ملف ترحيل القاصرين المغاربة يشعل جدلا قضائيا في إسبانيا

الكاتب : انس شريد

20 يونيو 2025 - 10:30
الخط :

لا تزال قضية ترحيل القاصرين المغاربة من مدينة سبتة المحتلة تثير جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والقضائية الإسبانية، وسط اتهامات ثقيلة وتحقيقات قضائية تكشف يومًا بعد آخر تعقيدات الملف.

فخلال جلسة المحاكمة الأخيرة التي تشهدها المحكمة الإقليمية بسبتة، نفى رافائيل بيريث، كاتب الدولة السابق في وزارة الداخلية الإسبانية، أن تكون الوزارة قد أصدرت أمرًا رسميًا أو وافقت على تنفيذ عملية الترحيل التي طالت 55 قاصرًا مغربيًا في غشت 2021، وهو ما يعارض الرواية التي قدمتها المسؤولتان المتهمتان في الملف، الحاكمة السابقة لسبتة سالفادورا ماتيوس، ونائبة رئيس الحكومة المحلية السابقة مابيل ديو.

وجاء هذا النفي، وفقًا لما تناقلته صحيفة infobae الإسبانية، خلال شهادته عبر تقنية الفيديو أمام المحكمة، حيث أكد أن ما صدر عنه لا يعدو أن يكون بلاغًا عامًا وليس تعليمات رسمية بالترحيل، مشددًا على أن وزارة الداخلية لم تعطِ أوامر مخالفة للقانون الإسباني، ولم تصدر تعليمات مباشرة بهذا الخصوص.

وأوضح بيريث، حسب ما تطرقت له الصحيفة، أن البلاغ الذي تم إرساله إلى سلطات سبتة المحتلة كان مجرد تذكير باتفاق التعاون الموقع بين المغرب وإسبانيا سنة 2007، دون أن يقصد به بأي شكل من الأشكال إعطاء الضوء الأخضر لترحيل القاصرين، معترفًا في الآن نفسه بأن الأوضاع آنذاك كانت استثنائية في ظل توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

التصريحات التي أدلى بها بيريث، حسب ما تطرقت له الصحيفة، أربكت مجريات القضية، بعدما كانت المتهمتان قد أكدتا في شهادتيهما أمام المحكمة أن القرار تم اتخاذه بناء على توجيهات وزارة الداخلية الإسبانية، مستندتين إلى الاتفاق الثنائي مع المغرب باعتباره أساسًا قانونيًا لهذه الخطوة.

إلا أن شهادة بيريث، وفقا للصحافة الإسبانية عززت موقف النيابة العامة، التي اتهمت المسؤولتين باستغلال السلطة ومخالفة القوانين الوطنية والإطار القانوني المتعلق بحماية القاصرين، خاصة فيما يتعلق بضمان التقييم الفردي لكل طفل، وضرورة حضور محامٍ ومترجم خلال عملية الترحيل، وهي الضمانات التي تم تجاهلها بشكل كلي، حسب الملف المعروض أمام القضاء.

ودفعت شهادة بيريث القاضية المشرفة على المحاكمة إلى إصدار قرار بإجراء مواجهة مباشرة بينه وبين المتهمة مابيل ديو، بسبب التناقض الصريح في تصريحاتهما، حيث أصرت الأخيرة على أن العملية تمت في إطار الشرعية القانونية، وبناءً على قناعة كاملة بسلامة المساطر المعتمدة، معتمدة على الاتفاقية الثنائية مع المغرب كغطاء قانوني للإجراء المتخذ.

في المقابل، ظل بيريث متمسكًا بموقفه، نافياً بشكل قاطع إصدار الوزارة لأي تعليمات تنفيذية تخص ترحيل القاصرين، معتبرًا أن السلطات المحلية في سبتة ربما أساءت تفسير مضمون البلاغ الوزاري أو بالغت في تقدير الغطاء القانوني المتوفر لديها.

وبحسب ما نقلته صحيفة infobae الإسبانية، فتحت هذه التطورات المجال أمام احتمال توسيع التحقيقات لتشمل مسؤولين آخرين داخل الحكومة المركزية الإسبانية، خاصة في ظل الاتهامات التي وجهها رئيس ديوان مندوبة الحكومة آنذاك، خوان هيرنانديز، والذي أكد أن القرار اتُّخذ بتوجيه مباشر من وزارة الداخلية، مشيرًا تحديدًا إلى الوزير فرناندو غراندي مارلاسكا وكاتب الدولة رافائيل بيريث.

هذا التباين في الشهادات يضع الحكومة الإسبانية في موقف حرج، ويزيد من تعقيد المسار القضائي للملف، الذي قد يتحول من قضية محلية تتعلق بمسؤولين في سبتة إلى قضية تمس مستويات عليا داخل الحكومة المركزية.

بالتزامن مع هذه التطورات القضائية، صعّدت منظمات حقوقية من انتقاداتها لعملية الترحيل، معتبرة ما جرى انتهاكًا صريحًا لحقوق القاصرين المهاجرين.

وأكدت “الشبكة الإسبانية للهجرة” وجمعية “إسكويلا” أن السلطات الإسبانية تجاهلت بشكل صارخ الالتزامات القانونية الدولية والمحلية المتعلقة بحماية الأطفال، وقامت بتنفيذ عملية جماعية للترحيل في غياب أبسط الشروط القانونية والإنسانية، مطالبة بمحاسبة كل المسؤولين المتورطين، سواء على المستوى المحلي أو المركزي، عن هذا القرار الذي وصفته بالمهين وغير القانوني.

وتأتي هذه المحاكمة في سياق تداعيات الأزمة السياسية الكبرى التي اندلعت بين المغرب وإسبانيا في ربيع 2021، حين شهدت مدينة سبتة موجة هجرة غير مسبوقة، دخل خلالها أكثر من 12 ألف مهاجر إلى المدينة، بينهم حوالي 1200 طفل مغربي.

هذه التطورات عمّقت الخلاف الدبلوماسي بين الرباط ومدريد آنذاك، قبل أن تعود العلاقات إلى مسارها الطبيعي لاحقا.

آخر الأخبار