سيارة إسعاف للدوار، ومع ذلك تمت متابعته قضائياً لأنه لم يحترم المسطرة.
كما اعتبر وهبي أن مثل هذه الحالات تؤكد أن النصوص القانونية تحتاج إلى مراجعة عاجلة لتفادي الظلم وتوفير الحماية القانونية للمسؤولين الذين يشتغلون بحسن نية.
وأثارت تصريحات الوزير ردود فعل متباينة تحت قبة البرلمان، حيث أكد رئيس فريق التقدم والاشتراكية، رشيد حموني، أن هناك بالفعل عدداً من رؤساء الجماعات متورطون في الفساد، واصفاً إياهم بـ"العصابات".
لكنه في المقابل شدد على أن هناك المئات من المنتخبين النزهاء الذين يعانون من ضغط العمل وضعف الإمكانيات، ما قد يؤدي بهم إلى ارتكاب أخطاء إدارية غير مقصودة. ودعا حموني إلى وضع آلية قانونية واضحة لحمايتهم، حتى لا يتحول العمل الجماعي إلى فخ قضائي دائم.
من جانبه، أشار رئيس فريق الأصالة والمعاصرة، أحمد التويزي، إلى أن الفساد ليس ظاهرة حصرية في الجماعات، بل يشمل مختلف القطاعات، مبرزاً أن 99 في المائة من رؤساء الجماعات يشتغلون بجد ونزاهة.
واعتبر أن الإشكال الحقيقي يكمن في ضرورة التمييز بين المسؤولية السياسية التي يتحملها رئيس الجماعة باعتباره منتخباً، والمسؤولية القانونية التي يجب أن تُبنى على أدلة وإثباتات واضحة لا على الشبهات أو الأخطاء الشكلية.
في ظل هذا الوضع، تتجه الأنظار إلى وزارة العدل والحكومة ككل، من أجل إطلاق ورش تشريعي جديد يضمن حماية المتدخلين في الشأن المحلي من المتابعات التعسفية، مع الحفاظ على آليات الزجر في مواجهة الفساد الحقيقي.
وبين دعوات التمييز بين النية السيئة وسوء التقدير، ترتفع الأصوات المطالبة بإصلاح شامل يضع حداً للتأويلات القضائية الواسعة، ويوفر بيئة قانونية متوازنة تُعاقب الفاسدين وتحمي النزهاء.