حرب "البام": هل هي نهاية أسطورة حزب الدولة؟

الكاتب : الجريدة24

30 سبتمبر 2019 - 09:02
الخط :

عقب الانتخابات التشريعية لسنة 2007، أصدر حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية"، بيانا شديد اللهجة انتقد فيه بحدة بالغة بداية التأسيس الأولى لما سيعرف فيما بعد سنة 2008، بحزب "الأصالة والمعاصرة". حزب الوردة، الذي خرج منهزما من الانتخابات التشريعية، سوف يصف "البام" الذي كان حينها مجرد فكرة تبلورت عقب تحالف بين عدد من الأحزاب والمستقلين داخل مجلس النواب بـ"الوافد الجديد"..

بعد ذلك، تكلف ادريس لشكر بمهاجمة هذا الوافد عبر وسائل الإعلام، ووصفه بـ"حزب الدولة". القيادي الاتحادي حينها تحول إلى ما يشبه الناطق الرسمي للحزب، لاسيما بعد إقالة محمد اليازغي من منصب الكتابة الأولى، وسوف يذهب بعيدا في خطابه ويهدد في تصريحات إعلامية متفرقة بالتحالف مع "العدالة والتنمية" لمواجهة الجرار.

طبعا جرت مياه كثيرة تحت الجسر واستوزر ادريس لشكر في حكومة عباس الفاسي الثانية، مطلقا بذلك خطابه الراديكالي تجاه "الوافد الجديد".

لم يكن حزب "الأصالة والمعاصرة" هدفا لسهام الاتحاديين وحدهم، بل وصف بحزب الدولة أو الإدارة من طرف أحزاب كالتقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية، بل إن زعيم حزب يوصف بالإداري كمصطفى المنصوري رئيس التجمع الوطني للأحرار انتقد "البام" في لقاء رسمي. ومازال البعض يتذكر ردود أفعال حزب "البيجيدي" ضد الخرجات الإعلامية لمؤسسي حزب الأصالة والمعاصرة، وخصوصا مؤسس الحزب فؤاد عالي الهمة الذي انتقد بحدة بالغة قيادات في "العدالة والتنمية"..

وجاءت احتجاجات الربيع العربي في نسخته المغربية، ورفعت صور مؤسسي الحزب لاسيما من طرف عدد من إسلاميي العدالة والتنمية وكانت هناك مطالب بحل "الأصالة والمعاصرة".

ورغم أن هذا الحزب لم يحصل على مقاعد تخول له مراتب أولى في الانتخابات التشريعية إلا أن عبد الإله بن كيران، الأمين العام السابق لحزب "البيجيدي" أصر إصرارا على أن يجعل رفاق العماري وبنشماس هدفا لسهامه بل في الحملة الانتخابية ركز على انتقاد "البام" وجعله عدوا عبر وصفه بلفظ "التحكم".

انتخب إلياس العماري رئيسا للحزب، واتهم "الجرار" بالتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب السياسية، وبأنه مسنود من طرف أجهزة الدولة للفوز في الانتخابات الجماعية والتشريعية.. وظلت تهمة "حزب الدولة الجديد" لصيقة برفاق حكيم بنشماس سواء في عز لحظات قوتهم السياسية أو في عز لحظات ضعفهم، بالاعتماد تارة على أخبار صحيحة وأخرى مفبركة.

وبعد مغادرة العماري لدفة القيادة انتخب بنشماس، الذي دخل الحزب في عهده أزمة غير مسبوقة إطلاقا منذ تأسيسه قبل 11 سنة. واتضح جليا أن لا أحد أصبح يملك مفاتيح حزب. ولم يعد يفهم أحد ما الذي يحدث داخل بيت "الجرار". صراع قوي جدا بين جناحين كل واحد منهما يتمتع بحضور تنظيمي وازن داخل أجهزة الحزب.

إن المؤشر الأول لهذا الصراع الذي يبدو حاليا أنه لن ينته إلا في ردهات المحاكم، هو إبعاد تهمة "حزب الدولة" التي ظلت لصيقة بـ"البام" منذ تأسيسه. فلو أن حزب "الأصالة والمعاصرة" كان حزبا مقربا من السلطة أو يحظى بدعمها أو تأثيرها لكان هناك تدخل من طرف جهات نافذة في الدولة من أجل رأب الصدع بين التيارات المتصارعة. هذه هي الفكرة التي يحاول عدد كبير من أعضاء الحزب ترويجها على نطاق واسع، ويمكن القول إنها تحظى بنسبة مصداقية كبيرة في السياق الحالي.

المؤشر الثاني لهذا الصراع، يفرض علينا أولا اعتبار حزب "الأصالة والمعاصرة" مقربا من جهات نافذة في السلطة، وحينها سوف نستشف أن الرهان لم يعد قائما على "البام" من أجل هزيمة حزب "البيجيدي" في الانتخابات التشريعية المقبلة، بعدما فشل في هذا الرهان خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2016. وهذا الرأي يجيب عليه عدد من مؤسسي الحزب بالقول إن "البام" مؤهل أكثر من أي وقت مضى من أجل لعب دور أكبر في الحقل السياسي والحزبي، بالنظر إلى أن السيرورة التاريخية تقتضي ذلك، وأن لكل حزب دور في مرحلة معينة في التاريخ المغربي الحديث.

أما المؤشر الثالث، فهو تحول حزب "الجرار" من حزب يقوده شخص واحد سواء في الظل أو العلن وهو إلياس العماري، إلى ساحة حرب بين لوبيات متعددة تريد أن تجد لها موطئ قدم داخل "البام" من أجل الدفاع عن مصالحها. صحيح أن هذه اللوبيات كانت حاضرة دائما في السر، لكن في غياب الشخص الموحد للحزب، فإن تفاعل تدخلها مع الصراع ذو البعد الشخصي بين الأطراف المتعددة يؤدي إلى ما يعيشه الحزب اليوم من وضع تنظيمي متأزم.

سيكون الحزب في القادم من الأيام أمام امتحان صعب، أولا سيكون عليه تجاوز تصدعاته التنظيمية والصراع بين أجنحته وهو الأمر الذي يبدو اليوم صعبا جدا. ثانيا، العمل على وضع خط سياسي واضح المعالم يتم بموجبه ممارسة الحزب لعمله في المعارضة بشكل يخلق التوازن السياسي في البلاد، على الأقل فيما تبقى من عمر هذه الحكومة. ثالثا، وهو العمل على عودة الحزب إلى مرحلة ما قبل انتخابات 2011 التشريعية حيث كان الاعتماد أساسا على فاعلين ومنتخبين وحقوقيين لديهم مشروع سياسي واضح المعالم ينافس المشروع الإسلامي الذي يعبر عليه حزب "العدالة والتنمية".. فهل ينجح "البام" في الامتحان؟

آخر الأخبار