"إيض ن يناير"... عادات غذائية وطقوس احتفالية بحمولة تراثية وثقافية

الكاتب : الجريدة24

16 يناير 2023 - 03:00
الخط :

أمينة المستاري

تختلف طريقة احتفال ساكنة شمال المغرب ووسطه وجنوبه ب" إيض ن يناير"، فلكل منطقة مميزاتها وتسميتها الخاصة للمناسبة التي ترتبط بالتغيرات المناخية، وتمارس الأسر طقوسا وشعائر ذات حمولة ثقافية، وتعد أطباقا متنوعة احتفاء بما تجود به الأرض، وتشكل الهوية المغربية.

إيخف أوسكاس... بإيض ن يناير

من أبرز طقوس الاحتفال بسوس إعداد أطباق متنوعة على رأسها "تاكلا"، وهو طعام طقوسي احتفالي بمناسبة دخول السنة الفلاحية أو ما يعرف محليا " ايخف أوسكاس" أو " إيض إيناير" أي ليلة فاتح يناير، تعده كل أسرة، كما تختار بعض الأسر إعداد "أوركيمن" المكونة من 7 أنواع من الحبوب حصيلة السنة الفلاحية من الحمص والشعير والعدس...وتجتمع الأسر حول عصيدة كبيرة "كصعة" خاصة بالبوادي على أنغام أحواش، وتحرص الفتيات والنساء على ارتداء لباس تقليدي مزخرف وبعض الحلي من الفضة.

وتتميز"تاكلا" بسهولة إعدادها، وتتكون من دقيق الذرة أو الشعير، يوضع في الوسط إناء صغير "تيمكليت"يملأ بزيت أركان أو السمن المذاب، وتأكل باليد وتغمس في الإناء الصغير وتؤكل أو توضع كمية من العصيدة في الطبق ويضاف إليها اللبن وتخلط بمعالق خشبية.

لا يقتصر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية على الأكل فقط، بل يكون مصحوبا بعادات وتقاليد ثقافية قديمة، من بينها إختيار صاحب الحظ السعيد، الذي يجد أثناء أكل طبق " تاكلا"  نواة التمر"أغرمي"  المدسوس في الطبق المعد بهذه المناسبة، ويكون أول عجل يولد بعد ذلك من نصيبه.

وترافق العادات الغذائية بمناطق سوس رقصات الأحواش التي تتحلق فيها النساء والرجال، وتقديم لوحات فنية وأهازيج تعبر عن أمل الفلاح من موسم فلاحي جيد، ومواضيع أخرى اشتهر بها شعراء وروايس المنطقة، وتتبادل الأسر الزيارات فيما بينها للاحتفال...وتحرص ساكنة سوس على التقيد باللباس التقليدي، حيث تتزين الفتيات بحلي وألبسة وأحذية تقليدية سوسية، فيما يحرص الرجال على ارتداء اللباس الرجالي المميز لكل منطقة.

واعتادت الجمعيات بسوس على تنظيم الاحتفالات، إلا أن المختلف هذه السنة، أن مجموعة من الجماعات بسوس تنظيم احتفالات رأس السنة بشكل آخر، فبتيزنيت نظمت الجماعة مبادرة " تيفلوين"، ربطت بين المدينة القديمة و " تاركا " كرئة للمدينة ، و ذلك لإبراز المعالم التراثية المختلفة و مقومات المدينة . احتفالات تسلط الضوء على التنوع الموروث الثقافي الأمازيغي المحلي ، وما تزخر به من حمولة رمزية و تراثية و ثقافية ودينية واجتماعي، والتي تساهم في ابراز الذاكرة التاريخية والثقافية لتيزنيت.

الاحتفالات عرفت تقديم أشهر الأكلات بتيزنيت ونواحيه، وأبانت مجموعة من النساء عن مهارتهن في الطبخ خاصة الأكلات التقليدية القديمة التي كادت تختفي من الموائد اليومية وفي المناسبات.

الحاكوز

بمنطقة الريف وبمجموعة من مناطق جبالة، تنتشر عند ساكنتها طقس احتفالي يطلق عليه "الحاكوز" أو "أناير"، حيث تعد النساء أطباقا منها التقليدية كالدشيشة المصنوعة من الشعير المدقوق، تطبخ بالماء والملح ويصب أهل الشمال عليها زيت الزيتون، فيما يضيف إليها أهل سوس الأركان والأملو ويطلقون عليها اسما آخر "تاكلا"، كما يحضرون الكسكس الذي يمتنع أهل مناطق الشمال كقبائل بني زروال وتطوان لاعتقادهم أن قفل الكسكاس شم وتفاديا لإغلاق أبواب الرزق على الناس في السنة الجديدة، فالكسكاس علامة شم يقوم يتفادونها.

وتعد النساء في الريف أطباق ك"ثموياز" المعدة من القمح المنقى والمرطب بالماء والمجروش بالمدق يتم قليه في فخار ، و" حرطيطا" أو البغرير المصنوع من القمح الصلب،  والخبز المطبوخ في مقلاة الفخار والمزين بالزبيب واللوز والجوز، السفنج المحشو أو العادي

وتضع سيدة البيت قفة تسمى "طبق العكوز" التي تضم الفواكه الجافة، الزبيب والتين، واللوز، الرمان والجوز.. يتحلق حولها أهل المنزل، ويوزع علىهم، ثم تأخذ ربة البيت من كل واحد حصة قليلة وتقول "هادي حق الحاكوز أو العكوز"، ويؤكد الأب والأم على الأطفال بأكل الدشيشة حتى لا تزورهم "العكوز" أو "الغولة" بتعبير الأطفال، في فراشهم وتشق بطن كل من لا يأكل وتضع فيه التبن ثم تخيطه. وعند استيقاظه فأول ما يقوم به الطفل تحسس بطه ويجب علامة سوداء تدل على أن العكوز زارته، وطبعا العلامة من توقيع الأم. ويسود الاعتقاد لدى الأسر أن الأطفال إذا أكلوا الدشيشة جيدا لن يحسوا بالجوع طيلة السنة.

وحسب المعتقدات، يجب على رب الأسرة أن يأخذ 3 لقيمات من الدشيشة ولصقها بعارضة الباب الكبير دليل على أمله في أن تكون الشهور الثلاثة القادمة على المطر وسنة فلاحية جيدة. فيما تقوم ربة الأسرة بإعداد عجين الخبز للصباح وترطيب الحمص . ويحصر شبان الدواوير على تنظيم حفل "أباينو" وإضفاء روح المرح على ليلة "الحاكوز" وملئ طبقهم بما تجود به ربات البيوت عليهم في جولتهم الليلية وتعبيرهم عن رضاهم عن سنة قادمة والخير القادم.

طقوس "إيض ن يناير" أو "أناير" متميزة، تستمد جذورها من التراث الديني القديم حول إحياء خصوبة الأرض على رأس كل سنة، حسب تعبير الأستاذ أحمد الوارث في إحدى كتاباته، ويخلص إلى أن "أناير" عيد كغيره من الأعياد الفلاحية، وهي شعائر قربانية استعدادا لموسم زراعي جديد، وفرصة يتقرب فيها الفلاح من السماء وتجديد الموعد مع الأمل، وطقوس بقيت حاضرة عند الفلاح المغربي رغم تبدل العقليات والأحوال.

آخر الأخبار