في ظل الوضع الاجتماعي الصعب.. نصائح زعيم "الوردة" لأخنوش

** يعيش الاقتصاد المغربي على إيقاع الانتعاش المتواضع للاقتصاد العالمي، وتبعات الخروج من أزمة كورونا وما راكمته من خسائر جسيمة على مختلف القطاعات الاقتصادية الوطنية، تتطلب سنوات طويلة للتعافي، بالإضافة إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنها من اختلالات كبيرة في سلاسل الإنتاج والتوريد العالمية، والارتفاع الصاروخي لأسعار الطاقة والمواد الغذائية ووصول معدل التضخم إلى مستويات قياسية لم يسبق أن شهدها العالم، حيث تجاوزت هذه النسبة في المغرب 6.6% في نهاية 2022.
كما يواجه المغرب صدمات داخلية متعددة، على رأسها الجفاف، وندرة المياه، وضعف الإنتاج الوطني من الحبوب الذي لم يتجاوز في سنة 2022 3.4% مليون طن بانخفاض قدره 67%، وتأثير ذلك على نمو الناتج الداخلي الخام، بالإضافة إلى استمرار عدة اختلالات مثل الريع الاحتكار والمضاربات، التي زادت من استفحال هذه الأزمة وآثارها المؤلمة على الشعب المغربي.
كما يتعرض الاقتصاد المغربي إلى التأثيرات المباشرة للركود الاقتصادي الذي باتت تعاني منه منطقة اليورو، باعتبار دولها الشريك الاقتصادي الأول للمملكة، حيث سجلت كل دول هذه المنطقة نتائج نمو سلبية، حدث من نمو الطلب الخارجي للمغرب واستفحال عجز الميزان التجاري الذي ارتفع بنسبة 56% سنة 2022، والانعكاسات المباشرة لذلك على الوضع الاقتصادي الداخلي وضعف النمو، حيث لم يتجاوز سنة 2022 نسبة 1%، ما أثر بشكل واضح على التشغيل وخلق فرص الشغل، وابقى نسبة البطالة في مستوياتها المرتفعة.
** من المؤكد أن هناك تفاؤل موجه إلى سنة 2023 لكي تحمل تخفيفا للتوترات الجيوسياسية، وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية، مع استقرار أسعار الطاقة وانخفاض أسعار المواد الغذائية وارتفاع الإنتاج الوطني من الحبوب، لكن كل هذه التوقعات الاقتصادية تبقى رهينة حالة اللايقين الاقتصادي والسياسي، في ظل استمرار حالة الارتباك الاقتصادي العالمي، وتواصل حالة الركود التي من المؤكد أنها ستطول داخل دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك في ظل التساقطات المطرية غير المطمئنة والبعيدة عن المستوى الاعتيادي في المغرب، مما يصعب تحقق هذه التوقعات، ويُبقي حالة الخطر الاقتصادي قائمة، ويزيد من غموض الوضعية الاقتصادية المغربية، خاصة في ظل تضارب أرقام التوقعات الاقتصادية بين مختلف المؤسسات الوطنية والدولية، حيث تفيد توقعات صندوق النقد الدولي بتحقيق نمو اقتصادي ب3.1% و4.5% وفق توقعات وزارة الاقتصاد والمالية، و3.3% بالنسبة للمندوبية السامية للتخطيط، وفي ظل كذلك استمرار الضغط التضخمي، الذي من المفروض أن يستمر في ظل استمرار ارتفاع أسعار المواد الأولية، واستمرار حالة التبعية الطاقية للخارج، رغم المحاولات المتواصلة لبنك المغرب للتحكم في السياسة النقدية وتشديد المتابعة عبر رفع سعر الفائدة بشكل متوالي لينتقل من 1.5% في المائة إلى 2.5%.
اعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أن الأوضاع الاجتماعية المتدهورة بالمغرب، ليس نتاج عوامل خارجية فقط، في إشارة إلى الحرب الروسية الأوكرانية، بل هناك عوامل داخلية أهم أزمت الوضع الاجتماعي للمغاربة.
الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ادريش لشكر، قال في كلمة له امام أعضاء المجلس الوطني لحزب مساء أمس، "صحيح أن الأساس القوي للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المغرب، تأخذ ملامح وبصمات دولية، نظرا لعدة اعتبارات جيوسياسية واقتصادية تطال تبعاتها كافة دول العالم، لكن هذا لا يعني أنه ليس هناك عدة عوامل داخلية زادت من استفحال هذه الأزمة".
وأوضح المتحدث ذاته أنه "في ظل غياب أي تعامل جدي وحازم من طرف الحكومة مع هذه العوامل الداخلية، شاعت كثيرا ممارسات المضاربة والاحتكار الاغتناء من الأزمة".
ولفت المصدر إلى أن "المضاربة والاحتكار والاغتناء من الأزمة لم تعد ممارسات خفية بل أصبحت ظاهرة للعيان وأصبحت موضوع تقارير مؤسسات الدولة، وموضوع اعتراف من طرف الحكومة نفسها، التي يقر وزراءها في مختلف خرجاتهم بوجودها وبدوها في موجة غلاء الأسعار التي تطال الشعب المغربي".
واعتبر لشكر أن "المجال الاقتصادي المغربي يحتاج إلى مجموعة من الإصلاحات الهيكلية المتواصلة، التي تمكنه من الخروج من الأزمة، وتحقيق الطموحات والرهانات التي رفعها المغرب، باعتباره قوة إقليمية تسعى إلى تكريس ريادتها وتفوقها في مجالها الإقليمي والقاري".
أهم هذه الإصلاحات إصلاح قانون المالية بما يضمن توازن المالية العمومية، ويسعى إلى استعادة هوامش مالية حقيقية قادرة على ضمان استدامة تمويل البرامج الإصلاحية، ويقلص الدين العمومي وخاصة الخارجي، الذي وصل إلى مستويات مرتفعة تقارب 100% من الناتج الداخلي الخام، وهو ما قد يرهن القرار السيادي الاقتصادي المغربي في يد مؤسسات التمويل الدولية، ويدفع إلى ظهور توترات اجتماعية متواصلة.
ودعا زعيم الوردة إلى التنزيل السليم والعادل لمقتضيات القانون الإطار للإصلاح الضريبي، بما يضمن العدالة الضريبية ويرفع من قيمة المساهمة الضريبية في تركيبة مداخيل الدولة، ويرسي مفهوم الضريبة التصاعدية القائمة على من يكسب أكثر يدفع أكثر، ويتثبت الاستقرار الضريبي، ويوسع الوعاء الضريبي ليشمل الفئات المعفية والخارجة عن دائرة الفدع الضريبي.
وشدد المصدر على ضرورة التسريع بتنزيل تصورات النموذج التنموي الجديد، كإطار وطني متوافق عليه، للتنمية الشاملة، والابتعاد عن التردد غير المبرر في مباشرة الاصلاحات الهيكلية الكبرى.
ونبه المصدر إلى ضرورة تقوية آليات مراقبة المنافسة ومحاربة الفساد، من خلال تعزيز أدوار مجلس المنافسة بما يضمن عمله كجهاز قادر على حماية المنافسة الاقتصادية، وتوسيع صلاحيات الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، لتستطيع القيام بأدوارها كجهاز قادر على تخليق المجال الاقتصادي بمختلف مناحيه وجوانبه.
واعتبر أن "التفعيل السريع للرؤية الملكية فيما يتعلق بالطاقات المتجددة، وجعلها البديل الحقيقي لضمان السيادة الطاقية للمغرب وتخفيف وطأة الفاتورة الطاقية للمغرب، نظرا للإمكانيات الهائلة التي يتوفر عليها المغرب في هذا الخصوص، ونظرا كذلك للقوة الطاقية التي توفرها هذه الطاقات المتجددة، والكلفة المنخفضة لاستغلالها، من خلال إصلاح الترسانة القانونية المرتبطة بها وتعزيز الاستثمارات الخاصة بها، أصبح ضرورة".
وطالب زعيم الاتحاد بالتنزيل السليم والسريع لتوجهات القانون الإطار للاستثمار، بما يضمن فعاليته وقدرته على خلف دينامية استثمارية حقيقية ومتوازنة ترابيا وقطاعيا، تمكن من إعطاء دفعة قوية للاقتصاد المغربي وتزيد من معدل النمو في البلاد، وتوفر فرص الشغل للشباب المغربي، وتسقط التهميش الاقتصادي على الجهات والمناطق المهمشة، لافتا إلى أنه لن يتأتى إلا باجتثاث مختلف السلوكيات والتحايلات المعرقلة لتحقيق مشاريع المستثمرين المغاربة وجلب استثمارات أجنبية وهو ما يقتضي إزالة العراقيل والعوائق أينما وجدت وعلى أي مستوى من التدبير والمسؤولية باعتبارها مخالفة للقانون فلا استثمار بدون سيادة القانون.