قلعة أمركو...حديث الأسوار وحكاية حقبة من تاريخ المرابطين

قلعة أمركو...حديث الأسوار وحكاية حقبة من تاريخ المرابطين

الكاتب : الجريدة24

10 يوليو 2022 - 12:00
الخط :

قلعة أمركو...حديث الأسوار وحكاية حقبة من تاريخ المرابطين

أمينة المستاري

عن ذاك الزمن القديم تحكي الآثار، وتكشف شواهدها عن الأسرار التي كانت، وما الكنوز الأثرية التي يتوفر المغرب عليها سوى دليل على الإبداعات الحضارية وذاكرة تتحدث عن فترات ما زال معظمها  مجهولا أو مهمشا، تتطلع لمن يكتشفها ، لتبوح بأسرارها.

جنوب غرب مدينة تاونات، وتحديدا بجماعة مولاي بوشتى الخمار المعروفة بضريحها، المرتبطة به مجموعة من الأساطير والمعجزات، تقع على جبلها "أمركو" البالغ ارتفاعه 683 متر عن سطح البحر، والبعيد عن مدينة فاس ب80كلم شمالا، قلعة أخذت اسمه.

أمركو...هو اسم لنوع من الطيور مشتق من اللغة البربرية، أما القلعة فهي بالنسبة للزائر العادي، بناء عسكري قديم، تشبه القلاع الأوربية المشيدة خلال القرون الوسطى، أما قلعة أمركو بالنسبة للباحثين والمهتمين "عظيمة" تقف شامخة فوق جبل يشرف على حوض ورغة، تعد أكبر بناء صنع من التراب المدكوك والحجر المنحوث، ذات هندسة معمارية إسلامية...ذات أسوار تحكي أسطورة الإنسان عبر الزمان والمكان.

عبر صخور تؤثت مدار المسلك المؤدي للقلعة، وعند الطريق الجبلية المتعرجة والملتوية التي تتخللها مناظر طبيعية خلابة، تصادفك حقول أشجار الزيتون حتى تصل أسفل الجبل، هناك تبدأ مرحلة أخرى تقتضي صعود الجبل مشيا على الأقدام.

القلعة تشكل قيمة تاريخية وسياحية، بفعل موقعها الاستراتيجي، تقف أسوارها شاهدة على حضارة غارقة في القدم، فالسائح الذي يبحث عن التاريخ والآثار سوف يجد ضالته في رحلة سياحية تفوح بعبق التاريخ.

عبر مسلك ضيق غير معبد، تتناثر صخور صغيرة هنا وهناك، كلما اقتربت من القلعة إلا وازداد الاحساس بالمشقة والتعب وضيق التنفس، وزخم من الأسئلة تتبادر إلى الذهن حول حياة الساكنة آنذاك: كيف استطاع سكان القلعة احضار المؤن؟ كيف كانت المساء تعيش هنا لاسيما في طبيعة صعبة بوجود القلعة على هذا الارتفاع؟...

أمركو...حصن المرابطين

عند بلوغ الباب الرئيسي للقلعة، تقف مندهشا من روعة المكان، يخيم السكون ويسود إحساس غريب مشوب بالدهشة للمكان الذي بني على جبل يطل على مياه زرقاء تمتد على مرمى الأبصار" حوض ورغة"، ويتملكك إحساس غريب وتحاول تخيل طريقة حياة أناس عاشوا هناك وتدبروا أمورهم رغم مصاعب التنقل من وإلى القلعة، التي جعلها المرابطون حصنا لمراقبة مدينة "فاس البالي" و"مدينة أكلا" و" مدينة بني تودة" وقبيلة اغمارة المتمردة التي كانت تبسط نفوذها على سلسلة مقدمة جبال الريف المغربية.

القلعة ذات شكل متعدد الأضلاع بشكل مستطيل، تمتد على مساحة 225متر طولا، و62 متر عرضا، يضم سورها الخارجي المبني بالحجارة على اثني عشر برجا دائريا، كما فتحت فيها أربعة أبواب بالشمال الشرقي للقلعة إضافة إلى باب آخر، وفي خط الدفاع الأمامي من ناحية الشمال الشرقي بني برجان يبعدان عن بعضهما البعض بحوالي 40 مترا، يفصلهما سور أمامي بني من حجر وطوب لتدعيم دفاع هذه الجهة ضد أي محاولة للغزو الخارجي.

وتحتوي القصبة على مخازن تحت الأرض، خصصت للمواد الغذائية وتخزين المياه، والأعلاف ، ذخيرة حربية ، وآثار بنايات متهدمة.

أمركو ..عمارة إسلامية

القلعة ذات طابع إسلامي متميز، بمزيج من الجير والآجور ومادة تعرف محليا باسم "تافزة"، مرتبة بإحكام. وتلتصق جدران القلعة بجوانب الجبل لتستفيد من الانحدارات المحيطة بالمنبسط الأعلى، وتحتوي قلعة أمركو على تحصين خارجي، يبلغ سمك سوره ما بين 1,35 و1,45 مترا.

أما الباب الرئيسي للقلعة فقد بني بالآجور الأطرش –غير مجعب-،وهو عبارة عن مدخل متسع يسمح بدخول الخيل، ذو قوس محدب الشكل، لا زال صامدا رغم مرور الزمن على اسم وصفة هذه القلعة الصامدة.

من جهة الشمال الغربي توجد قاعة مستطيلة الشكل، وأخرى مربعة من جهة الجنوب الشرقي، وإلى جانب التحصين الثاني المستطيل الشكل والمعزز ببرجين محاط بساحة داخلية واسعة، في زاويتها الشمالية أقيمت بناية يغلب الظن أنها كانت مسكنا للقائد.

عاش بهذه القلعة حسب بعض المصادر حوالي 4000 إلى 5000 شخصا، هلك جلهم عند دخول الموحدين. وعرفت رواجا تجاريا، حيث كان لها دوران: مراقبة الطريق التجاري الرابط بين مدينتي فاس وتطوان، ودور عسكري وأمني في آن واحد.

أمركو...أسطورة أثرية

شكلت القلعة نقطة اختلاف حول من بناها، فقد ساد الاعتقاد لعهد طويل أن قلعة أمركو من الآثار الرومانية أو البرتغالية نظرا لشكل أبراجها الدائرية وهندستها (les bastions)، إلا أن الدراسات الأركيولوجية التي قام بها بعض المؤرخين الفرنسيين من بينهم L.Provincale و H.terrasse  الذين أثبتا أ بناء القلعة يعود إلى فترة حكم المرابطين في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي، كما جرت أعمال تنقيبية واكتشفت آثار ضمنها آنية فخارية تحمل نقوشات تحمل اسم علي بن يوسف بن تاشفين، إلى جانب أواني فضية سنة 1930و1955 م.

ورغم عدم ورود اسم القلعة في المصادر التي تطرقت لتاريخ المرابطين، إلا أنها لعبت أدوارا طلائعية في الصراعات المرابطية الموحدية ، حيث برزت أول الأمر سنة 536هـ/1141 م ،فقد شكلت عائقا في وجه عبد المومن بن علي وأرغمته على العودة إلى فاس، لكن اعتصام المرابطين في القلعة لم يستمر طويلا، إذ سرعان ما استطاع الجيش الموحدي اقتحام القلعة والسيطرة عليها، وقتل المعتصمون بها إلا عمر بن يينتان الذي نجا من الهلاك اعترافا من الموحدين بجميل أبيه الذي أشار على الأمير علي بن يوسف بالعفو عن المهدي بن تومرت في بداية أمره بمراكش.

وحسب الدكتور العربي اكنينح، أحد المؤرخين والمهتمين بتاريخ المغرب، فقد شكلت القلعة فيما بعد محطة رئيسية للجيوش الفرنسية أثناء الاستعمار الفرنسي للمغرب، حيث كانت برجا للمراقبة ورصد تحركات محمد بن عبد الكريم الخطابي وجيش التحرير بقيائل بني زروال بالضفة الشمالية لنهر ورغة على طول تلال مقدمة الريف.

ستبقى أمركو القلعة شاهدة على ما مضى من المجد والانتصار والصمود ومناشدة لنا نحن الأحياء بعد النسيان وتذكر ما كان وسيظل أثرا شامخا ورمزا من رموز تاريخ المغرب .

آخر الأخبار