سفير فرنسي في الجزائر: الجزائر تنهار ونظامها العسكري وحشي يفرض الجحيم على الجزائريين

هشام رماح
"الجزائر تنهار"، هكذا قال "غزافيي دريانكور"، السفير الفرنسي السابق في الجزائر، وهي شهادة تحرى فيها الأمانة والموضوعية في تفصيل واقع بلد يخنقه العسكر، لكنه قبل كل شيء قال الحقيقة في مقال نقدي نشر على صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية.
عادت حليمة لعادتها القديمة
السفير الفرنسي السابق في الجزائر، كتب مقالا على "لوفيغارو" عنونه بما يلي "الجزائر تنهار.. هل ستجرّ فرنسا معها؟"، وهو مقال استعرض من خلاله أبرز ملامح الفترة التي قضاها عبد المجيد تبون، على رأس الجزائر بعدما حط على قصر "المرادية" بمظلة عسكرية، بعد سنوات من حكم سلفه عبد العزيز بوتفليقة.
"غزافيي دريانكور"، كان سفيراً لدى الجزائر خلال فترتين أولهما بين عامي 2008 و2012، ثم بين 2017 و2020، وهو أحد الضالعين واقع الجارة الشرقية للمغرب، وقد قال إنه وبعدما انتعشت الآمال في تغير الأوضاع بالجزائر، بعد الحراك الشعبي الذي عم الجزائر، سرعان ما عادت الأمور إلى حالها.
وحسب الدبلوماسي الفرنسي فإن الجميع استبشر تعاملا مختلفا من النظام العسكري مع شعب الجزائر، في 2020، بعد مخاض الحراك الشعبي، لكن سرعان ما أظهر النظام الجزائري وجهه الحقيقي، وضرب بالآمال عرض الحائط، حينما كشر عن أنيابه وأبان أنه نظام عسكري وحشي وغير مبال البتة، ومدرّب على أساليب الاتحاد السوفييتي السابق.
وقال السفير الفرنسي السابق، إن "الواقع الجزائري ليس كما يصور للجميع، لقد سقط نظام بوتفليقة الفاسد في عام 2019، وبعد الاضطرابات، كما في أي ثورة، فإن الجزائر الناتجة عن الحراك الشعبي، ستكون كما قيل لنا عنوانا للتقدم، والاستقرار والديمقراطية"، لكن سرعان ما استدرك "غزافيي دريانكور"، "جميع المراقبين الموضوعيين يلاحظون أنه منذ عام 2020، ربما بعد أسابيع قليلة من الأمل، أظهر النظام الجزائري وجهه الحقيقي: نظام عسكري، مدرّب على أساليب الاتحاد السوفييتي السابق، وحشي، بواجهة مدنية فاسدة مثل سابقتها التي أسقطها الحراك، مهووسة بالحفاظ على امتيازاتها، وريعها، وغير مبالية بمحنة الشعب الجزائري".
سجون تعج بمن يفتح فمه ضد "النظام"
"غزافيي دريانكور"، أفاد بأن سجون النظام العسكري، تعج برموز من ساندوا النسخة السابقة منه، وقد اختلفوا بين سياسيين وعسكريين أكلتهم آلة تصفية الحسابات التي لا تبقي ولا تذر ويدورها الـ"كابرانات" الذين احتلوا المشهد في النسخة الجديدة، أيضا هناك صحفيون معتقلون لأنهم انتقدوا النظام الحالي أو تحفظوا على سياساته، فكان أن استغل الجيش جائحة "كوفيد-19" ليأتي على الأخضر واليابس، في حملة تطهيرية أتمها باستغلال الوضع الدولي الناجم عن الاجتياح الروسي لأوكرانيا.
ووفق السفير الفرنسي فقد كاعتقل صحفيون وكممت أفواه آخرين من جلدتهم وجرى التضييق على آخرين بحرمانهم من جوازات الفسر، كما تم إغلاق صحف عديدة مثل "Liberté" ووضعت أخرى تحت الوصاية مثل "الوطن"، وجاء الدور على إذاعة "M" التي اعتقل مديرها إحسان القاضي، فموقع "Algérie Part"، بعد تفصيل تهمة على المقاس تتمثل في تلقي أموال من الخارج لنشر أخبار كاذبة من أجل زعزعة استقرار البلاد"، فضلا عن حل جمعيات مثل "كاريتاس" التي أسستها الكنيسة الكاثوليكية قبل عام 1962.
ووفق السفير الفرنسي الذي خبر طويلا شؤون الجزائر وكيف يديرها النظام العسكري، فإن فرنسا تصرف النظر عما يجري في مستعمرتها السابقة، وهو أمر يتم عن قصد أو انتهازية وعمى، إذ تتظاهر السلطة الحاكمة في فرنسا بأن السلطة الجزائرية شرعية، وإن لم تكن ديمقراطية، وأن الخطاب المعادي للفرنسيين شر ضروري ولكنه عابر، وأن الديمقراطية هي تدريب يستغرق وقتًا.
ووصف "غزافيي دريانكور"، تغاضي فرنسا عما يقترفه النظام الجزائر بأنه "خطأ تاريخي" لأن الاعتقاد بأن الرضوخ للجزائر في ما يتعلق بملفات كالذاكرة والتأشيرات، سيجعل فرنسا تظفر بنقاط دبلوماسية، وقد يجعل الجزائر تعتقد أكثر في المزيد من التعاون، ليس غير وهم وأكذوبة.
الهروب من جحيم الجزائر
قال السفير الفرنسي السابق في الجزائر إن ما يميز الوضع فيها أن أداء النظام فيها سيء بشكل يفوق ما يجول في أذهان المراقبين والصحفيين الاستثنائيين ممن ينظرون إلى الأمور بالحصافة المطلوبة، محيلا على أن 45 مليون جزائري، يتملكهم هاجس وحيد وهو الهروب من جحيم الجزائر.
وحسب "غزافيي دريانكور"، فإن وجهة الهروب من جحيم الـ"كابرانات" تتمثل في فرنسا، إذ أن مبلغ همهم بلوغ فرنسا والبقاء فيها، بعيدا عن الواقع القاتم الذي تعيشه البلاد تحت حكم النظام العسكري القائم، محيلا على أن الخيارات الكارثية لعام 1962 والأزمة الاقتصادية والفساد الناجم عن العيش على ريع الغاز وإحباط عزيمة نخب المدن الكبرى في الشمال، وسكان الريف وعمق الجزائر، هي أمور على أنه في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، من المؤكد أن فرنسا ستشهد هجرة جماعية من الجزائريين، وحينها لن يبقى سوى عدد قليل من الجزائريين في الجزائر.