هل تنهار أسعار النفط بلا رجعة هذه المرة؟

الكاتب : وكالات

09 يوليو 2022 - 11:00
الخط :

"أسعار النفط قد تنهار إلى 45 دولاراً"، هكذا حذَّرت مجموعة "سيتي غروب" الأمريكية في ظل تراجع أسعار النفط بوتيرة متسارعة في الأيام الماضية، وسط مخاوف من دخول العالم في ركود قد يؤدي إلى انهيار أسعار النفط بلا رجعةٍ هذه المرة.

وتراجعت أسعار النفط الخام هذا الأسبوع بشكل متسارع، مدفوعة بالمخاوف من ركود عالمي يلوح في الأفق وقد يعبث بالطلب العالمي على هذا المنتج العالمي.

وتحتاج أغلب الدول العربية، وضمنها الدول الخليجية الغنية، إلى أسعار نفطٍ مرتفعة لكي تصل ميزانياتها لنقطة التوازن، فبالنسبة لسلطنة عمان على سبيل المثال يجب أن يبلغ السعر 87 دولاراً لكي تصل لهذه النقطة.

وفي الواقع، لا يمكن لأي منتج عربي للنفط، باستثناء قطر، موازنة حساباته إذا تراجع النفط إلى حدود 40 دولاراً للبرميل، وفقاً لتقديرات عام 2020، وغالباً الميزانيات أعباؤها تتزايد، مما يرفع هذا الحد بشكل كبير حالياً.

وأدى الارتفاع الأخير في أسعار النفط، إلى تخلي كثيرين في الدول العربية المنتجة للنفط عن تشاؤمهم، وبدا لهم أن عصر النفط الرخيص، وما ينتج عنه من أزمات مالية قد ولَّى.

وجاء ذلك بسبب تزامن نشوب الأزمة الأوكرانية مع انتهاء إغلاقات جائحة كورونا، الأمر الذي رفع أسعار النفط بنسبة تبلغ نحو 100% مقارنة بالعام الماضي، فقد ارتفع خام غرب تكساس الأمريكي الوسيط إلى 130.50 دولار للبرميل في مارس/آذار، بينما اقترب خام برنت من 140 دولاراً، وكان أعلى مستوى منذ عام 2008.

ولكن هذا التيار انعكس تماماً مع تزايد المخاوف من حدوث ركود عالمي مع تشديد بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي للسياسة النقدية ورفعه سعر الفائدة على الدولار، إضافة إلى تأثير الارتفاع الكبير في أسعار النفط السلبي على الاستهلاك، وبدا من الواضح أن العالم قد يكون أمام دورة هبوط، قد تؤدي إلى انهيار أسعار النفط مجدداً مثلما حدث خلال جائحة كورونا، وهو انهيار تؤدي عوامل عدة إلى توقعات بأنه قد يكون دائماً، خاصة بعد تزايد التوجهات الغربية للابتعاد عن الوقود الأحفوري.

انخفاض لافت في أسعار النفط رغم استمرار أزمة أوكرانيا

ويتم تداول النفط الخام الأمريكي القياسي بأقل من 100 دولار لأول مرة منذ مايو 2022، فلقد هبطت أسعار النفط أكثر من 6 دولارات، خلال تعاملات الثلاثاء الماضي، إذ غطت المخاوف من ركود اقتصادي عالمي محتمل يقلص الطلب على الخام، على القلق من حدوث تعطل في الإمدادات.

يأتي ذلك وسط تزايد الأدلة على أن الركود العالمي المحتمل يؤدي إلى انخفاض استهلاك النفط، حسبما قال باتريك دي هان، رئيس قسم تحليل النفط في GasBuddy، لصحيفة USA TODAY الأمريكية.

من جهة أخرى، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، حذّرت "سيتي غروب" من أنَّ أسعار النفط قد تنهار إلى 65 دولاراً للبرميل بحلول نهاية هذا العام، وقد تنخفض إلى 45 دولاراً بحلول نهاية عام 2023 إذا حدث ركود معوِّق للطلب.

وأوضح مورس وفرانشيسكو مارتوتشيا، في تقرير لـ"سيتي غروب"، أنَّ هذه التوقُّعات تستند إلى غياب أي تدخل من جانب منتجي "أوبك+"، وتراجع استثمارات النفط.

وكتبت الشركة في مذكرة للعملاء: "في سيناريو الركود مع ارتفاع معدلات البطالة، وإفلاس الأسر والشركات، فإن السلع ستطارد منحنى التكلفة المنخفضة، حيث تنكمش التكاليف وتتحول الهوامش إلى سلبية لدفع تقليص العرض".

وشبهت توقعات "سيتي غروب" الوضع الحالي في سوق الطاقة بأزمات السبعينيات.

العالم معرَّض لركود محتمل

تتناقض هذه التوقعات تماماً مع تكهنات البنوك الأخرى وخبراء السوق مثل محللي مؤسسة "جي بي مورغان تشيس" الأمريكية، الذين قالوا إنَّ الأسعار العالمية قد تصل إلى 380 دولاراً للبرميل، بعد أن دفعت العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا أسعار النفط إلى الارتفاع.

يظل هناك تضارب في تأثير الركود على أسعار النفط، حيث تتوقع الأسواق حدوث ركود عالمي بالفعل، ولكن حتى مع وجود ركود؛ من غير المرجح أن تنخفض الأسعار إلى ما دون 80 إلى 90 دولاراً للبرميل، حسبما قالت أمريتا سين من مؤسسة "إنيرجي أسبكتس" في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" الأمريكي.

ولم تستبعد كريستالينا غورغييفا، مدير صندوق النقد الدولي، حدوث ركود عالميٍّ العام المقبل، في ظل المخاطر الضخمة الحالية، وقالت في مقابلة مع وكالة "رويترز" إن توقعات الاقتصاد العالمي "ساءت كثيراً" منذ أبريل 2022.

وسيخفض الصندوق، خلال الأسابيع المقبلة، توقعاته لنموٍ نسبته 3.6% في الاقتصاد العالمي لثالث مرةٍ هذا العام، بحسب "غورغييفا"، التي استدركت قائلةً إن الاقتصاديين في الصندوق ما زالوا يعدون النسب الجديدة النهائية.

بعض الخبراء يتوقعون عدم تدهور النفط حتى لو حدث ركود

على الرغم من الانخفاض الأخير، يقول بعض الخبراء إن أسعار النفط من المرجح أن تظل مرتفعة.

ففترات الركود ليس لها سجل حافل في قتل الطلب. وقال بارت ميليك، رئيس إستراتيجية السلع في TD Securities، في مذكرةٍ، يوم الثلاثاء الماضي، إن مخزونات المنتجات عند مستويات منخفضة للغاية، مما يشير أيضاً إلى أن إعادة التخزين ستُبقي الطلب قوياً على أسعار النفط الخام.

فلقد تم إحراز تقدُّم ضئيل في حل مشكلات العرض الهيكلية بسوق النفط، مما يعني أنه حتى لو تباطأ نمو الطلب، فستظل الأسعار مدعومة، حسب الشركة.

وقال جيفري كوري، الرئيس العالمي لأبحاث السلع في Goldman Sachs، لشبكة CNBC الأمريكية، الثلاثاء الماضي، إن "الأسواق المالية تحاول تحديد الأسعار في حالة الركود. تخبرك الأسواق المادية بشيء مختلف حقاً".

فعندما يتعلق الأمر بالنفط، فإنه يتم تداوله في أضيق سوق مادي على الإطلاق، حسب كوري الذي يقول: "لدينا مخزونات منخفضة للغاية، توقعات مؤسسة غولدمان هي 140 دولاراً لخام برنت".

تاريخ صناعة السيارات ينذر باحتمال انهيار أسعار النفط

ولكن البعض يرى أن الأزمة الحالية تُظهر مؤشرات كبيرة على حدوث ركود وتراجع في استهلاك الطاقة، قد يؤدي إلى انهيار أسعار النفط .

في بداية الدورة الحالية لصعود النفط في مارس الماضي، لاحظت مؤسسة Bespoke الأمريكية أن النفط الخام ارتفع بما يزيد قليلاً على 20% خلال أسبوع، وهي واحدة من خمس فترات ارتفع فيها النفط الخام أكثر من 20% في أسبوع.

ومن خلال ملاحظة تاريخ دورات صعود وانهيار أسعار النفط، فإن ثلاثاً من الفترات الأربع السابقة التي ارتفعت فيها الأسعار بشكل حاد حدثت خلال فترات الركود، حسب المؤسسة.

يقول نيكولاس كولاس، المؤسس المشارك لبحوث DataTrek، والذي كان يعمل محللاً يغطي قطاع السيارات في وقت مبكر من حياته المهنية، إن شركات السيارات الأمريكية الكبرى لديها قاعدة منذ ثلاثة عقود كانت تستخدمها للتعامل مع صدمات النفط في السبعينيات.

يوضح: "القاعدة الأساسية التي تعلمتها من اقتصاديات صناعة السيارات في التسعينيات هي أنه إذا ارتفعت أسعار النفط بنسبة 100% في فترة عام واحد، فتوقَّع حدوث ركود؛ وهو ما قد يؤدي إلى انهيار أسعار النفط"، حسب ما نقلت عنه شبكة CNBC.

وقبل أكثر من عام، كان النفط الخام 63.81 دولار (4 مارس/آذار 2021) للبرميل. وفي مارس 2022، لامس النفط الخام مستوى 130 دولاراً، أي ارتفع على أساس سنوي بنسبة 100%.

هناك عوامل جديدة قد تجعله انهياراً بلا رجعة

ولكن ما قد يجعل انهيار أسعار النفط هذه المرة بلا رجعة، هو وجود متغيرات وعوامل جديدة عن الأزمات السابقة التي شهدت تدهوراً في أسعار النفط.

فتقليدياً، كان انهيار أسعار النفط أو تراجعها لسنوات، يؤدي إلى نمو اقتصادي، بسبب تخفيف عبء النفط على الاقتصاد، الأمر الذي يؤدي إلى تعافي الاستهلاك، كما تؤدي الأسعار المنخفضة لوقف الاستثمارات في الاستكشافات الجديدة وخروج الحقول ذات تكلفة الاستخراج العالية.

ولكن نحن أمام سيناريو مختلفٍ هذه المرة.

أولاً، نحن أمام احتمالات ركود تضخمي يأتي لأسباب متعددة ليس النفط فقط، منها ارتفاع أسعار مجمل المواد الخام وضمنها الغاز والعديد من المعادن بسبب الخروج المفاجئ من إغلاقات الجائحة، بالتزامن مع الأزمة الأوكرانية، وكذلك زيادة الطلب على بعض الخامات المرتبطة بالصناعات الحديثة، ومشكلات سلاسل التوريد، والتوتر بين الصين والغرب، والسيولة الكبيرة التي تسببت بها سياسات التيسير النقدي التي اتُّبعت خلال الجائحة والتي أدت إلى تضخم غير مسبوق منذ عقود، أدى إلى توجه معاكس لرفع كبير في أسعار الفائدة بالولايات المتحدة وقد تلحق بها أوروبا.

أسعار النفط أصبحت باهظة للأوروبيين ومعتدلة لدى الصين والهند

كما أن سوق النفط مرتبك بشكل كبير، فرغم الارتفاع الكبير في الأسعار بسبب التوتر الغربي الروسي، فإن الروس يبيعون نفطهم بتخفيضات كبيرة في ظل سعيهم لاجتذاب السوق الآسيوي الكبير الذي كان ساحة أساسية للنفط الخليجي خاصةً الصين والهند، ويعني هذا أنه فعلياً تحصل بكين ونيودلهي بسبب الكرم الروسي، على النفط بأسعار أقل من المستهلكين الغربيين، ليس فقط من موسكو بل من دول الخليج أيضاً، لأن السعودية على سبيل المثال تعرض بعضاً من أنواع نفطها بتخفيضات كبيرة في آسيا تحديداً، مقارنةً بسعر بيع خامها الرئيسي، إذ تثير تدفقات النفط الروسي الرخيص منافسة شديدة في آسيا.

قد يتوازن السوق تدريجياً وتختفي هذه الفجوات مع تحويل المنتجين في الشرق الأوسط جزءاً أكبر من نفطهم إلى أوروبا، واستقرار الصين والهند على شراء النفط الروسي الذي تتراجع أسواقه التقليدية في أوروبا.

ولكن هذا قد يؤدي إلى استمرار الضغوط على أسعار النفط، وتزايد المنافسة بين دول الشرق الأوسط وروسيا، خاصة في ظل الضغوط الغربية على دول الخليج لفض تحالفها النفطي مع بوتين عبر تكتل "أوبك بلس".

لو عادت إيران وفنزويلا للسوق، فإن النفط سيتراجع

وإذا تم حل أزمة الملف النووي الإيراني، فسيعني ذلك عودة طهران للسوق كمصدّر رئيسي شرعي، سيخفض أسعار النفط، خاصةً أن لديها كميات كبيرة مخزنة من النفط، إضافة إلى احتياطاتها الضخمة، وهي متعطشة إلى تعويض ما فاتها من سنوات الحصار.

كما أن فنزويلا، صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم، بدأت أمريكا تخفف الحصار المفروض عليها، وسمحت لها بتصدير النفط إلى بعض الدول الأوروبية واستخدامه لتسديد الديون الفنزويلية، وقد يتسارع هذا الاتجاه، وتعود فنزويلا للسوق.

إذا تحققت هذه الاتجاهات أو بعضها، مع تحقق المخاوف من حدوث ركود عالمي، فإن ذلك قد يعني تراجعاً كبيراً قد يؤدي إلى انهيار أسعار النفط، إذا لم يحدث تنسيق بين المنتجين الكبار، مثل روسيا والسعودية وغيرها من دول الخليج وإيران والعراق، وحتى فنزويلا.

حدث صراع لمدة بسيطة بين السعودية وروسيا خلال أزمة جائحة كورونا، أدى إلى انهيار النفط لمدة يوم واحد إلى 37.6 تحت الصفر في يوم الإثنين 20 أبريل/نيسان 2020، في واقعة لم تحدث من قبل.

هل يؤدي تراجع الاستثمارات في التنقيب لارتفاع أسعار النفط؟

يرى المتفائلون بشأن أسعار النفط، أن أحد أسباب تزايد احتمالات بقاء الأسعار مرتفعة هو أن كثيراً من الشركات الغربية الكبرى المنتجة للنفط، بدأت تبتعد عن ضخ استثمارات كبيرة في الحقول الكبيرة المكلفة (لاسيما البحرية)، لأنها تتحسب من التحول للطاقات الجديدة في الغرب، وهو أمر سيقلل من ضخ الإنتاج الإضافي إلى السوق.

وهذا صحيح، ولكن الواقع أن مناطق إنتاج النفط منخفض التكلفة، مازالت كثيرة، وهي تشمل الدول العربية وإيران وروسيا، وفنزويلا، وبصورةٍ أقل آسيا الوسطى، وبعض الدول الإفريقية والآسيوية، وهي المناطق التي تضم معظم احتياطات النفط في العالم.

الأهم أن هناك متغيراً أبعد مدى يضغط على أسعار النفط على المدى البعيد وبشكل مطرد، إنه التوجه نحو الطاقات الجديدة الصديقة للبيئة، لاسيما الاستغناء عن سيارات محركات الاحتراق الداخلي العاملة بالوقود المستخرج من النفط.

ويستهلك العالم 60% من إنتاجه النفطي في أنشطة النقل. وهو في الوقت نفسه المجال الذي تجري فيه أكبر التطورات التقنية، كما أنه من بين قطاعات النقل المختلفة فإن السيارات أكبر مستهلك للنفط، وهي التي تشهد أكبر ثورة تقنية ممثلة في السيارات الكهربائية، التي أصبحت حقيقة واقعة في الغرب.

ولقد قرر البرلمان الأوروبي مؤخراً، أنه سينهي بيع وإنتاج سيارات محركات الاحتراق الداخلي في دول الاتحاد الأوروبي عام 2035، وسبق ذلك قرار من بريطانيا بحظر مبيعات سيارات محركات الاحتراق الداخلي ابتداء من عام 2035 أيضاً، كما التزمت الحكومة البريطانية بإخلاء طرق البلاد من جميع المركبات التي ينبعث منها الغاز بحلول عام 2050.

الصين وأمريكا لم تقررا بعدُ حظر سيارات الوقود

ومع أن مستهلكين كباراً للنفط مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والهند، واليابان، لم يتخذوا خطوات مماثلة ولم يبدوا نية لذلك.

فإن الواقع أن دول الاتحاد الأوروبي تقود دول العالم في هذه التوجهات بشكل كبير، ويمثل الاتحاد الأوروبي قدوة حتى لدول مثل الولايات المتحدة، في هذا الاتجاه رغم تفوق الأخيرة عليه في تكنولوجيا السيارات الكهربائية.

ورغم وجود لوبي نفطي قوي في الولايات المتحدة التي تعتمد العديد من ولاياتها الوسطى والجنوبية على إنتاج النفط، لاسيما النفط الصخري كمصدر للدخل، فإن أمريكا دولة فيدرالية وهناك العديد من الولايات الليبرالية التي تعتبر نفسها رائدة في التوجهات الصديقة للبيئة مثل كاليفورنيا أكبر ولايات البلاد سكاناً واقتصاداً؛ وولاية نيويورك ثالث أكبر الولايات سكاناً وعاصمة البلاد الاقتصادية، ومثل هذه الولايات يمكن أن تتخذ قرارات منفردة بحظر السيارات العاملة بالوقود الأحفوري.

أما الصين، فرغم أنَّ حذرها التقليدي جعلها تتأنى حتى الآن في اتخاذ خطوة مماثلة لأوروبا، فإنه يجب ملاحظة أن بكين تستثمر بقوة في مجال السيارات الكهربائية، ومحطات شحنها، خاصةً أنها أهم مُصنّع في العالم للبطاريات ومواد خامها، مما يجعلها مستفيدة من هذا التحول بشكل كبير. كما تجدر الإشارة إلى أن الصين، أكبر منتج ومستهلك للسيارات بالعالم، أكثر تقدماً في مجال السيارات الكهربائية من مستواها في صناعة السيارات التقليدية التي دخلتها بكين منذ بضعة عقود، ومازالت سمعتها فيها غير جيدة، لذا فإنَّ التحول للسيارات الكهربائية يؤهل بكين لتركب الموجة من أولها وليس في نهايتها، كما حدث مع السيارات العاملة بالوقود.

وبالفعل فإن أسماء الشركات الصينية العاملة في مجال صناعة السيارات الكهربائية قوية، وهي تحظى بمبيعات جيدة في السوق النرويجي الذي هو أعلى سوق في العالم من حيث نسبة السيارات الكهربائية والهجينة ويعتبر السوقَ التجريبية الذي يمكن استشراف مستقبل السيارات الكهربائية من خلاله.

كما أن الصين أكبر مستهلك ومستورد في العالم للوقود الأحفوري، ومن مصلحتها انهيار أسعار النفط ونهاية عصره.

نهاية عصر النفط أقرب للعرب مما يظنون

قد يبدو عام 2035 بعيداً، فما زال أمامنا نحو 13 عاماً للوصول إليه، ولكن الأيام تمر سريعاً، كما أن الواقع أنَّ تراجع استهلاك النفط بشكل حاد لن يحدث في نفس عام حظر مبيعات السيارات العاملة بالوقود بأوروبا في 2035، بل سيسبقه بسنوات.

فأوروبا لن تحظر إنتاج ومبيعات سيارات محركات الاختراق الداخلي فجأة، ولكن قبل هذا العام بسنوات سوف تتراجع مبيعات هذه السيارات بشكل كبير، كما أن تركيز شركات السيارات على تطوير السيارات الكهربائية لتتواكب مع السوق الأوروبي الكبير، سيدفع بهذه التقنية في كل العالم.

أما المراهنة على أن أوروبا لن تستطيع الإيفاء بالموعد، فرهان مشكوك في صحته، فهو قرار جماعي اتُّخذ بعد دراسات ومناقشات كبيرة.

والأهم أن العداء لسيارات محركات الاحتراق الداخلي أصبح مسألة أيديولوجية وعقائدية بقطاعات شعبية في الغرب، الذي لا يواجه سكانه أزمات اقتصادية أو حروباً طاحنة كدول العالم الثالث، ومسألة إنقاذ العالم من الاحتباس الحراري بالنسبة لهم هي الهدف الرئيسي الذي يتوافق أيضاً مع المصالح الاقتصادية لهذه الدول التي تستنزف وارداتُ النفط جزءاً كبيراً من موازينها التجارية، كما أن الاستثمارات في تكنولوجيا السيارات الصديقة للبيئة تمثل فائدة اقتصادية كبيرة لهذه الدول.

بوتين طعن نفسه عبر تسريع التوجهات الرامية للتخلص من النفط

ولقد جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية واستخدام موسكو لسلاح النفط والغاز، الذي شكَّل أكبر تهديد لأوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ليؤكد أهمية الاستغناء عن الوقود الأحفوري لهذه الدول باعتباره مسألة أمن قومي.

بالطبع، لن يتوقف العالم عن استهلاك النفط فجأة، ولكن ذروة استهلاك العالم للنفط تقترب.

فرغم الخلاف بين المعنيِّين حول متى يصل العالم إلى ذروة استهلاكه للنفط، فإن اللافت أن المراجعات للتقديرات تميل إلى تقريب المدى الزمني لهذه اللحظة التاريخية التي سيتراجع فيها الطلب على النفط بسبب التطورات الهائلة الجارية في مجال صناعة السيارات الكهربائية تحديداً.

إذ تتوقع "الوكالة الدولية للطاقة" أن الاستهلاك سيصل إلى مرحلة من الاستقرار بحلول عام 2030، وسط اعتمادٍ متزايد على محركات سيارات أكثر كفاءة، إضافة إلى السيارات الكهربائية.

"أرامكو السعودية" المملوكة للدولة، مستشهدة بأبحاث خارجية من شركة IHS Markit، أقرت أيضاً باحتمالية الوصول إلى ذروة الطلب خلال العقدين القادمين، في بيانها التمهيدي للاكتتاب العام الأوَّلي على جزء من أسهمها عام 2019.

ويعد هذا التوقع أقل تفاؤلاً من معظم تقديرات الشركات النفطية الأخرى.

ولكن آندي هول تاجر النفط الأسطوري، ذهب، في نوفمبر 2019، إلى أن ذروة الطلب قد تأتي بحلول عام 2030.

وهذا تاريخ قريب جداً بالنسبة للدول العربية التي تعتمد جميعها على النفط بشكل مباشر كمصدر للدخل أو بشكل غير مباشر عبر تحويلات العاملين في الدول النفطية أو المساعدات والاستثمارات.

وبينما تتأهب الدول الغربية بقوة للتخلي عن النفط، فإن أياً من الدول العربية لم تبدأ أي استعدادات حقيقية لإيجاد بديل لأموال النفط.

المنطقة العربية تستورد الجزء الأكبر من كل احتياجاتها بدءاً من الغذاء مروراً بالهواتف وصولاً للسيارات والطائرات وحتى الملابس، مما يجعلها معرضة لخطر هائل إذا انهارت أسعار النفط بشكل دائم جراء انخفاض كبير في الطلب ينتج عن توقف الدول المتقدمة عن استهلاك النفط.

ولن تكفي وقتها، مشتريات النفط من قبل الدول الفقيرة التي ستتأخر في إدخال تكنولوجيا السيارات الكهربائية، في الحفاظ على أسعار النفط ولا كمية إنتاجه، فيما لا يزال في باطن الأرض بالعالم العربي ومناطق أخرى كثير من النفط.

وحتى خلال الفترة القصيرة للوصول لمرحلة نهاية عصر الاستهلاك الكبير للنفط التي يمكن القول إنها قد تتراوح بين سبعة إلى 15 عاماً، فإن المنتجين الرئيسين سيحاولون إنتاج أكبر كمية من النفط قبل أن يستغني عنه المستهلكون الكبار.

وبعد أن تسببت الأزمة الروسية في صعود هائل لأسعار النفط، فإنها قد تسرّع التوجهات الرامية إلى التخلي عنه وتفاقم المنافسة المحتملة بين المنتجين الكبار، على هذا السوق الذي يوشك على الأفول.

أمل العرب في خيار ترامب الإيراني.. هل يحظر الغرب تصدير النفط الروسي لكل العالم؟

يبقى هناك سيناريو مختلف جزئياً لسوق النفط، خلال السنوات القليلة القادمة، وهو أن يستطيع المنافسون الكبار لروسيا مثل الدول العربية وإيران وفنزويلا تعويض الإنتاج الروسي، مما يشجع الغرب على فرض عقوبات صارمة على تصدير النفط الروسي حتى للزبائن غير الغربيين مثل العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على النفط الإيراني بعد انسحابه من الاتفاق النووي قبل عدة أعوام، والتي أدت إلى معاقبة أي جهة تستورد نفط طهران، مما أدى إلى انهيار صادرات الأخيرة.

ولكن هذا القرار أصعب في حال اتخاذه ضد موسكو بسبب ضخامة صادراتها، التي تقدر بنحو 5 ملايين برميل، وهو حجم يصعب تعويضه في الظروف الحالية بدون عودة كاملة للإنتاج الإيراني والفنزويلي، واستخدام الطاقة الاحتياطية الكبيرة للسعودية والإمارات برمتها.

غير أن الصعوبة الأكبر أمام هذا القرار، هو الخوف من رد فعل روسي حاد قد يصل للتحرش العسكري بأوروبا، لأن مثل هذا القرار حُكم بالإعدام على الاقتصاد الروسي، مما يعرض أمن نظام بوتين نفسه للخطر.

وقد تعترض الصين أيضاً عليه، ولكن تجربة العقوبات على طهران التي اتخذها ترامب رغم أنف الاتحاد الأوروبي، وبكين، تشير إلى أن الصين قد تنصاع له جزئياً؛ خوفاً من فرض عقوبات أمريكية على شركاتها، خاصة إذا وجدت البديل، وقد تُكرر ما فعلته مع إيران، حيث استمرت في شراء نفطها خلسةً وبكميات قليلة وبأسعار بخسة.

إذا تجرأ الغرب على فرض حظر كامل على تصدير النفط الروسي، ومرَّ الأمر دون أزمة أخطر من الأزمة الأوكرانية، فقد تستفيد الدول العربية لبضع سنوات، من غياب المنافسة الروسية في سوق النفط، وقد تجني بعض الدولارات الزائدة لعلها تُحسن استثمارها تحسباً لليوم الذي ستتخلى فيه الدول الغنية عن محطات الوقود، عندما يصبح زبائن النفط الوحيدون هم دول الجنوب الفقيرة بسياراتها المتهاكلة وبنيتها التحتية الضعيفة غير المؤهلة للسيارات الكهربائية.

ولكنه سيكون سوقاً صغيراً للغاية لن تكفي دولاراته لتمويل ميزانيات الدول العربية المعتمدة على البترودولار.

آخر الأخبار