بين عزلة الجزائر وتسويق أبواق العسكر لنصر زائف

هشام رماح
المغرب غير عابيء بالجزائر ولا يلقي لها بالا، وتجاهله هذا أشد من وقع الحسام المهند، فهو يجعل أبواق النظام العسكري تخوض فيما يشجر بين البلدين، بمناسبة وبدونها، تريد من وراء ذلك حفظ ماء وجوه الجنرالات العجائز الذين فرضوا سطوتهم وبسطوا سيطرتهم على البلاد واقترفوا قرارات خاطئة بحكم التاريخ الذي لا يحابي ولا يداهن أحدا.
وعادت دكاكين الإعلام الجزائري لتناول القطيعة بين المملكة الشريفة وجارة السوء المفروضة عليها جغرافيا، عبر الترويج لـ"أمل" مغربي في طي الخلاف مع الجزائر ورتق الهوة بينهما، وقد ساقوا للشعب الجزائري أن أوصال المغرب قد شلت بسبب قطع العلاقات الذي قرره النظام العسكري.
وإذ لا ينكر المغرب أنه لا يروم الفرقة مع الحرائر والأحرار من الجزائريين، وهو الذي ظل على مدى سنوات يمد يديه إلى حكام الجزائر لمد جسور الجوار وبناء شراكة بين البلدين، فإن النظام العسكري الذي صد أبوابه أمام المبادرات المغربية، وبعدما ضاق ذرعا بانتكاسات وانعكاسات تعنته راح يسوق لنفسه نصرا زائفا وكأنه من ظفر وفاز في هكذا حال لا يسر عدوا ولا صديقا.
وراحت أبواق جزائرية تصدح بالباطل، وهي تصور المملكة "منعزلة" بعدما قررت الجزائر وقف كل تعاملاتها معها، وهو تصور يعشعش في عقول حكام دولة الـ"كابرانات" فقط، لأن لسان الحال ينطق بغير ما يجول في عقولهم ويجثم على خواطرهم.
وما يجثم على خواطر العسكر أن المملكة الشريفة ماضية لحالها، غير مبالية بمناوراتهم ولا بدسائسهم التي انقلبت عليهم، وهو أمر ملموس واقعي وليس خيالا كما الخيال الذي يهيمون فيه، فمن تأثر بوقف العمل بأنبوب الغاز المغاربي الأوربي، الذي عاد بعد أشهر قليلة فقط للعمل بشكل عكسي انطلاقا من إسبانيا؟ حتما الأحمق فقط من قد تسول له نفسه أن المغرب من حصد تبعات هذا القرار.
ثم من يستشعر عزلة مقيتة قميئة، في محيطه وفيما أبعد عن حدوده؟ بالطبع، ليس المغرب من يذوق مرارة ذلك، بل الجزائر التي يجد نظامها نفسه في حرج وهو يستعد لاحتضان قمة عربية، ويتبنى في نفس الآن شعارات "قومجية"، تذروها الرياح، ووجد نفسه مثل الخفاش منبوذا فلا هو مع الدواب ولا مع الطيور.
وخلع النظام العسكري عنه كل رداء قد يوصف به، وارتضى لنفسه حلة الحربائية في خصومته مع المملكة، إذ يأتي الشيء ونقيضه، فمن عاب على المملكة إحياء علاقاتها مع إسرائيل، وجعل من ذلك سببا لبتر كل ما قد يجمع بينه وبينها، لا يجد حرجا في الارتماء بين أحضان تركيا ومصر وهما بلدان إسلاميان أحدهما عربي يقيم علاقات مع إسرائيل، بما يخلع عن العسكر كل التبريرات التي يسوقونها في هذا الصدد.
أيضا، من وجد نفسه شاردا، في سياق الحركية العالمية للاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي للصحراء المغربية تحت سيادة المملكة؟ فهناك الولايات الأمريكية أقوى بلد في العالم، وهناك الجار القريب إسبانيا وبلدان أخرى ذات وزن رجحت بكفة المغرب في ميزان النزاع المفتعل حول القطعة الحبيبة من تراب المملكة، والذي يذكيه الجنرالات بأموال الشعب وبعائدات خيرات البلاد المرهونة في أياديهم.
وينتحل المغرب والمغاربة قاطبة للنظام الجزائر وأزلامه، كل الأعذار فهم موجوعون من قرارات رعناء اتخذت في بهيم الليل لكن الصبح انبلج عليهم ليجدوا أنفسهم في أوضاع لا يحسدون عليها، فلا هم يستطيعون التراجع ولا هم يجدون لما قد يجعل المياه تمر بينهم والمغرب سبيلا، فقرروا الاستمرار في العناد وتبَّلوا عنادهم بحرب دعائية لن تفيدهم في شيء وهم يحصون الخسائر التي جنوا بها على أنفسهم.