عبداللطيف منصور أحد رواد الصحافة المغربية القادم اليها من التاريخ والجغرافية

الكاتب : الجريدة24

10 سبتمبر 2022 - 10:39
الخط :

رحم الله الصحافي عبد اللطيف منصور أحد الأقلام الصحافية المغربية الذي وافته المنية أمس الجمعة، وهو واحد من رواد الصحافة الفرنسية المكتوبة بالمغرب، في الحوار التالي الذي اجري مع الراحل سنة 2013 وتم نشره بأسبوعية الأيام، المسار الكامل لهذا الصحفي الذي رحل عنا في صمت..

 كيف انخرطت في عالم الصحافة؟

تكويني كان في مادة التاريخ والجغرافية، وزاولت مهنة التعليم الثانوي سنة 1971، ثم انخرطت في مدرسة علوم الإعلام بالسلك العالي سنة 1976 .

وفي الواقع مند البداية كانت الصحافة اهتمام أساسي  في حياتي، بحيث كنت كأستاذ أطالع جل الصحف التي تنشر، وكانت هواية مفضلة لدي أؤكد على أنها كانت هواية.

وكنت ازور باستمرار مطبعة لامبريجيما التابعة للاتحاد المغربي للشغل وكانت لدي علاقة صداقة مع المشتغلين في يومية "مغرب انفورماسيو" التابعة للاتحاد المغربي للشغل

من بين هؤلاء من تعرفت عليه في إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، حيث كنت مسؤولا داخل هذا الإطار بكلية الآداب بالرباط خلال سنوات الستينات وبداية السبعينات.

وقد كنت عضوا في الشبيبة الاتحادية وكان هناك زملاء من حزب التحرر والاشتراكية من بينهم حسن بنعدي، وآخرون بدون انتماء  كشكيب العروسي الذي تعرفت عليه بكلية الاداب وجمال الدين الناجي ونور الدين الصايل ومصطفى اليزناسني وزكية داوود وزوجها، وبالرغم من معرفتي بهؤلاء فاني لم اكتب بمغرب "انفورماسيو" وكان لي اتصال بطاقم تحريرها، و كلما كان لي فائض من الوقت أقوم بزيارتهم بالمطبعة.

وعند صدور مجلة الطليعة التابعة للاتحاد المغربي للشغل اشتغلت مع طاقمها سنة 1979 وكانت تصدر  مرة في الأسبوع بالفرنسية إلى حدود 1981 غادرت الجريدة بعد الأحداث الأليمة ل 20 يوينو التي عرفتها الدار البيضاء، وقد استفدت من هذه التجربة لأوسع من مجال كتاباتي بحيث لم أكن مقتصرا فقط على العمل النقابي بل قمت بنشر القصص القصيرة التي لها علاقة بالوضع الاجتماعي والسياسي، وإضراب المستولين شيخ عمره 25 سنة تقريبا 10 قصص قصيرة، ثم انقطعت عن الكتابة الصحفية ولم اعد إليها إلا بعد ظهور ماروك ايبدو سنة 1992 ولازلت اشتغل بها إلى يومنا هذا كانت لي مسؤوليات متتالية في إطار هذه التجربة وكنت أحاول أن أوافق بين عملي الأصلي في المدرسة العليا للأساتذة وبين الكتابة الصحفية.

حدثنا عن تجربتك ضمن صحافة الاتحاد المغربي للشغل؟

جريدة الطليعة ظهرت مند نهاية الخمسينات وكانت بالفعل اسما على مسمى كانت كصحيفة في طليعة النضال النقابي بأبعاده السياسية وكانت مدرسة في الصحافة الملتزمة ومازالت وثائق الأرشيف للاتحاد تحتفظ بهذا التاريخ وكانت تتخذ مواقف واضحة راديكالية بالنسبة للقضايا الاجتماعية بالخصوص، وكانت سنوات ما اصطلح عليه سنوات الرصاص وكانت هناك رقابة تمارس على الصحف.

هل يمكن أن تحدثنا عن نوع الرقابة التي مورست عليكم وكيف كنتم تتعاملون مع تلك الرقابة؟

عشت الرقابة من بعيد ولم اكن اكتب في ماروك "انفورماسيو" وأيضا من خلال  انخراطي في العمل النقابي العمالي، حيث كانت تتعرض الجريدة للمنع والتوقيف وكانت تجربة رائدة في تاريخ الصحافة المغربية وكان لها قراؤها وان كانت تصدر باللغة الفرنسية اندك كان التعليم المغربي مزدوج اللغة وكان القراء يقبلون على المنشورات الفرنكوفونية أفضل بكثير مما هو عليه الحال .

وكانت هناك الرقابة القبلية الإدارية المعلنة وتم إلغاؤها وتعويضها بالرقابة البعدية هذه الرقابة عانت منها عدة عناوين منها "ماروك ايبدو" لمرتين تم حجزها، ثم تحول الأمر إلى رقابة ذاتية.

ما هي دواعي الحجز؟

عدد من "ماروك ايبدو" يتعلق بلقاء مع الأمير مولاي هشام الذي زارنا بمقر الجريدة والعدد الثاني وقع فيه خلط بين صورة وتعليق.

تجربة ماروك أيبدو تعد أول جريدة خاصة مستقلة خارجة عن الإطار الحزبي والإطار المؤسساتي للدولة، ظهرت في نفس الأسبوع مع ليكونوميست التي كانت هي الأخرى أسبوعية وكانت تجربة غنية بحيث انه لم يكن هناك إلا الجرائد الحزبية ولا أريد ان تفوتني الفرصة انه شيء مشهود به في تاريخ الصحافة ان الجرائد الحزبية خاضت نضالات مريرة من أجل حرية الصحافة وهي التي مهدت الطريق وكانت هناك عمليات حجز متكررة وكانت اعتقالات في صفوف الصحافيين والمسؤولين من بينهم اليوسفي واليازغي .

فظهور الصحافة الخاصة لم يكن موجها ضد الجرائد الحزبية بل من أجل توسيع رقعة التواجد الصحفي بالمغرب لذلك هي صحافة جديدة بكل مالها وعليها. وكانت الجرائد الحزبية مدرسة في الالتزام السياسي بينما الجرائد الخاصة شكلت مدرسة لمزاولة مهنة الصحافة  بحيث أنها هي التي ساهمت في مزاولة المهنة بشكل احترافي  لها ضوابطها وتقنياتها في كل مراحل الإنتاج الصحفي مند الكتابة إلى التركيب والتوزيع.

بالنسبة للذين كان لهم اهتمام مند السبعينات لعلهم صاحبوا تطور الصحافة مند ذلك الوقت حيث عملية الطباعة تتم بشكل تقليدي وتعتمد على صفائح اللدون والرصاص، وهي التقنيات الأولى للطبع التي رافقت الثورة الصناعية باروبا، واستمرت هذه التقنية إلى السبعينات والثمانيات بحيث أن جريدة لوموند الفرنسية ظلت تحافظ على هذا التقليد من الطبع وبعدها ستعم الطريقة الحديثة في الطبع. التي تعتمد على المعلوميات.

كيف كنتم تتصرفون عندما تقع أخطاء مطبعية في لوحات الطباعة؟

كان الخطأ الذي يخشاه كل صحفي ويعتبره قاتلا هو عندما يقع خلط في لوحة التركيب عندما توضع عليه ما كنا نسميه "بالماستيك" اي عندما لا يتم وضع اللوح في موقعه المحدد حيث ينجم عن هذا الأمر بعثرة صفيحة الطباعة مما يحدث خللا على النص المكتوب.

فيما يتعلق بماروك ايبدو كيف عشت هذه التجربة؟

مؤسس التجربة هو صحفي مهني محمد السلهامي ليس متطاولا على المهنة وينتمي اليها حيث درس في مدرسة الصحافة بباريس وعمل في راديو فرانس انترناسيونال وجريدة ليكيب الرياضية وكان التعامل معه تعاملا مهنيا، وقد ساهمت هذه التجربة في تكوين العديد من الصحافيين من بينهم الذين تلقوا تكوينهم بمعهد الصحافة بالرباط او ممن التحقوا بالصحافة من مواقع مهنية اخرى ومن التعليم بالخصوص، وبالتعليم العالي بشكل أدق كاساتذة الاقتصاد والعلوم السياسية والآداب الفرنسية، ماروك ايبدو بحكم اقدميتها ساهمت في تكوين العديد من الصحافيين كان لهم اسما بارزا مثل خليل الهاشمي الادريسي المدير العام الحالي لوكالة المغرب العربي للانباء عمل عدة سنوات بماروك ايبدو، قبل ان يؤسس جريدة اوجوردوي لوماروك، وعبدالله شنكو الذي سيؤسس اسبوعية كنال ديشني وايضا هناك اسم اخر هو يوسف شميرو اسس جريدة زمان التي تهتم بالتاريخ وهي جريدة شهرية. وأسماء أخرى. اصبح لها موقعها في الصحافة المغربية

هل تستحضر لحظات جمعتك ببعض الشخصيات الإعلامية التي جايلتها؟

حسن بنعدي كان مسؤولا قياديا بالاتحاد المغربي للشغل وكان مهتما بالصحافة،  وأيضا نور الدين الصايل عرفتهما عن طريق النضال الطلابي،وان كان من جيل اسبق وقد التقيت هذا الاخير ضمن الوفد الصحافي الذي رافق الملك محمد السادس الى الولايات المتحدة وجلسنا مطولا.

من كان يتكفل بترتيب سفرياتكم الى الخارج لمرافقة الملك؟

كان شكيب العروسي هو الذي يسهل الإجراءات بصفته مدير الإعلام بوزارة الاتصال كانت له دراية مهمة ومهنية وقريب من الصحافيين، وله معرفة شخصية بالصحافيين القدامى منهم والجدد ويسهل العمل أثناء الرحلة الصحافية، بحيث ان وجوده مهم جدا وتواصله مستمر مع الجميع، بالنسبة للوزارة الأولى كان اليوسفي يلح على وجود صحفيين خلال تنقلاته الكبرى خارج ارض الوطن مثل سفره للصين والهند وباكستنان وهي أسفار كانت بعيدة جغرافيا وكانت لها قيمتها السياسية والرمزية والاقتصادية بحيث كان يحرص على وجود وفد صحفي  مرافق بالنسبة لإدريس جطو كان يحرص على عقد لقاءات خاصة مع الصحافيين بمقر إقامته بالرباط بصفة دورية ويكون هناك نقاش يدوم عدة ساعات إلى منتصف الليل.

هل يمكن أن تطلعنا عن تفاصيل رحلتكم مع اليوسفي إلى الصين؟

دامت الرحلة مدة طويلة ذهابا استغرقت 17 ساعة وعند الإياب دامت 23 ساعة لماذا هذا الفرق لما سألنا كان رد طاقم الطائرة ان الخط الذي يمنح لسفر رسمي ما يكون حسب نوعية الشخصية المهمة في الطائرة لما كنا في رحلة الذهاب كان رفقتنا اليوسفي أعطونا خطا قصيرا نوعا ما لكن عند الرجوع لم يرافقنا اليوسفي  بل انه توجه إلى باريس. فأعطونا خطا أطول.

وخلال هذه الرحلة اجتمع معنا اليوسفي وسألناه مطولا في لقاء مفتوح، حول جوهر هذا السفر بغض النظر عن الأمور الاقتصادية المعروفة مثل التبادل الاقتصادي، وكانت هذه الرحلة أول مكسب للمغرب بعد عقد اتفاقيات مع الصين من اجل مشاريع تتعلق بتحلية مياه البحر عن طريق الطاقة النووية.

وعندما عدنا من هذا السفر نشرنا أعمالا صحفية مختلفة بخصوص ما راج في الطائرة مع عبد الرحمان اليوسفي الذي قام بمصافحة كافة المرافقين بمجرد ما صعد لطائرة كما كان اتصال مع الوفد الحكومي ورجال الاعمال المرافقين، من الأمور اللافتة في هذه الرحلة هو الحرص على احترام الوقت من قبل اليوسفي ، وكما كانت له علاقة طيبة مع الصحافيين بحكم انه كان مسؤولا عن الصحافة الاتحادية وكونه عانى شخصيا من تصرفات الإدارة اتجاه الصحافيين. وعلى العموم فقد كانت هذه التجربة غنيا من حيث قرب الصحافي من أصحاب القرار،

كيف واكبتم صدور تجارب أخرى من الصحافة المستقلة؟

في بداية الالفية الثالثة وقع توسيع مجال حرية الصحافة وهذا واقع لا يمكن انكاره كما توسيع مجالات التعبير والتنظيم حيث اتسع مجالهم وهو مزال قابلا للتوسع اكثر، بحيث خرجنا تدريجيا من سنوات الرصاص واستغرقت هذه الفترة الانتقالية، ست سنوات بدءا من العفو الشامل عن المعتقلين السياسيين الى تاسيس هيئة الانصاف والمصالحة، وحدث تطور في اتجاه اتساع رقعة حرية الصحافة تدريجيا.

ما هي ابرز المحطات التي جمعتك ببعض الشخصيات العمومية؟

في تجربة صحافة الاتحاد المغربي للشغل من خلال جريدة الطليعة ان لنا اتصال يومي بالمحجوب بنصديق أمين عام النقابة واحد المؤسسين الرئيسين للحركة النقابية بالمغرب بحكم أن الاتحاد المغربي للشغل، كان يشخص الواجهة النقابية في الحركة الوطنية.

وكان كل يوم جمعة حيث موعد طبع عدد الطليعة، يحضر لمطبعة لامبريجيما حيث يتصفح العدد قبل طبعه ويحدد لنا أولويات المقالات وكدا ترتيبها على مستوى الصفحات بحسب الأهمية، كما كان يساهم في اقتراح بعض العناوين وتعديلها عند الحاجة. وكان يتمتع هو الآخر بحس صحفي.

والى جانب بنصديق كانت هناك قيادات أخرى تحضر هي الأخرى لمواكبة عملية الطبع من بينهم عبد الرحمان السعيدي، وشكيب العروس والناجي ومرة جاء عندنا توفيق ابن إدريس البصري عندما كان والده مزال في الوزارة، حيث اشتكى مرة مما اكتبه عن والده فأجبته أني لا انتقد والدك ولكن النظام الذي يتبعه والدك.

هل يمكن ان تطلعنا عن خلفيات الدعاوى القضائية التي رفعها ضدك إدريس البصري؟

في تجربة ماروك ايبدو قام الراحل إدريس البصري برفع 3 داوي قضائية ضدي بباريس، علما أني لم اكتب ضده أكثر مما ما تم نشره في صحف أخرى ومن بينها تحقيق تم نشره بأسبوعية "الأيام" ورغم أن المقال السياسي الذي تناولته في ماروك أيبدو لم يخرج عن ما تم نشره وقد راسلت القاضية التي بتت في القضية عن خلفيات عدم تحريك المتابعة في المغرب علما أنني لا أتوفر على الجنسية الفرنسية وأخبرتها أنني اكتب في جريدة تنشر بالمغرب وتطبع في المغرب وتوزع بالمغرب وأنا لدي جنسية واحدة لا غير وما علاقتي إذن بالقضاء الفرنسي، وعند الحكم صدر الحكم لصالحي

بعد أزيد من 34 سنة وأنت في مهنة المتاعب ما هي الخلاصات التي انتهيت إليها؟

يقولون عن الصحافة أنها عمل شاق مرهق مهنة المتاعب ورغم ذلك فهي مهمة في تكوين الشخصية الفكرية واغناء الثقافة الفردية، نافدة تطل على المجتمع من الداخل وتساهم في انعكاس ما يدور من قضايا متنوعة، العمل الصحافي لا يضمن لصاحبه اغتناء مادي لكن يضمن له اغتناء ثقافي فكري نفسي، والصحافة المغربية أصبحت لها مكانتها داخل المؤسسات الرئيسية للدولة حيث انه لا يمكن تصور أي حديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بدون الحديث عن حرية الصحافة، لا يمكن تجاوزها او إغفالها من معادلة الديمقراطية، وبانعدامها تنعدم الديمقراطية فهي مكون أساسي من مكونات دولة الحق والقانون.

آخر الأخبار