جريمة مؤنثة... قتلت زوجها البخيل

الكاتب : الجريدة24

15 أبريل 2023 - 05:00
الخط :

جريمة مؤنثة... قتلت زوجها البخيل

رضا حمد الله

صباح ذاك اليوم من غشت، عثر مواطن على جثة ستيني قرب سوق تجاري ممتاز على مشارف حي شعبي شهرته في الإجرام نار على علم. أخبر المصالح الأمنية فهرعت عناصرها في أقرب دائرة، إلى عين المكان بعد إخبار النيابة العامة الخاصة. كان أول من استمع إليه في البحث. ولم يدلي بما يفيد في فك لغز الوفاة الغامضة، اللهم مما عاينه عليه والوضعية التي وجد عليها.

كانت الجثة ملقاة بمكان خال قرب السوق، ولم تظهر عليها آثار عنف أو جرح. فرضية وفاته إثر أزمة قلبية مرجحة بقوة. قد يكون مريض مرضا مزمنا وباغثه الموت في طريقه. لا أحد توقع قتله طالما أن المعاينة بالعين المجردة، لم تكشف أثرا لذلك، في انتظار نتائج التشريح الطبي. نقلت الجثة لمستودع الأموات وباشر الطبيب الشرعي عمله، وكشف أن الوفاة غير عادية وأن المسن ضحية جريمة قتل.

انطلق البحث من المحيط العائلي للأسرة بعد تشخيص هوية الهالك. واستمع للزوجة وأبنائها، فأنكروا علمهم بقاتله متظاهرين بالحزن والحسرة على فقدانه. دموعهم عرقلت كلامهم بسلاسة وطلاقة. زوجته أكدت أنه مدمن يقضي جل وقته خارج منزلهما ولا يعود إلا متأخرا. ولم تستبعد أن يكون أحد مشاركيه جلسات الخمر، قتله. وفي ذلك تناقضت مع أبنائها أفصحوا عن أنه لم يكن يجالس أحد خلال معاقرته الخمر.

تناقضات كثيرة وقف عليها ضابط الشرطة وهو يعمق البحث مع الزوجة وأبنائها، خاصة في توقيت مغادرته المنزل ومدة غيابه عنه وهوية مجالسيه وما إذا كانت له نزاعات معهم. كل واحد أورد رواية وأجوبة اختلفت عن غيره. تضارب آرائهم جعل الشك يتسرب إليه. استشار مع رئيس مصلحة الشرطة القضائية واتفقا على حيلة قد تكون ناجعة وهي ادعاء اعتراف طرف منهم. الزوجة أو من استدعيت، ووجهت باعتراف مفتعل لأحد أبنائها، فاعترف وحكت تفاصيل ما وقع. ومن اعترافها انتزعت اعترافات باقي المشتبه فيهم.

الخمر سبب رئيسي في تحول علاقة الهالك بزوجته إلى جحيم. كان لا يعود إلا متأخرا ويصرف الكثير على الخمر، مهملا واجبه الأسري. هوسه بالخمر والعشيقات زاد بعد تقاعده، كما السمر خارج جدران منزله. ومقابل إسرافه على الخمر وبائعات الهوى، كان إكثر بخلا في الإنفاق على أسرته. كل ذلك قلب حياة الأسرة رأسا على عقب. وتحول الحب الجارف بينه وزوجته، لنزاعات يومية تنتهي بمغادرته المنزل ليعود إليه ثملا صباحا.

شيء لم تتعود عليه في بداية تعارفهما وزواجهما. قدها وجمالها الفاتن واتزانها وطيبوبتها ونسبها، حفزه على الارتباط بها قبل أن يثمر زواجهما 3 أبناء ذكور. كان كريما في الإنفاق عليهم والإغداق عليهم بالهدايا وجميل الأكل واللباس. لم يتقاعس يوما في القيام بواجباته المنزلية، قبل أن يتقاعد ويرتمي في حضن الخمر والعشيقات. كان ينفق على إدمانه عليهما أكثر مما يمنحه لزوجته مصروفا أسبوعيا لم يعد كافيا للوفاء بكل الحاجيات. لقد أصبح أكثر بخلا في الوفاء بالتزاماته الأسرية.

كان الابن الأكبر معلما في قرية بعيدة عن حيث تقطن أسرته. وتولى مسؤولية مصاريف المنزل. يخصم جزء من راتبه يمنحه لأمه لتدبر أمور البيت. وظل على هذا الحال سنينا متحملا تقاعس الأب. لم يكل ولم يمل للإنفاق بقدر انزعاجه من سلوك والده الذي لم يعد يرضي كل أفراد الأسرة وحتى الجيران الذين يزعجهم بصراخه في آخر الليل وكلما عاد لمنزله يجر خيوط الخيبة على إنفاق ما حاجة الأسرة ماسة إليه.

في ذاك الصباح عاد كعادته ثملا وانزوى في غرفته. كان الابن الأكبر في عطلة، وهناك مع أمه. وفكر في تقديم النصيحة لوالده لعله يسمع نصيحته ويتوب. ولج غرفته وفاتحه في الموضوع وطلب منه بأدب أن يتوقف عن أفعاله الصبيانية. الأب لم يكن مستعدا لسماع النصيحة فبالأحرى العمل بها. لم يبالي بما قاله ابنه البكر وطرده من غرفته، بحجة أن المال ملكه ولا حق لأحد في توجيهه لكيفية صرفه. ولم يكتفي بذلك بل شرع في سب ابنه على تدخله فيما لا يعنيه.

لم يقبل الابن تعنت والده وانقض عليه أمام أعين أمه. أمسك بتلابيبه ووضع يده على عنقه محاولا خنقه. شرارة الغضب كانت متأججة في قلب الأم التي كانت تنتظر هذه الفرصة. الانتقام لنفسها من سنوات عذاب عاشتها معه وحرمت فيها من كل شيء. بدورها خنقت أنفاسه، إلى أن أصبح جثة هامدة بين يديهما. لقد قتلا من أرقهما بسلوكه وإهماله لواجباته الأسرية. جليا قربه وفكرا مليا في طريقة للتخلص من الجثة.

وضعاه في كيس قمح فارغ وانتظرا الليل وقلة الحركة في الشارع، ليحمل الابن الكيس على ظهره بمساعدة أمه وينطلقا لمكان خال قرب السوق الممتاز حيث تخلصا من الجثة بعدما أخرجاها من الكيس الذي تخلصا منه في مكان قريب وعثرت عليه عناصر الشرطة العلمية أثناء تمشيط المكان حيث عثر على الجثة. كانا يظنان أنهما أحسنا التخطيط للإفلات من العقاب، لكن البحث سيفضح كل شيء.

اعترافهما بعد لجوء الضابط لحيلة ذكية، جعلهما متهمين رئيسيين في قتل الضحية، أما الابنين الآخرين فتبين أنهما كانا على علم بما وقع ولم يبلغا عنهما، ليتابعا بدورهما ويدانا ب4 أشهر حبسا نافذا لكل واحد منهما، مقابل 15 سنة سجنا نافذا للأم وابنها البكر، قضيا جزء كبيرا منها مؤديين ضريبة التسرع وعدم ضبط الأعصاب.

آخر الأخبار