آيت بوگماز.. حين صرخ الجبل: كفى من التهميش

الكاتب : عبد اللطيف حيدة

10 يوليو 2025 - 05:30
الخط :

قبل أن تشرق شمس صباحهم الجبلي، وقبل أن تهب نسائم البرد على دواويرهم، كان رجال ونساء آيت بوگماز قد تناولوا فطورهم البسيط من "أسكيف" وزادوا في الطريق.. لم يكونوا يبحثون عن امتيازات أو وعود انتخابية جديدة، بل كانوا يحملون مطالب لا تتعدى: طبيب، طريق، ماء، إنترنت، ومدرسة.

هكذا انطلقت قافلة الأمل من دواوير ظلت لسنوات طي النسيان، مسيرة مشيا على الأقدام امتدت لعشرات الكيلومترات، قطعتها ساكنة سبعة دواوير متحدين التضاريس الوعرة والعزلة القاتلة، في رحلة احتجاجية نحو عمالة أزيلال ومن بعدها ولاية بني ملال.

"بغاو غير يتبرونشاو مع المغرب النافع".. عبارة تختصر مطلب الجبل. هم لا يطلبون جامعة أو مطارا أو مستشفى متخصصا، فقط يريدون "الكونيكسيون"، يريدون "الريزو" ليطمئنوا على أبنائهم في المدن، يريدون ملعب قرب لأطفال لم يعرفوا من الطفولة سوى أشغال الحقول، وطبيبا لا يغيب شهورا عن المركز الصحي المحلي.

درع ووفاء

ما ميز هذه المسيرة أنها لم تكن صرخة تمرد، بل نداء وفاء. رجال ونساء يحملون العلم المغربي، وصورة الملك محمد السادس، يسيرون بهدوء وكرامة، يطرقون أبواب الدولة بقلوب ممتلئة بحب الوطن. لم تخرج المسيرة في لحظة غضب، بل في لحظة رجاء.

عشر سنوات من الانتظار

مطالب آيت بوگماز كانت واضحة ومكتوبة في لافتات القافلة، تعبيد الطريق الجهوية 302 و317 لفك العزلة، ونقل مدرسي لوقف الهدر التعليمي، خصوصا في صفوف الفتيات، وطبيب قار وسيارة إسعاف مجهزة.

كما يطالبون بتغطية شبكة الهاتف والأنترنت، وملعب قرب ومركز تكوين للمهن الجبلية، ورخص بناء مرنة في مناطق نائية، ومدرسة جماعية، وسدود تلية لدرء الفيضانات، وماء صالح للشرب.

هي مطالب تتحدث عن الضروريات، لا الكماليات. هي حقوق بسيطة، لم يعد السكوت عن غيابها مقبولا.

ليلة في العراء.. وكرامة في العيون

بعد 58 كيلومترا من السير، بات رجال القافلة في العراء بتراب جماعة آيت امحمد. برد الجبل لم يكسر عزيمتهم، ولا تعب الطريق أطفأ حماسهم. العيون كانت مصوبة إلى عمالة أزيلال، إلى جهة بني ملال، وإلى العاصمة الرباط حيث تُرسم السياسات ويُوزع الاستثمار.

من البرلمان إلى الشارع.. نفس الصرخة

"صرخت كثيرا من تحت قبة البرلمان.. لكن صراخي لم يسمع"، تقول نائبة برلمانية وهي تتفاعل مع صور المسيرة. نفس الصدى جاء من الباحثين والناشطين: "ما يطالب به سكان آيت بوگماز هو الحد الأدنى للعيش الكريم. فكيف نقنع أبناء الجبل بالبقاء بينما لا يجدون طبيبا أو مدرسة؟"

المونديال والمهرجانات.. وقرى بدون ماء

بين مشاهد الملاعب الفاخرة التي تعرض على العالم، وصور أطفال آيت بوگماز يحملون قنينات فارغة بحثا عن ماء، يبدو التناقض صارخا. بلد يطمح لتنظيم كأس العالم ويحتفل بالمهرجانات، لكنه يعجز عن إيصال سيارة إسعاف لقرية نائية.

لا صدقات

هذه المسيرة لم تأت تطلب صدقات، بل تطلب الحد الادنى من الحقوق الدستورية. ما تطلبه الجبال اليوم هو أن تنصت الدولة لصوتها كما تنصت للمراكز. أن ترى الدولة أبناء الجبل كما ترى أبناء المدن. أن تفك عزلتهم، لا أن تراكم فوقها صمتا آخر.

الجبل ينتظر الجواب
بعد مسيرة يوم وليلة، وبعد أن وصلت القافلة إلى مقر العمالة، فهل سيصل صوت الجبل إلى العاصمة؟ أم أن القرى ستظل تنتظر قطار التنمية الذي يمر دائما من دون أن يتوقف عند محطتها؟

ربما يكون صدى هذه الخطوات أقوى من خطب الساسة، وربما تكون هذه القافلة بداية مسار جديد يعيد الاعتبار للمغرب العميق.. حيث لا شيء يطلب سوى الحق في الحياة.

آخر الأخبار