رضا حمد الله
درستا في نفس المؤسسات التعليمية ولم تفرقهما مؤقتا إلا مدرجات الجامعة. كانتا تسكنان في شقتين متجاورتين بنفس الحي وتجلسان في نفس الطاولة ولا تفترقان إلا نادرا حتى خالهما الكثير من الناس شقيقتين توأم. كانتا تعيشان اليوميات نفسها في خرجاتهما وصداقتهما كانت مثالية. وحتى بعد زواج إحداهما، كانت الأخرى سندا لها. بل سهرت على إعداد كل صغيرة وكبيرة لحفل زفافها وجهزت لها أحسن هدية.
استمرت علاقتهما وطيدة حتى بعد زواجها وانتقالها للعيش مع زوجها في منزله بزنقة مجاورة. كانت تزورها باستمرار وزوجها يرحب بها، لم يتضايق من زياراتها المتكررة. ومرت الأسابيع وحملت الزوجة، فتغير كل شيء. أصبحت لا تطيق حضورها ولا تتوانى في طردها ونهرها بسبب وبدونه. ورغم ذلك أصرت الصديقة على استمرار صداقتهما. ظنت أن الحمل غير نظرتها إليها. لكن الحقيقة غير ذلك.
كانت علاقتهما متقلبة في فترة الحمل. كم مرة أغلقت الباب في وجهها وطردتها. ومرات تحاشت فتحها والاستجابة لطرقاتها. وفي أخرى كانتا تتصالحان مدة ليطرق الخصام مجددا باب علاقتهما. لم تكن الصديقة تفهم سر هذا التحول في نظرة صديقتها إليها بعدما تزوجت. عبثا حاولت إقناع نفسها بالتقلبات السلوكيات المرافقة للحمل والوحم. علمت من أمها أن الوحم يغير سلوك المرأة وقد تكون عدوانية.
مع مرور الوقت زاد منسوب إهانتها ونفذ صبرها. لم تعد تطيق استفزازها واحتقارها والحط من كرامتها. كانت تحس كما لو كانت خادمة تطلبها حين تحتاجها وتصدها حين تنتهي مصلحتها. لم تزرها مدة فلم تسأل عنها. لكن مع اقتراب وضعها أرسلت إليها أخت زوجها طلبا لزيارتها لمساعدتها. لم ترفض الطلب وجاءت إليها مسرعة. وتدفق الود لعلاقتهما من جديد. ووضعت طفلة جميلة وكانت الصديقة لها سندا في الإعداد لعقيقتها. كانت فرحة بفرح صديقتها. لكن سلوكها سرعان ما تغير من جديد.
تصرف صديقة الطفولة والشباب، لم يرقها كما تكرار نفس الأخطاء. أصبحت تكرهها لأنها لم تعد تطيق احتقارها المتكرر. وفيما كانت الزوجة تعيش حياتها مع زوجها، فرحة بمولودتهما، أضحت صديقتها ناقمة عليها. أصبحت تحسدها على زواجها واستقرارها وإنجابها، في وقت لم يطرق بابها هي عريس. وما زاد من حنقها وكراهيتها، إصرارها على منعها من الاقتراب من رضيعتها أو تقبيلها، كلما عادت الأمور لمجاريها مؤقتا.
زادت الكراهية والحقد وأصبحت تفكر في الانتقام من صديقتها. ولم تفكر إلا في الرضيعة لعلمها بتعلق أمها بها وحبها الجارف لها. وضعت سيناريو اختطاف الطفلة. كان عمرها السنة والنصف وكانت تصادفها تحفو أمام باب المنزل كلما كانت في طريقها للسوق. وخططت لذلك طويلا كي لا تترك هفوة. دققت في مواقيت خروج أمها للتبضع ورصدت منزلها وترصدت لابنتها.
كانت الساعة تشير للعاشرة صباحا لما خرجت الأم متوجهة للسوق النموذجي القريب. وقضت هناك نصف ساعة، لكنها لم تجد ابنتها. سألت كل الجيران ولا أحد دلها أو عرف مصيرها. ولم يبقى لها إلا التوجه للدائرة الأمنية للتبليغ عن اختفاء ابنتها. انطلق البحث عنها وطال ولم يهتدى لحيث توجد. وتأزمت الحالة النفسية لأمها. لم تعد تقوى على الكلام، حتى الدموع تخرج من عينيها عصية. وفي محنتها كانت الصديقة لها سندا. تواسيها وتجفف الدمع من عينيها. لم تكن تدري أنها قاتلة ابنتها.
في ذلك الصباح وبعدما غادرت الأم إلى السوق، ترجلت صديقتها في اتجاه منزلها وشرارة الغضب في عينيها. لقد حان وقت انتقامها. وجدت الطفلة بباب المنزل منتظرة عودة أمها، وحملتها في يديها إلى منزلها. لم ترفض لأنها كانت تعرفها وتعزها. لاعبتها مدة وقبلتها، لكن الذي في فؤادها من حقد سيقتل ادنا تبقى من محبة ورحمة فيه. تناولت منديلا تغطي به شعر رأسها، وخنقتها. ولم تيقنت من وفاتها وضعتها في دولاب غرفتها. وبقيت هناك يومين إلى أن انبعث رائحة كريهة من الدولاب.
طيلة اليومين كانت حريصة على زيارة أمها لمواساتها والاطمئنان عليها ومعرفة جديد تحركاتها. ولم تحللت الجثة، كان لا بد من حل. وفي صباح اليوم الموالي استيقظت باكرا وحملت الجثة وتخلصت منها في زنقة قريبة من سكنى صديقتها، بمكان يتخلص به السكان من أزبال منازلهم. وبعد أقل من ساعتين عثر جار عن الجثة لما كان في طريقه إلى عمله. أخبر السلطات والأمن. وعوينت الجثة وانطلق البحث بعدما أخبرت الأم التي كادت تجن وهي تعاين جثة ابنتها.
انطلق البحث من أقرب المقربين للعائلة. كل الجيران استمع إليهم بمن فيهم الصديقة التي أنكرت علمها بقاتل ابنة صديقتها في الدراسة والحياة. لاحظ ضابط الشرطة ارتباكها وضربت حراسة على منزل أم الهالكة، ولوحظ الوجود المتكرر لصديقتها قربه. تشبتت بالإنكار في فترة الحراسة النظرية، ما جعل الشرطة تستعين بضابطة ونساء وتبدع حيلة للتثبت من تورطها من عدمه.
أدخلن معها للمخفر، ووضعن عيونهن على كل حركاتها وسكناتها. إحداهن استدرجتها للبوح. باحت لها بسر اعتقالها، وكسبت ثقتها في ساعات قليلة ففتحت لها باب البوح، لتحمي بتفصيل كيفية اختطاف ابنة صديقتها وخنقها والتخلص من جثتها. وباعترافها سهلت مأمورية المحققين، قبل إحالتها على النيابة العامة ومتابعتها أمام غرفة الجنايات حيث حوكمت وحكم عليها ب25 سنة سجنا نافذا خفضت استئنافيا ل20 سنة، ما تزال تقضيها في زنزانتها في جناح النساء بالسجن.