"سجلت ضد مجهول" …كلمة لطالما أنهت مسارا طويلا من التحقيقات ووضعت ملفات "جرائم" فوق الرفوف، بعد أن اعتبرت استثناء من القاعدة " الجريمة الغير كاملة"، وأسدلت الستار عليها بعد أن أصبحت "جريمة كاملة" مائة في المائة، يتمتع فيها الجاني بحياته وحريته بعد أن تمكن من إخفاء أي دليل قد يقود للكشف عن هويته، فيما تعيش أسر الضحايا حيرة وألما جراء عدم التوصل لقاتل أقربائهم الذي أفلح وأفلت من العقاب، لاسيما ومجموعة من الجرائم مست الأطفال، بعد تعرضهم للاعتداء الجنسي وانتهى بهم المطاف في حفر أو في العراء بعد قتلهم من طرف القاتل لإخفاء جريمته وعدم بوح الضحية باسمه.
أمينة المستاري
خديجة أوعتو...ابنة الرحل الصغيرة.. لم يكن يتجاوز سنها الرابعة،حين اختطفت في 26 نونبر من سنة 2015 بمنطقة أقا نوارك، مشيخة إرحالن تمتتوشت، قيادة ايت هاني، بإقليم تنغير، اخطفت من داخل المغارة التي تقيم بها مع والديها وأختها التي لم تكن تتجاوز السنتين.
خرج الأب في رحلة طويلة لرعي الماشية بالجبال، وبقيت خديجة وشقيقتها الصغيرة بمعية والدتهم، الأم بدورها تضطر للذهاب إلى منابع الماء لجلب ما تروي به الاسرة ظمأها، ومختلف حاجياتها خلال اليوم، تعود بعد ساعات وهي تحمل ماء وحطبا لتدفئ المغارة التي تحتمي طفليتها.
يوم السادس والعشرين من نونبر من تلك السنة المشؤومة، عادت الأم كعادتها منهكة، ونادت غير بعيد من المغارة على ابنتها لكنها لم تستقبلها كما اعتادت، فاصغيرة تشعر بقدوم الأم فتخرج مسرعة لتعرف ماذا جلبت لها تالأم غير الماء والحطب، تفاجأت الأم بغيبة خديجة، فبحثت في أرجاء المكان لكن لم يظهر لها أثر، اعتقدت أنها قد تكون بمحيط المكان ولم تكن بداية تعتقد أنها رحلت دون رجعة، لتنهار وتصاب بحالة نفسية سيئة، وفي محاولة لتعميق محيط البحث اتصلت ببعض أفراد الأسرة، والدوار لينطلق البحث.
استنفر أهل المنطقة شبابهم وشيابهم فتفرق الجميع في كل فج، انتشر الجميع في رحلة بحث مضنية بالجبال المتاخمة للمغارة، بجبال أقا نواري، تاغفيت، وللا عريبة، كما بالمنطقة المتواجدة بين تلمي وآيت هاني، بل كل مكان رجح السكان إمكانية وصول الطفلة إليه، كما تم الاتصال بالدرك الملكي بتينغير، لعله قد يكون أقدر بالتعرف على مكان اختفائها، فقامت عناصره يتمشيط المنطقة لكن دون جدوى، كلما اتسع زمان الاختفاء كلما تدهورت حالة الابوين ومثلت أمام أعينهما أسوء السيناريوهات، انتشر الخبر على المستوى الوطني، وبوسائل التواصل الاجتماعي فتوسع مجال البحث. كانت حالة الأم يرثى لها، أدى لإصابتها بانهيار عصبي.
عانت الأسرة صنوفا من الضغط النفسي، كما توصلت بمكالمات من أشخاص بعثوا الأمل في قلوبها، بكون الفتاة ما تزال حية، وتبين أنهم مجرد نصابين يصطادون في الماء العكر، يحاولون النصب عليها بدعوى أن الطفلة المختفية بحوزتهم. كلما توصلت الأم بخبر يحمل التباشير، إلا وكان بصيص من الأمل يتوقد داخلها، لكن وبعد مدة يتبين أن العملية محاولة للاحتيال.
كان آخرها اتصال شخص في عقده الثاني، متزوج ويتحدر من ضواحي الجديدة ،تواصل مع الأسرة قبل عيد المولد النبوي، ليؤكد أن الفتاة تتواجد برفقته، وطالب بفدية قدرها 10 ملايين، كما قدم أوصافا للفتاة وهي نفسها التي نشرتها قناة الأمازيغية، لاسيما وجود علامة على جبهتها وأن اصابعها ملتصقة ببعضها، فتبين للجميع أن الطفلة اختطفت في غيبة الأم والأب، اختطفت كما يختطف الذئب طريدته.
حدد المتصلون موعدا لتسليم الفتاة مقابل المال، واشترطوا وجود الأب والأم أثناء عملية التسليم، حل الموعد، ولم يحضر المختطفون ليعود الوالدان خائبين إلى بيتهما. تحريات الدرك الملكي بتنغير وتفحصهم للاتصالات الهاتفية الصادرة المجهولين مكنت من إيقاف نصاب، تم التحقيق معه وأدين بهذه التهمة دون أن يتوصل الدرك الملكي بأي دليل يقود إلى التعرف على هوية الخاطفين.
المفاجأة المفجعة كانت ليلة اعتقال النصاب، حيث عثر ساقي الطفلة وسروالها أمام منزل صهر عون سلطة بإرحالن، البعيدة بحوالي 20 كلم عن آيت هاني حيث تقيم أسرة المختفية، بعد شهرين من اختفائها، دفنتها الاسرة بمقبرة "تيمولاي" وغصة في الحلق لعدم عثورها على باقي جسد ابنته. كما كانت الغصة مضاعفة حيث رحلت بنت الرحل بشكل غامض، وقتلت في صمت، وجيئ بها إلى منطقة مأهولة حيث رميت بقاياها، وكل هذا لم يقد الدرك الملكي للتعرف على من قاموا بهذه الجريمة إلى يومنا هذا، فلم يدن في الواقعة سوى النصاب البحث عن الفدية.
أسئلة عديدة طرحها المحققون حول إمكانية اختطاف الطفلة لأغراض كالتسول، لاسيما بعد ظهور ساقيها، أو أن تكون ضحية فقهاء الكنوز لكونها "زوهرية" بحسب إفادة والدتها، أو اختطفت وتعرضت للاغتصاب قبل أن يتم الإجهاز عليها لإخفاء آثار الجريمة . كل الأبحاث التي أجريت بمسرح الجريمة لم تؤدي لأي دليل.
ما زال الغموض إلى يومنا هذا يلف مصير باقي الجسد، فلم يظهر إلى حد الآن، رغم إدانة النصاب ب30 سنة، الذي تشبث فقط بمحاولة نصبه على أسرة الضحية وهو تحت التخدير "مقرقب"، كما أن المحققين لم يتمكنوا من إنتزاعهم اعترافا كاملا باقترافه للجريمة، أو تعيين مكان تواجد باقي أطراف جثة خديجة وظروف تصفيتها، مما يرجح وجود جناة آخرين، نجحوا في طمس آثار جريمتهم، وأن يفلتوا من فعلتهم.