النقل المدرسي في المغرب.. أكثر من نصف مليون مستفيد وتحديات بالجملة في طريق الجودة

في ظل المجهودات المتواصلة لمحاربة الهدر المدرسي، خصوصًا في الوسط القروي، يواصل قطاع النقل المدرسي في المغرب توسيع رقعة المستفيدين، حيث من المرتقب أن يتجاوز عدد التلاميذ الذين تنقلهم الحافلات المدرسية خلال الموسم الحالي 650 ألف تلميذ وتلميذة، بنسبة إناث تفوق 51% من مجموع المستفيدين، وفقًا لبيانات حديثة كشف عنها وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة.
هذا التطور الكمي يوازيه تحدٍ نوعي لا يقل أهمية، يتمثل في تحسين جودة الخدمة، وضبط تردد الحافلات وأوقاتها، في انسجام تام مع الزمن المدرسي، حسب ما أفاد به الوزير في جواب كتابي على سؤال برلماني تقدم به رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، إدريس السنتيسي.
أسطول يتضخم..
عدد الحافلات المخصصة للنقل المدرسي عرف تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة، ليبلغ ما يقارب 8893 حافلة خلال الموسم الدراسي الحالي. غير أن هذا التوسع يضع المنظومة أمام رهان مزدوج يتمثل في توسيع التغطية الجغرافية للخدمة، من جهة، وتحسين شروط استخدامها من جهة ثانية، خاصة في المناطق القروية والجبلية، حيث تظل المسافات طويلة والبنيات التحتية هشة.
الوزارة الوصية، بحسب الوزير برادة، تسعى إلى معالجة هذه الإشكالات من خلال اعتماد سياسة عمومية مندمجة لتدبير النقل المدرسي، تنخرط فيها وزارة الداخلية وباقي المتدخلين، وذلك بهدف تحسين النجاعة وضمان الجودة.
خارطة طريق جديدة
من بين الإجراءات التي يجري تفعيلها، أشار الوزير إلى إعداد خريطة مندمجة لحاجيات النقل المدرسي، في تناغم مع باقي خدمات الدعم الاجتماعي كالإيواء والإطعام المدرسي، وذلك لضمان تكامل تدخلات الدولة وتقليص الفوارق المجالية.
كما يتم العمل على إرساء إطار قانوني ومؤسساتي محكم، عبر اتفاقيات ودفاتر تحملات تُحدد التزامات كل الأطراف، فضلا عن الانفتاح على المهنيين المتخصصين في النقل لتدبير الخدمة بأساليب حديثة.
وتراهن الوزارة أيضا على استعمال التكنولوجيات الحديثة في تتبع الحافلات وضبط المسارات والجدولة الزمنية، باعتماد "لوحات قيادة" تسهل مراقبة الأداء وتضمن التفاعل السريع مع التحديات اليومية، خاصة في المناطق المعزولة.
محاربة الهدر
النقل المدرسي، في منظور الوزارة، لم يعد مجرد خدمة لوجستيكية، بل غدا مكونا استراتيجيا في معركة محاربة الهدر المدرسي، لا سيما في صفوف الفتيات في الوسط القروي.
وأكد الوزير أن هذا الورش يندرج ضمن برنامج الدعم الاجتماعي الذي يستهدف الأسر الفقيرة والمعوزة، مشددا على أن غياب وسائل نقل آمنة ومنتظمة يبقى أحد أبرز معيقات التمدرس المنتظم في المغرب العميق.
ويراهن على التنسيق بين مختلف البرامج الوطنية، من قبيل السجل الاجتماعي الموحد ونظام التعويضات العائلية، لضمان تمويل مستدام وعادل لخدمات النقل المدرسي، بما يُخفف العبء عن الجماعات الترابية، خصوصا أن تدبير هذا القطاع يعد من الاختصاصات الذاتية للعمالات والأقاليم بموجب القانون التنظيمي 112.14.
رهانات مستقبلية
رغم التقدم المسجل، لا يزال النقل المدرسي في المغرب يواجه إكراهات تتعلق بتأهيل الأسطول، وتكوين السائقين، وتأمين الأطفال، وملاءمة الخدمات مع الخصوصيات المحلية.
وينتظر أن تسفر السياسة العمومية الجديدة التي تُعدّها الحكومة، بشراكة بين وزارات ومؤسسات متعددة، عن نموذج تدبيري أكثر نجاعة، يعيد الاعتبار لحق التلاميذ في التنقل الآمن نحو المدرسة، ويسهم في تقليص الفجوة التعليمية بين الحواضر والقرى.