أية زراعة تضمن الإستدامة زراعة البطيخ الأحمر أم زراعة النخيل؟

روبورتاج من إنجاز التلميذ والتلميذات: طه الفاسي- هبة محبوب- الحسنية باحدو- إيمان أيت بتا- نسرين أيتباحدا- أحلام العلوي.
تحت تأطير الأستاذ: رشيد موغيا
كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن "البطيخ الأحمر" المنتوج الزراعي الجديد بزاكورة وعن جودته العالية التي بلغت الآفاق، لكننا لا ندرك آثاره السلبية على التوازنات البيئية بالمنطقة، وعلى التراث الطبيعي، المتمثل في زراعة النخيل،والذي فرط فيه سكان المنطقة، بعد توجههم وانشغالهم بالتنافس حول زراعة البطيخ الأحمر الذي يستنزف الفرشة المائية.
نبذة عن مدينة زاكورة:
مدينة زاكورة هي مدينة تقع في الجنوب الشرقي، تدعى كذلك" درعة الوسطى" وتضم ست(6) وحات كبرى هي على التوالي:
- واحة مزكيطة.
- واحة تنزولين.
- واحة ترناتة.
- واحة فزواطة.
- واحة كتاوة.
- واحة المحاميد.
تقدر مساحتها بـ 23000 كلم2، ويبلغ عدد سكانها أزيد من 307306 نسمة(حسب إحصاء 2014)، وتدخل ضمن المناخ الجاف وشبه الجاف، الذي يطبعها بتساقطات مطرية ضعيفة وغير منتظمة، ويتميز بانخفاض درجة الحرارة شتاء وارتفاعها في صيفا (فوارق حرارية)، الشيء الذي يقوي نسبة التبخر والملوحة.
وتشتهر زاكورة بصناعة الفخار وبانتعاش النشاط السياحي ونخص بالذكر خصوصا السياحة الثقافية والبيئية والاستكشافية للكثبان الرملية، وتمورها ذات الجودة العالية، لكنتعرض أشجار النخيل للإهمال أدىإلى إصابتهابمرض "البيوض" الذي تم اكتشافه بدرعة منذ سنة 1870م.
واقع الحال: التهافت على زراعة البطيخ الأحمر في منطقة تعاني من خصاص مائي.
انتقل فلاحو زاكورةبين عشية وضحاها من زراعة النخيل إلى إنتاج البطيخ الأحمر،فقد قدرت المساحة المزروعة خلال هذه السنة بما يناهز 20.000 هكتار، وقدر عدد الشتلات المغروسة بأزيد من 8.000.000 شتلة.
ويعتبر إنتاج البطيخ الأحمر وسيلة لتوفير فرص الشغل، وإنعاش الاقتصاد المحلي موسميا، إلا أن سلبياته أكثر من إيجابياته، فهو يستنزف الفرشة المائية ويلوثها بفعل للمبيدات والأسمدة الكيماوية التي تستعمل بإفراط لإنتاجه.
كما يلوث التربة بمخلفات البلاستيك تستغرق مدة زمنية طويلة لتتحلل، علاوة على الأضرار الصحية الناجمة عن تناوله.والملفت للانتباهأنه لا يعود بالربح الوافر على المزارعين المحليين مقارنة بأرباح الوسطاء الوافدين من خارج المنطقة في أغلب الأحيان، والخاسر الأكبر هو المنطقة التي تبيع ثروتها المائية بثمن بخس، وتفرط في تراثها الطبيعي لصالح زراعة دخيلة غير ملائمة للمناخ السائد بالمنطقة ( مناخ جاف/شبه جاف ) والمتأثر إلى حد كبير بالتغيرات المناخية التي تجتاح العالم بأسره.
كل هذه الآثار السلبية تؤدي إلى نشوء خلل في توازنات النظام الواحي للمنطقة، لذلك يعتبر الرجوع إلى زراعة النخيل، كزراعة مستدامة، أفيد للمنطقة، لكون هذا النوع من الزراعة أكثر تكيفا مع مناخ المنطقة وأقل استنزافا للفرشة المائية، باعتبار أن جذوره تبحث عن المياه في حالة ندرتها لكون النخلة الواحدة لا تتطلب كميات كبيرة من المياه وباستمرار، فالنخيل من الزراعات المتحملة لقلة الماء، إضافة إلى مساهمته في الحفاظ على البيئة من خلال تلطيفه للجو، وحماية التربة من الانجراف ومن التصحر، كما أنه غير مكلف ماديا، إلى جانب القيمة الغذائية لثماره(التمر)، زيادة على أنه يدر دخلا وفيرا على المزارعين المحليين، خاصة الأنواع الجيدة منه( المجهول، بوفقوس، الجيهل...) ذات السمعة والثمن الغاليين.
آفاق المستقبل: التفكير في الإستدامة قبل الربح.
من بين النماذج التي وعت بأضرار زراعة البطيخ الأحمر، ضيعة تبعد عن "مركز تمكروت" ضواحي زاكورة بحوالي 4 كيلومتر، قمنا بزيارتها.في البداية كان المنتوج الذي يزرع فيها هو البطيخ الأحمرلكنه كان يحتاج للكثير من الماء والجهد ويترك في الأرض مخلفات من البلاستيك، إضافة إلى أنزراعة نفس المحصول تنهك التربة وتقلل من خصوبتها،ولاتدر مدخولا جيدا مقارنة مع التكلفة والجهد، فقرر صاحب الضيعة تغيير نوع الزراعة بتجريب الأشجار المثمرة(الزيتون، التين، والحوامض...) لكن هذه الأخيرة لم تتكيف ومناخ المنطقة، فاستبدلها بزراعة النخيل التي تعتبر نموذجا للزراعة المستدامة، حيث قام بغرس أكثر من 4 آلاف نخلة متنوعة(المجهول، الجيهل، بوفقوس...) على مساحة تناهز 29 هكتارا، والجدير بالذكر أنه يستخدم طرقا حديثة كالسقي بالتنقيط باستعمال 3 آبار تشتغل بالطاقة الشمسية، وتحتاج المزرعةأسبوعيا 43 طن من الماء.
وبفضل الاحتياطات المتخذة من طرف صاحب المزرعة تمكن من حماية مزرعته من جل الأمراض التي تصيب النخيل باستثناء "مرض القشرة البيضاء" الذي أصاب عددا لا يتجاوز 3 نخلات، ولمحاربة هذا الأخير اعتمد مبيدات حشرية.
وبفضل المجهودات المبذولة والاختيار الصحيحاستطاع تحقيق إنتاج وافر يقدر بـ 48 طن من التمور في السنة الماضية، عاد عليه بربح كبير، كما ساهم في تخفيض نسبة الفقر والبطالة، حيث خلقت هذه المزرعة 5 فرص شغل دائمة، بصرف النظر عن عدد كبير من العمال الموسميين.
إن زراعة النخيل هي الزراعة المستدامة التي تحقق الربح وتلائم مناخ المنطقة في آن واحد. ومن بين التوصيات المقترحة ندعو جميع المتدخلين(دولة، خواص، مجتمع مدني، أفراد) إلىتظافر الجهود من أجل بلوغ الهدف المنشود المتمثل في تثمين التراث الطبيعي(النخيل)عبر توعية المواطنين عن طريق وسائل الإعلام والقيام بحملات تحسيسية وتجديد الخطاب التواصلي فالمجهودات المبذولة من طرف الدولة في هذا القطاع لا يستهان بها، إلا أنهالا تحقق المطلوب.
ونسجا على قول الشاعر إبراهيم اليازجي:
تنبهوا واستفيقوا أيها المزارعون الزاكوريون××× فقد طمىالخطب حتى غاصت الركب
فيم التعلل بالآمال تخدعكم××× وأنتم بين راحات الفنا سلب