قصة مصحف خطه سلطان مغربي وأهداه للأقصى قبل 7 قرون

الكاتب : وكالات

19 سبتمبر 2020 - 11:20
الخط :

قبل نحو 7 قرون أراد السلطان علي أبو الحسن المريني من المغرب الأقصى أن يترك أثره في المسجد الأقصى، فنسخ بخطه الحسن مصحفا تصدّر المخطوطات القرآنية في القدس لفرادته وإتقانه، وظل حتى يومنا هذا شاهدا على الفن الإسلامي المغربي وحب أهل المغرب للقدس ومسجدها.

يحتضن المتحف الإسلامي في المسجد الأقصى المصحف الذي يعرف بـ"الربعة المغربية"، لأنه حفظ في صندوق مربع الشكل من خشب الأبنوس المزين بالفضة الملونة، وقسّم الصندوق عدة أقسام من الداخل لتضم المصحف بـ30 جزءا منفصلة، بالإضافة إلى أوراق وقفيته.

وحسب وقفية "الربعة المغربية"، فإنها نُسخت عام 1344م بخط السلطان أبي الحسن المريني، ثم أرسلت كهدية منه تشريفا واهتماما بالمسجد الأقصى فأوقفها وأوقف عليها أملاكا وعيّن عليها من يقرؤونها، وهي محفوظة في خزانة قبة الصخرة.

جاء في شروط الوقفية أن تقرأ الربعة داخل قبة الصخرة بعد طلوع الشمس في كل يوم ختمة كاملة، ثم تتلى بعدها سورة الإخلاص والمعوذتين والفاتحة وأوائل سورة البقرة، ويُصلى على النبي عليه السلام ويُدعى للواقف ووالديه وذريته وجميع المسلمين، كما اشترط أن يكون القارئ من حفظة كتاب الله وأهل الخير والصلاح.

كان السلطان أبو الحسن المنصور بالله المريني -ولقب بأمير المسلمين- من كبار بني مرين، وهم سلالة أمازيغية حكمت المغرب، وكان دمث الأخلاق حسن الفهم متواضعا، وعرف بتقواه الشديد وخطه الحسن الذي ورثه عن والده، كما وحد أثناء حكمه أجزاء المغرب الأقصى والأدنى، وبنى العديد من المؤسسات التعليمية والدينية كالمدارس والكتاتيب والمساجد.

اعتبر السلاطين المسلمون على مر التاريخ المصاحف من أشرف الهدايا وأقيمها، فكانت تكلل بالمواكب المهيبة وتدفع كهدايا لتقوية الصلات السياسية والدبلوماسية بين الدول، خصوصا بين المشرق والمغرب الإسلامي، وكان سلاطين المغرب يتطلعون إلى مصر والمشرق باعتبار المغرب امتدادا للعالم الإسلامي.

وبالنظر إلى "الربعة المغربية" فقد عاصر السلطان أبو الحسن المريني السلطان المملوكي الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون، وقد أهداه السلطان أبو الحسن 3 ربعات كتبها بخط يده، واحدة أوقفها على الحرم المكي، والثانية على الحرم النبوي، والثالثة على المسجد الأقصى، ولم يتبق من تلك الربعات اليوم إلا ربعة الأقصى.

ذكر العديد من الباحثين "الربعة المغربية"، لكن لم تفرد لها دراسة أكاديمية كافية حتى عام 2020، حيث أصدرت الباحثة المقدسية وخبيرة ترميم المخطوطات سمر نمر بكيرات دراسة تاريخية عن فن كتابة المصاحف في العصر المريني، وحللت الربعة من الناحيتين المادية والفنية ضمن علم دراسة الأثر المادي للمخطوطات (الكودكولوجي)، وهو علم حديث نشأ لدراسة المصاحف المبكرة.

ساعد صندوق الربعة على بقائها بحالة جيدة، إضافة إلى أنها كتبت على "الرق" (الجلد) الذي لا يتآكل مثل الورق، وتقول الباحثة إن 5 أجزاء فقدت منها، فأعيدت كتابتها في الفترة العثمانية على يد الحاج مبارك بن عبد الرحمن المالكي عام 1807م، وضاع عام 1932 الجزء الـ30 منها، فأمست اليوم 24 جزءا فقط بخط السلطان المريني.

كتبت الربعة بحبر صنع من مواد معطرة مثل الزعفران والمسك المخلوط بالحبر الكربوني، كما اعتمد الخط الكوفي بأنواعه البسيط والمورق والمضفور لكتابة عناوين السور وخواتيمها، أما متن المصحف فكتب بالخط المغربي المبسوط الخالي من التزويق.

يذكر أن مصاحف عدة أوقفت في المسجد الأقصى من سلاطين وأمراء مسلمين، خصوصا في الفترتين المملوكية والعثمانية، مثل مصحف السلطان برسباي، وهو أكبر مصحف في المتحف الإسلامي، ومصحف أنور باشا وربعة السلطان مراد.

آخر الأخبار