سيرة أشهر قائد بالمغرب على لسان جاسوس فرنسي

الكاتب : الجريدة24

27 أبريل 2024 - 02:00
الخط :

أمينة المستاري

غادر الطبيب والجاسوس فاس يوم 3 يوليوز في فيلق متوجه للرباط، وسريتين من القوات المغربية التي أعيد تشكيلها، المتوجهة نحو مكناس وبرشيد. يحكي فريديريك في مذكرات تفاصيل الرحلة والمدن التي مر بها، وإصابة 200 جندي بالملاريا والحمى التيفوئيدية.

في 8 يوليوز حطت الرحلة بالخميسات ثم تيفلت، هناك أقيم المعسكر، ونصب فريديريك خيمته على مقربة من القوات المساعدة المغربية، لم تكن إقامته مسلية خاصة بعد سرق منه جواده وبغاله ...

في 15 يوليو وصل الركب إلى الرباط، وسافر منها الجاسوس إلى الدار البيضاء ومنها استقل باخرة إنجليزية " الجبل الكبير" التي تعرضت لحادث ونفذت المياه إلى داخل السفينة، قبل أن يتم إصلاح العطب وإعادة السفينة للإبحار نحو الدار البيضاء.

في يوم 22 استقل الطبيب سفينة "الفريان" المتوجهة نحو الجنوب، فكانت وجهته آسفي ثم الجديدة لحضور مراسيم وصول الكولونيل مانجان الذي كانت مهمته لتأديب القايد التريع. لكن السفينة تلقت أوامر بعدم التوقف عند أسفي والتوجه نحو الصويرة لملاقاة سفينة "الكوسماو" للتزود بالفحم بعد قصف أكادير وماسة، وما لبتث "الفريان" أن تلقت أمرا بالرسو قبالة أكادير.

رست السفينة في رأس غير، قبل التحاق "الكوسماو" ، ورأى القبطان كوانكليمون أن قصف أكادير لم يؤت أكله، لذلك بقيت السفينة تراقب أكادير في انتظار الأوامر بالإنزال أو المغادرة، فقد كان سوس يخضع للهيبة إضافة إلى وادي نون والصحراء، باستثناء أولاد احماد أموسى وأتباع سيدي أحمد بناصر، كما احتل أكادير وتارودانت قوات يقودها أخ الهيبة، فيما يعسكر هذا الأخير ببيوكرى.

كانت قرية فونتي مهجورة، والقصبة المشرفة على قمة محتلة من طرف مجموعة مسلحة كثيرة. قامت السفينة بالحراسة أمام أكادير يومي 27و28 في وقت كان "الرجال الزرق" المختبئون داخل القصبة يأخذون أماكنهم كلما ظهرت السفينة في تأهب لأي محاول إنزال من طرف الفرنسيين.

عادت سفينة "الكوسماو" التي كانت قد توجهت إلى الصويرة للتزود بالفحم، فيما انطلقت سفينة "الفريان" إلى أسفي.

كانت مهمة الجاسوس الفرنسي التوجه للقاء عيسى بن عمر قائد عبدة لإقناعه بالانخراط في قضية فرنسا ونشر الأمن لدى عبدة وكذا دكالة واحمر وحاحا والشياظمة، وتعاونه العسكري في العملية المشتركة بين قياد الجنوب العظام ضد الهيبة، وكان على فريديريك التشاور مع القنصل الفرنسي في أسفي ومع رئيس طابور الشرطة في التدابير اللازمة لضمان الهدوء في الحوز الذي كان الهيبة يعتزم فرض سيطرته عليه.

وصف فريديريك سي عيسى بن عمر، السبعيني المتحدر من الحجاز، و"السيد العربي العظيم" ، فارس مقدام والمحارب الكبير والصياد الخبير. هو القائد الثالث في أسرته، الذي ناصر السلطان مولاي عبد العزيز وتولى قيادة ربيعة وأولاد عمران والبحاترة واحمر ثم أسفي.

يتذكر الجاسوس كيف تعرف على سي عيسى في آخر حركة لمولاي عبد العزيز، وصار أداة لتأديب القبائل المتمردة وحضي بمكانة مهمة لدى السلطان والصدر الأعظم، وأصبح أهم قائد محلي في المملكة الشريفة. كما اشتهر بكرمه وسخائه، ولم ينحز للمولى عبد الحفيظ إلا بعد تردد، وتم تعيينه في المخزن الجديد وزيرا للشؤون الخارجية واعتبر صديق فرنسا داخل مخزن مولاي عبد الحفيظ، وهو ما تسبب في عزله من وظائف القائد والوزير.

كان عيسى بن عمر يعيش في فاس، وحصل السفير رينو على موافقة السلطان مولاي عبد الحفيظ بإعادة القيادة له على عبدة، وأثناء التمرد قام بحماية الفرنسيين المدنيين وحملهم إلى القنصلية، واستعاد القيادة على احمر وأسفي.

توجه الجاسوس الفرنسي لإتمام مهمته، فتلقاه سي عيسى بن عمر بالترحيب بباب قصبته، ووعده بالرد على طلب فرنسا، وفي اليوم الموالي توجه القائد إلى جناح فريديريك ليؤكد له موافقته على ظمان النظام بعبدة ودكالة لفرض الهدوء، أما أحمر فلا يمكنه أن يضمن مقاتلة القايد محبوب، وفي جنوب تانسيفت فيمكنه أن يؤثر على الكيلولي ، فيما أكد أن أنفلوس لن يقوم إلا بما يروق له، فيما الحاجي اعتبره عدوه اللدود فهو رجل المتوكي.

وعن رأيه في توجه قائد للتشاور مع الكلاوي والكندافي والمتوكي، فأكد أنه لن ينجح رغم أنه هؤلاء سيمنحونه الكلام المعسول لابتزازه بالسلاح والذخيرة، لكنهم لن يقفوا ضد زحف الهيبة الذي سيعبر الأطلس وأمسكرود بمساعدة المتوكي وشقيقه الحاج المودن.

واقترح السي عيسى بن عمر أن الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون اجتياح الحوز هي مباغثة المتوكي بالهجوم، وبذلك سيمكن التعاون مع الكلاوي والكندافي للعمل سوية ضد الهيبة. وأكد استعداده التعاون معهم والمشاركة في الهجوم، مقابل توفره على مستودع للذخيرة بفاس وأن يخافه شخص في قصبته حتى لا يهادمها القايد الحاجي.

أعلم الجاسوس الإقامة العامة بالحديث الذي دار بينه وبين سي عيسى بن عمر، لكن جافاه النوم بسبب التفكير في المغامرة التي سيخوضها فريديريك باعتباره الفرنسي الوحيد من بين الجنود الأهالي.

آخر الأخبار