75% من المقاولات الصغرى لا تصمد أكثر من ثلاث سنوات.. أين الخلل؟

الكاتب : انس شريد

20 يونيو 2025 - 08:30
الخط :

يتواصل النقاش داخل الأوساط الاقتصادية والتشريعية حول مستقبل المقاولات الصغرى والمتوسطة في المغرب، في ظل مؤشرات مقلقة بشأن هشاشة هذه الفئة من الشركات، التي تمثل أكثر من 90 في المائة من النسيج الاقتصادي الوطني، لكنها تعاني في المقابل من ضعف الاستمرارية، وقلة الدعم، وصعوبات متعددة تهدد وجودها.

وخلال يوم دراسي نظمه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب بشراكة مع الهيئة المغربية للمقاولات، تحت عنوان “واقع المقاولة الصغرى ورهانات التطوير”، حذّر عدد من المسؤولين والخبراء من ارتفاع معدل إفلاس المقاولات الصغرى، حيث تؤكد المعطيات الرسمية التي تم طرحها أن 75 في المائة منها لا تتجاوز ثلاث سنوات من النشاط بعد تأسيسها، ما يطرح تساؤلات حقيقية حول نجاعة السياسات العمومية الموجهة لهذا القطاع.

اللقاء، الذي شهد حضور برلمانيين ومسؤولين حكوميين ورواد أعمال وممثلي الغرف المهنية من مختلف جهات المملكة، خلُص إلى أن المنظومة الحالية غير كفيلة بتمكين هذه الشركات من شروط المنافسة والاستدامة، في ظل تراكم الإكراهات المرتبطة بالولوج إلى التمويل والعقار، وتعدد القيود الإدارية والجبائية، إضافة إلى استمرار هيمنة الشركات الكبرى على معظم الدعم العمومي وصفقات الدولة.

وحذر عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، من الهوة الواسعة بين النصوص القانونية والبرامج الحكومية من جهة، والواقع الميداني الذي تعيشه المقاولات الصغرى من جهة أخرى.

وأشار إلى أن سنة 2023 لوحدها شهدت إعلان إفلاس نحو 33 ألف مقاولة، في مؤشر على تعمق الأزمة، وعجز المنظومة المؤسساتية عن حماية هذا القطاع من الانهيار.

من جانبه، أكد رشيد الورديغي، رئيس الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى، أن هذه الشركات، ورغم ضعف مساهمتها في الناتج الداخلي الخام التي لا تتجاوز 3 في المائة، تشكل دعامة أساسية للتشغيل، حيث تؤمن حوالي 75 في المائة من مناصب الشغل القارة المصرح بها لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

واعتبر الورديغي أن استمرارية هذه المقاولات لم تعد مسألة اقتصادية فقط، بل باتت رهانا اجتماعيا يتعلق بحماية الاستقرار وفرص الشغل في البلاد.

وأشار الورديغي إلى أن أبرز التحديات التي تواجه المقاولات الصغيرة جداً تشمل صعوبة الولوج للتمويل البنكي، غياب المواكبة والتكوين، ومنافسة القطاع غير المهيكل، إضافة إلى غياب تمييز إيجابي لها في ميثاق الاستثمار، الذي يشترط رقم معاملات سنوي لا يقل عن مليون درهم للاستفادة من آليات الدعم، وهو شرط وصفه المتدخلون بـ"الإقصائي" وغير الملائم لحجم المقاولات الصغرى في الجهات الهشة.

وفي السياق ذاته، نبّه النائب البرلماني عبد القادر بن الطاهر إلى أن أكثر من نصف الدعم العمومي يذهب إلى الشركات الكبرى، في حين لا تستفيد المقاولات الصغيرة إلا بنسبة لا تتجاوز 15 في المائة.

ودعا إلى إعادة النظر في التوزيع العادل للدعم العمومي، وتمكين المقاولات الصغرى من الولوج إلى التمويل والمواكبة التقنية والصفقات العمومية، باعتبارها رافعة أساسية للتنمية المحلية وخلق فرص الشغل.

وشهد اللقاء أيضاً مداخلات متخصصة تناولت بالتشخيص والتحليل واقع المقاولات الصغرى، من بينها مداخلة سمير أجرعام، مدير التشغيل بوزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، الذي أكد على أهمية التمكين الاقتصادي في إدماج الشباب والنساء عبر تشجيع المبادرات المقاولاتية الصغيرة.

كما قدمت أمل الإدريسي، المديرة التنفيذية للمرصد المغربي للمقاولات الصغيرة، عرضاً مفصلاً حول التحديات الهيكلية التي تواجه هذه المقاولات، مشددة على أهمية توفير بيانات دقيقة تساعد في بلورة سياسات عمومية مبنية على معطيات واقعية، وليس فقط على التقديرات أو البرامج ذات الطابع المناسباتي.

وفي محور آخر، انتقد حسن صاخي، رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات لجهة الرباط-سلا-القنيطرة، غياب قطاع حكومي واضح يختص بالمقاولات الصغرى، داعياً إلى إحداث مؤسسة رسمية تُعنى بتدبير ملفاتها وتتولى التنسيق بين مختلف الهيئات والمؤسسات الداعمة، مع إشراك الغرف المهنية التي تشتكي بدورها من التهميش وغياب الإمكانيات الكفيلة بدعم الدور الاستشاري الذي أنيط بها قانوناً.

وفي ختام اللقاء، أجمع المشاركون على ضرورة التسريع بتنزيل إصلاحات هيكلية في مجال تمويل ومواكبة المقاولات الصغيرة، تشمل تبسيط المساطر الإدارية، تخفيف الضغط الجبائي، تيسير الولوج إلى العقار الصناعي، وضمان تكافؤ الفرص في الصفقات العمومية، مع إعادة النظر في آليات التحفيز والدعم بما يراعي خصوصية المقاولات الصغرى، لا سيما في الجهات المهمشة.

ويُنتظر أن تشكل التوصيات الصادرة عن هذا اليوم الدراسي أرضية لتقديم مقترحات قوانين وتعديلات تنظيمية من طرف الفريق الاشتراكي بمجلس النواب خلال الدورة التشريعية المقبلة، في أفق إحداث تحول حقيقي يمكّن من إنقاذ آلاف الشركات من الإفلاس، ويُعيد الاعتبار للمقاولة الصغرى كفاعل محوري في النسيج الاقتصادي الوطني.

آخر الأخبار