هل يعلم المعطي منجب أن "مراسلات النزلاء يؤطرها القانون"؟

إن العباءة الحقوقية التي يتدثّر بها المعطي منجب، بعيدا عن مهمته الأصلية التي يتقاضى عنها راتبه الشهري من أموال دافعي الضرائب، لا تعطيه الحق نهائيا في الإمعان في تحريف الحقائق، وترويج الأراجيف، والتراشق بالاتهامات، وتصوير المؤسسات العقابية والإصلاحية ببلادنا وكأنها "مناطق لا تخضع للقانون"، أو أنها "ملاذات تقع خارج ولاية التشريع الوطني".
ومردّ هذا الحديث، هو ما نشره المعطي منجب من انطباعات شخصية عن "رسالة مزعومة منسوبة للنزيل توفيق بوعشرين"، والتي ذيّلها باستيهامات سطحية تكشف -ربما- عن جهل الرجل بقانون المؤسسات السجنية، وتنّم أيضا عن خلفية مسيّسة ومؤدلجة، تحضر فيها كل المنطلقات السياسوية ويغيب عنها "الانتصار الحقيقي والجاد لثقافة حقوق الإنسان".
فالمعطي منجب، يؤاخذ على المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج نشر بيان حقيقة حول هذه المراسلة الزائفة المزعومة، ويعاتبها على تفتيش زنزانة النزيل المنسوبة له تلك الرسالة، بل إنه تجاسر واستنبط بشكل شخصي بأن "تصويبها المنشور ربما أملته تعليمات مفترضة تقضي التعامل بحزم مع النزيل المذكور"! وهذا الكلام إما أنه صادر عن شخص جاهل بالقانون، أو أن هذا الجهل هو مجرد تكتيك تفرضه مواقف الرجل الراسخة إزاء الدولة والمؤسسات؟
فالمراسلات من وإلى داخل السجون هي مسألة قانون، وليس مسألة واقع، تنظمها مقتضيات قانونية صريحة وواضحة ومنشورة بالجريدة الرسمية، ويفترض في المعطي منجب أن يكون مطلعا عليها ومتمكنا من أحكامها ومقتضياتها. كما أن التخاطب مع السجين لا يكتسي الصبغة القانونية إلا إذا كان مطابقا للنظام الداخلي للمؤسسة السجنية، وخاضعا للمراقبة القبلية بصريح المادة 67 من الظهير الشريف المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية.
أكثر من ذلك، أفرد المشرع المغربي (الفرع الثاني من الباب السادس) من هذا الظهير لتنظيم "مراسلات النزيل"، والذي أوجب قراءتها في إطار المراقبة الموكولة لمدير المؤسسة السجنية، مع مراعاة بعض الاستثناءات الضيقة جدا مثل المراسلات الصادرة أو الموجهة إلى المحامي لأغراض مهنية.
ومن هذا المنطلق، فالتصويب الذي نشرته إدارة السجن المحلي بالدار البيضاء لم يكن "مرافعة من أجل البراءة" كما يوحي بذلك المعطي منجب بشكل تدليسي، وإنما هو تمرين تواصلي وإجراء إداري يسري على جميع النزلاء والنزيلات. فالحديث عن مراسلة مزعومة صادرة من خلف أبواب السجن، وبعيدا عن القنوات القانونية المعتادة، يتم التعاطي معها قانونا على أنها "وشاية أو تبليغا مفترضا عن مخالفات للقانون المنظم للمؤسسات السجنية ببلادنا".
كانت هذه التوطئة القانونية لازمة، ولا مندوحة منها، لكي لا ينساق الرأي العام الوطني وراء التضليل السياسي والاحتيال الحقوقي الذي مارسه المعطي منجب وهو يتحدث عن الرسالة المزعومة المنسوبة لتوفيق بوعشرين، والتي أسّس على "صوريتها ووهمها" صرحا من الأكاذيب والمزاعم، والتي سرعان ما هوت مثلما "تداعى صرح الهوى في قصيدة الأطلال الشهيرة". (يا فؤادي لا تسل أين الهوى.. كان صرحا من خيالي فهوى).
وليعلم المعطي منجب بأنه أسّس مزاعمه وطروحاته على الكذب والرجم بالغيب، يكفيه فقط أن يرجع للموقع الإخباري الإلكتروني المملوك للنزيل المنسوبة له تلك المراسلة المزعومة، ليعلم مدى التخبط الذي تسببت فيه الرسالة المفترضة لناشريها قبل أي شخص أو جهة أخرى.
فالموقع المذكور ادعى، وهو يبث هذا الخبر، بأنه يتوفر على "الرسالة الصادرة عن توفيق بوعشرين"، وهو لفظ يفيد الطبيعة المادية المكتوبة للمراسلة المزعومة، قبل أن يتراجع بسرعة عن هذه المزاعم ويدعي بأنه توصل فقط برسالة شفاهية!! وهذا الانتقال السريع من "مادية الرسالة إلى لا مادية المحتوى"، لم يكن نتاج مهنية الموقع، ولا صحوة ضمير نابعة من أخلاقيات المهنة، وإنما استوجبه بيان الحقيقة الذي نشرته إدارة المؤسسة السجنية. ولعلّ هذا الحرج، هو الذي دفع المعطي منجب للانخراط بدوره في "كورال المنادين بإشاعة فوضى المراسلات بالسجون".
وفي سياق ذي صلة، تماهى المعطي منجب مع محتوى مضلل آخر حد الاعتقاد الجازم بصحته. فقد تحدث الرجل عن تضامن بين ( زميلين) في نفس المؤسسة الصحفية المنتقدة للنظام! والحال أن سليمان الريسوني لم يكن (زميلا متزامنا) مع توفيق بوعشرين في أي منبر إعلامي، وإنما التحق بجريدة أخبار اليوم بعد اعتقال ناشرها السابق بتهمة الاتجار بالبشر والاغتصاب المتسلسل.
كما أن عبارات الحشو التي استعملها المعطي منجب في وصف الجريدة "كمنتقدة للنظام"، تجعلنا أمام "شخص انتهازي" يلوك الشوك والثوم بأفواه منتسبي هذه المؤسسة الإعلامية. أكثر من ذلك، فالجريدة التي ابتهجت مؤخرا بقرار الوزير الفردوس وهو يصرف لها أموال الدعم العمومي، لا يمكنها أن تكون ضد النظام الذي يصرف لها تلك الأموال، اللهم إلا إذا كان المعطي منجب يتحدث عن نظام آخر وعن سياق مختلف.
إن إسراف المعطي منجب في "تسييس قضايا الحق العام"، وإغراقه في إسدال "صفة المعتقل السياسي" على الأصدقاء وذوي القربى المتهمين في الجرائم الجنسية والأخلاقية، وكذا المزايدة على المغرب والمغاربة ب"رزمانة علاقاته الخارجية"..هي مسألة باتت مفضوحة، و لا تحتاج لكثير من الفراسة والنباهة ليتبين المرء خلفياتها ودوافعها. فالرجل تغمره عطايا حقوق الإنسان من رأسه حتى أخمص قدميه، وممتلكاته العقارية المتأتية من ريع النضال المؤدى عنه تنوء بها سجلات المحافظة العقارية... وافتراءاته المنشورة حول رسالة توفيق بوعشرين المزعومة ما هي إلا نشاط من أنشطة الأصل التجاري الحقوقي الذي يعرض فيه "نضالاته المحددة على المقاس".