جريمة مؤنثة... غرزت السكين في قلب أحبها

جريمة مؤنثة... غرزت السكين في قلب أحبها

الكاتب : الجريدة24

22 يوليو 2023 - 03:00
الخط :

جريمة مؤنثة... غرزت السكين في قلب أحبها

رضا حمد الله

هي الثالثة في ترتيب أبنائه والأنثى الوحيدة بينهم. منذ ولدت حفها والدها برعاية خاصة حتى أن الذكور كانوا وما زالوا يغارون منها، لأنها أكثر حظا ونيلا لعطف وحنان والدهم. أحسن الثياب وأغلاه تلبسه، ولا يرفض لها طلبا فقط لأنها أنثى بين الذكور. والويل لمن عكر صفو سعادتها من إخوتها. كونها "مدللة أبيها" زاد من غنجها مع مرور الوقت.

أمها نبهته مرارا لهذا الاهتمام الزائد بها، كي لا تغتر ويزداد منسوب غيرة إخوتها. لكنه لم يكن يكترث لنصائحها أو يقلص درجة تعلقه بها. فهي بنظره، الأولى برعايته لأنها أنثى وحيدة يخاف عليها، أما الذكور فله منهم ثلاثة. لم يتوقع أبدا أن تنقلب علاقته بها رأسا على عقب بعدما نما جسدها وبرزت مفاتنه وداهمتها المراهقة بشكل جارف.

كان الأب تاجرا معروفا بالقرية وأحد أعيانها. ولم يكن صعبا عليه توفير كل احتياجاتها والوفاء بطلباتها التي زادت تدريجيا بزيادة سنوات عمرها. لما انتصف العقد الثاني من عمرها، لم تعد تطلب فقط جميل الثياب والألعاب ومصروف الجيب، بل تختار أغلى الهواتف الذكية للتباهي بين قريناتها المحرومات من كل النعم، فدخل عائلاتهن بالكاد يكفي للحاجيات.

تعودت ألا تسمع من فم والدها كلمة لا، فهو يلبي كل طلباتها مهما كلفته. وكلما حصلت على معدل فوق المتوسط، زاد سخاؤه حتى أنه اشترى لها آخر ما في سوق الهواتف الذكية، مكافئة لتفوقها في الدورة الأولى من امتحانات التاسعة إعدادي. سخاؤه غزير لم تقابله أي مراقبة لسلوكها وعلاقاتها الواقعية والافتراضية خاصة أنها في سن المراهقة.

من كثرة ثقته العمياء فيها، لم يصدق ابنه البكر، لما أخبره بضبطها في وضع مشبوه مع شاب يكبرها بعقد. استفسرها فأنكرت وطوى الصفحة وتعامل معها كأنه لم يسمع شيئا. اما هي فتمادت خاصة أن الأب سند لها في كل شيء، حتى في الدفاع عن سمعتها بعدما تكررت أخبار شقيقها حول سلوكها. كان يعتقد أنها فقط الغيرة تحركه كي يقلص اهتمامه بها أكثر منهم. لكن حدثا سيقلب كل الموازين في علاقة الأب بابنته المدللة.

ذات ليلة دخل غرفتها ليطمئن عليها. كان يعتقد أنها تراجع دروسها، فإذا به يكتشف ما لم يخطر بباله. ابنته مع غريب في دردشة حميمية بالصوت والصورة. كانت نصف عارية فوق السرير، وهي تقوم بإيحاءات جنسية. مشهد صدمه قبل أن تنتبه إلى وجوده خلفها. عبثا حاولت إقناعه ببراءتها. لكن ما توفر في هاتفها من صور وفيديوهات خليعة ودردشات حميمية، كذبها.

لم يتمالك أعصابه وصفعها صفعة سمع دويها من غرفة نومه، ومن كل من في المنزل. مسرعة هرعت أمها لمعرفة ما وقع. صدمتها كانت أكبر، وهي تطلع على ما أخفته عنها ذاكرة هاتف ابنتها. لطمت خدها وبكت حسرة، أما الأب فتسمر بجانبها مشدوها يراقب بكاء ابنة دللها وبقت خارج المراقبة في سن أولى فيها مثيلاتها بمراقبتهن وتتبع خطواتهن كي لا ينجرفن وراء كل الإغراءات والملذات.

حرمانها من الهاتف والخروج إلا في توقيت الدراسة، عقوبة لم تدم إلا شهرا ونصف، ليأتي العفو بعد أن أقسمت ألا تعاود الخطأ وبعدما أقنعته الأم بإعطائها فرصة أخيرة ووضعها تحت مجهر المراقبة. وكذلك كان طيلة أسبوعين تغيرت بعدها طريقة معاملته لها وقل فيهما منسوب احترامها لوالدها. أصبحت تواجهه بعبارات حادة كلما عاتبها أو نزع هاتفها أو استفسرها عن وجهتها. إنها لم تعد تحترمه كما كانت.

قلة الاحترام هدم متانة علاقة الأب بابنته. لم يعد كما كان يغدق عليها بالهدايا وحريصا على إحصاء كل أنفاسها، أما هي فزادت تمردا. لم تكن تقبل عتابه ونصائحه وأضحت تواجهه بجرأة غير معهودة وكلمات مستفزة دون أن تنفع توجيهات الأم وتدخلاتها في تذويب جليد التنافر بينها ووالدها. حتى العنف لم ينفعه معها، بل ردت عليه بعبارات أعنف.

- سأقتلك يوما ما

عبارة تكرر سماعه لها كلما عنفها أو أجبرها على ما لا يرضي خاطرها.

في تلك الليلة الرمضانية، كانت الساعة تشير للساعة الثانية وهو موعد للسحور. أمها منهمكة على ترتيب طاولة سحور الأسرة بما لذ وتشتهيه البطون، وهو جالس يتفرج في حلقة معادة لسلسلة فكاهية تبثها قناة وطنية. إخوتها ما زالوا نياما، أما هي فنائمة على ظهرها وقد وضعت رجلا فوق أخرى بطريقة استفزته، وبيدها هاتفها الذي لم يعد يفارقها أو تسمح لأبيها بتفحصه.

- اتركي الهاتف وقومي ساعدي أمك

هكذا أمرها، لكنها لم تكترث لكلامه واكتفت بالنظر إليه بطريقة مستفزة، فكرر الأمر دون أن تتحرك من مكانها. عنادها دفعه للنهوض من مكانه والتوجه إليها محاولا إجبارها على تنفيذ أمره. تظاهرت بالقبول وتوجهت إلى المطبخ. وفيه سمعت أسطوانة العتاب المتكرر من أمها. عاتبتها على استخفافها وقلة احترامها لوالدها. كانت تسمع دون أن تجيب أو تفضح ما يدور في خلدها. كانت تفكر فيما لا أحد منهم توقعه رغم تهديداتها المتكررة بقتله.

في غفلة من والدتها أمسكت بسكين صغير وأخفته في جيب سروالها، وتناولت صحنا جاهزا وتوجهت إلى الصالون بغنج وخطوات متثاقلة. وضعته فوق الطاولة ونظرت لوالدها. كان مطأطأ الرأس، فانتظرته إلى أن رفعه. وبسرعة غرزت السكين في صدره جهة القلب. ضربته ضربة الخائف من ردة فعله وخرجت مسرعة إلى غرفتها.

سمعت الأم صراخه وقصدته. كان منحنيا ممسكا بيده جهة الجرح وهو يصيح:

- قتلتني، قتلتني

استفاق الإخوة وتجمع الجيران وكثر النحيب، أما هي فتحصنت بغرفتها بعدما أحكمت إغلاقها من الداخل. تفرق من بالمنزل لفريقين. فريق من الجيران حاول إقناعها بفتح الباب خوفا من انتحارها قبل كسر قفلها، والثاني حاول تقديم المساعدة للأب لوقف النزيف في انتظار وصول سيارات الإسعاف.

نقل الأب إلى المستشفى في حالة حرجة، وظلت هي متسمرة بغرفتها تحت حراسة عائلية مشددة. أحست بالندم متأخرة بعدما غرزت السكين في قلب من أحبها ودللها. كانت تمني النفس أن يعيش فتعذر له وتعوضه عن ألم جرح غائر في نفسيته قبل جسده. لكن أمنيتها لم تتحقق، لقد مات بعد ساعات قليلة. بكته وبكت حسرة على ما ينتظرها من عقوبة سالبة لحريتها. أودعت في الإصلاحية في انتظار حكم المحكمة، أما العائلة فقد حكمت عليها بالتجاهل وتركتها تواجه مصيرها بعدما أذنبت وارتكبت خطأ لا يغتفر.

آخر الأخبار