راقصة قتلت غيرة نادل

الكاتب : الجريدة24

04 أبريل 2022 - 09:45
الخط :

  رضا حمد الله

جمعتهما اللذة الباحثين عنها في جسدي بعضهما ولو على شفى حفرة الحرام. وشكلا "كوبل" متناقضات أخفتها جدران شقة ب"البولفار" شهدت على ليال متقلبة بمزاجهما تحمر بتحقيق النزوة الجنسية، وتسود كلما علا منسوب مشاكل لا تنتهي ولو فرقت البسمة العابرة بين فتراتها.

هو نادل أعزب يسقي زبناء ملهى ليلي، مسكرات ترفع معنوياتهم للأعالي وتنزل توازن أجسادهم للحضيض. وهي راقصة بنفس الملهى، خارجة من زواج فاشل ضحيته ابنة بعيدة، بعدما "باعها" أب طماع لشيخ ثري لم ترث منه غير المشاكل وسمعة زادت سوءا بغرقها في بحر الرذيلة بحثا عن المال واللذة.

بعد سنوات تحول فيها جسدها مفرغا لمكبوتات عابري الملهى ممن ترقص لهم وتتراقص على حبال الإغراء للإيقاع بهم والزيادة في منسوب سخائهم، استطاعت شراء شقة ب"البولفار" قبلت أن تحضنهما بدون عقد نكاح، بعدما اقتنعت بوحدة همهما وحاجتهما لبعضهما. هو يراها مأوى له يأويه متى شاء وبلا مقابل، وهي اعتبرته حصنا منيعا يمنع عنها طمع الناس في جسدها الممشوق.

كلا منهما قبل بالآخر وعيوبه. ذوبا الفوارق لينصهرا في حب توطد بشقة شاهدة على تجاذباتها وتدافعهما بحلاوته ومرارته، دون أن تذيب خلافاتهما علاقة دامت سنينا حتى خالهما الجيران زيجة ناجحة. لكل منهما طباعه الخاصة، لكن الاحترام قائم ومضمون. لا يتدخل في علاقتها بزبناء العلبة الليلية، وهي تغض الطرف عن عينيه الزائغتين، وتخفض له الجفن كلما احمرا وأجج الغضب احمرارهما.

النادل كان أكثر خمولا، ينام ما أن يعودا في آخر الليل. والراقصة كانت اكبر منه سنا وأكثر حيوية ومقدرة لكل مسؤولياتها حتى في الإنفاق. تعد له الوجبات و"الشهيوات" ولا تنام إلا بعد حصة رياضية صباحية في قاعة قريبة في أقصى الشارع، عكسه لا يهتم لا بالرياضة ولا يفكر في الترفيه والتخفيف من تعب الجسد، إلا بنوم يطول ساعات.

في ذاك الصباح كانت عائدة من قاعة الألعاب، وهو متسمر بشرفة المنزل يطل على "البولفار" من نافذة الأمل مترصدا الحركة فيه. وبين كل نفثة من سيجارته الشقراء، يحلم بوضع غير الذي فيه، لحد السهو ورسم خارطة طريق المستقبل في مخيلته، أما الواقع فيجهض الحلم ولو كان بريئا وفي يقظة إنسان حطمته النكسات وتقاذفته الظروف لترمي به في مرمى العيش "عالة" على امرأة عشقها في غير الحلال.

كان النادل شاردا متكئا على حائط الشرفة، لما عاينها قادمة، قبل أن ينتصب مفجوعا بوقوفها بجانب باب حانة. كان شاب وسيم يحرسها، يحادثها وهي مبتسمة.
- ماذا قال لها ولماذا ابتسمت؟

تساءل في قرارة نفسه، دون أن يجد جوابا مقنعا للمشهد. ومع تكرار التفكير في الأمر، زادت شكوكه وتأججت نار الغضب دون أن يعي أن شرارتها ستحرقه.
- هل تخونني معه أو هي الصدفة جمعتهما؟

كثرت الأسئلة وارتفع منسوب الغضب حتى وهو يفتح باب الشقة ليفسح لها المجال لولوجها.

- من هو ذاك الذي كنت تشاركينه البسمة؟

سؤال استفزها كما طريقة طرحه، فنظرت إليه باستغراب دون أن تنبس بكلمة. اكتفت بنظرات حبلى بتساؤلات لم يقرأها في عينيها ولا في تقاسيم ملامح وجهها. وعوض أن يخمد لهيب الغضب في فؤاده، بالصمت مقدرا موقفها وصمتها، أمطرها عتابا ولوما على فعل لم يتثبت منه او يحاول أو على الأقل ينتظر جوابها.

أرغد وأزبد وهي صامتة، لكن صمتها لم يطل حين عيرها بأصلها وشرفها ومد يده لرسم أصابعه في وجهها. حينها نفذ الصبر والقدرة على تحمله، وغادرت مسرعة إلى المطبخ لا لطهي ما اعتاد التهامه من يديها، ولكن للتسلح بسلاح ابيض استعملته لصده. وما أن انتصبت أمامه بقامتها العالية، حتى حاولت أن تخمد شرارة الغضب في أحشائها. دفعت السكين إلى صدره محاولة تخويفه. لكن الضربة نفذت سريعا إلى جهة القلب لتقتل بذور حب أرهقها.

صرخت الراقصة قبل أن يصرخ ساقي زبنائها، ولطمت وجنتيها حسرة على عشيق سقط ارضا أمام عينيها وهو ينزف وقد خارت قواه. الضربة لم تكن بالقوة الكبيرة، لكن الجرح غائر في لواعج القلب قبل الجسد. صراخها أصبح هستيريا وهي تعاينه في لحظة احتضار يعاتبها على ضربه، بكلمات كانت تخرج بصعوبة من فمه. لم تعد لها حيلة لإنقاذه، غير النحيب فسيارة الإسعاف تأخرت ونسبة الإنقاذ تضاءلت، وقبل أن تصل كانت روحه في أعالي السماء.

بقيت في مكانها شبه جامدة تراقب تدخل عناصر الوقاية المدنية، ولم تفكر من الهروب. ولما حضرت عناصر الأمن، وجدتها في الانتظار. انتظار مصير ما توقعته في حياتها، وعقدا عقوبة أدينت بها وقضتها في زنازين سجون تنقلت بينها وضاقت برودتها وعاشت فيها مسلوبة الحرية التي استعادتها دون أن تستعيد حبا وإنسانا عشقته وقتلت الغيرة في فؤاده بضربة سكين غرزته في صدره في لحظة غضب لم تقدرها عواقب فورته.

آخر الأخبار