سيدي المختار ..البلدة المنسية التي ظلمتها الجغرافيا

قسمة ضيزى جنت على بلدة سيدي المختار التي تتمطى واطئة على جانبي الطريق الرابط بين مدينتي مراكش والصويرة، فلا هي في حل من ظلم الجغرافيا ولا هي ضمن وارد اهتمامات المسؤولين.
ومن سخرية التقسيم الإداري أن هذه البلدة بمجموع سكانها البالغ 22 ألفا تابعة لشيشاوة التي بالكاد يأوي إليها 15 ألف نسمة، على أن المسافة الفاصلة بين الاثنين تبلغ 25 كيلومترا، تمتد عبر الطريق السريع التي أصبحت تمت بين مراكش والصويرة.
كذلك، تبدو سيدي المختار أشبه بالمدينة "الميتة" وقد ضنت عليها السماء بالماء كما جفت الينابيع التي كانت تروي أشجارها الباسقة فيما يعرف بـ"البحاير" و"الشارع الطويل"، حتى أن الأرض التي تقوم عليها أضحت متشققة، خلافا للأيام الخوالي حينما كان الماء يترقرق في الواحات الصغيرة التي تحف هذه البلدة العطشى.
وكما يقترب الموت من البلدة بسبب شح المياه، فإن أشجارها تتشبت بالحياة إلى أقصى الحدود وهي تبدو واقفة باعتداد حتى وجذورها لم تعد ترتوي بالماء كما كان سالفا.
وعلى مرمى من "البحاير" تتكيء منازل طينية على أخرى إسمنتية في تناسق وتناغم بين التقليدي والعصري، يشهد على "بوار" يزحف على بشكل حثيث وهو يلتهم الأخضر.
واقع الحال في المنطقة، يفصح عنه "رشيد. م" الذي أشار لـ"الجريدة 24" بأن أمورا كثيرة قد تغيرت في المنطقة بعدما قرر "رأسماليون" إنشاء مشاريع فلاحية كبرى في محيط البلدة، حيث يتم إنتاج خضروات وفواكه توجه للتصدير، ومحاصيل هذه "المشاريع" تستلزم السقي على مدار اليوم بواسطة مياه الفرشات المائية وبعض مصادر المياه التي ظلت تروي بلدة سيدي المختار في السنوات السابقة.
وكما أن هذه البلدة تكاد تكون منسية في المملكة، فإنها تعيش على "العفاف والكفاف" إذ أن أغلب قاطنيها لا يملكون قوت يوم واحد، ولا محيد لهؤلاء عن العمل في هذه المشاريع التي تنعت بـ"حقول الذل" والتي يبتديء العمل فيها منذ التباشير الأولى لكل صباح وينتهي عندما تسقط الشمس نحو المغيب، بأجر يومي زهيد يتراوح بين 30 و50 درهما.
ووفق أرقام حصلت عليها "الجريدة 24" من مصادر مسؤولة في البلدة، طلبت عدم كشف هويتها، يبلغ عدد الفقراء حوالي 5850 شخصا، بنسبة تمثل 31,49 بالمائة من مجموع القاطنين ها هنا.
زيادة على الجفاف والعطش، في بلدة سيدي المختار، تتكالب أمور أخرى لتخنق أهاليها وتجعل بعضهم ينوء بحمل ثقيل، كما الحال مع عبد الإله، الذي يتحدر من مدشر بندريس في حواشي البلدة.
يبدو شابا متوسط الطول، ذو طباع هادئة وبشرة أحرقتها أشعة الشمس، وهو يعمل طوال اليوم في ضيعة بالمنطقة، كان حديثه يتقطر عفوية، ويشي بالكثير عن البلدة حيث ينعقد أسبوعيا سوق كبير كل يوم أربعاء.
عبد الإله، أفاد بأن مسؤولي البلدة لا يولون اهتماما للوضع الصحي فيها، إذ هناك مركز صحي صغير يظل قاصرا دون تقديم الرعاية الصحية لمرتاديه من البلدة، كما أن طبيبا واحدا لـ22 ألف نسمة يبدو رقما مختلا.
وحسب المتعارف، في المنطقة ليست هناك غير طبيبة واحدة في المركز الصحي ملزمة بالكشف عن نحو 600 كلما حل يوم الأأربعاء حين السوق الأسبوعي، وهو الرقم الذي يتقلص في الأيام العادية، في الوقت الذي لا تستطيع الطبيبة في هذا المركز الكشف عن أكثر من 28 امرأة وفق المعدل المتفق عليها من أجل إيلاء الرعاية لمرتفقي المراكز الصحية عموما.
وفي حال استبد المرض ببعض قاطني البلدة بشكل يستلزم نقلهم على عجل نحو المستشفى الإقليمي محمد السادس بشيشاوة، فإن أهل المريض ملزمون بأداء 100 درهم كواجب للدييزل لفائدة سيارة الإسعاف أما إن استدعى الأمر الانتقال نحو المستشفى الجامعي ابن طفيل في مراكش فالأمر يكلف عادة 200 درهما.
عبد الإله أكد أيضا أن سائق سيارة الإسعاف، لا يجد حرجا في طلب واجب الدييزل من المرضى الذين ينقلهم أو من النساء الحوامل اللائي تستدعي حالاتهن الوضع في مراكز صحية خارج سيدي المختار.
وعموما حسب ما توفر لدى "الجريدة 24" فإن المركز الصحي في المدينة، يحوي أربعة أسرة فقط وقاعة للولادة وسيارة إسعاف واحدة، لكن ما يظل عصيا على الولوج إلى العلاج في هذا المركز الصحي هو أن 52 بالمائة من المنتسبين إلى المنطقة يبعدون عنه بنحو 10 كيلمترات بينما 39 بالمائة منهم تبعد عنه بنحو 3 كيلومترات.