قتلة الأصول... قتلت أمها بحجرة وهجرت القرية

جريمة مؤنثة... قتلت زوجها الرافض لعلاجها

الكاتب : الجريدة24

28 سبتمبر 2023 - 09:00
الخط :
فاس: رضا حمد الله

مر يومان ولم يظهر لها أثر بين جاراتها في الدوار. لم يفهمن سر غيابها، منهن من اعتقدن بسفرها، وأخريات لم تستبعدن مرضها الشيء الوحيد الذي قد يقعدها عن عملها المضني في جمع كلأ الماشية ورعيها. غيابها ولهذه المدة غير عاد. لذلك تزجهن لمنزلها، لكن دقاتهن على بابه، لم يتجاوب معها أحد. لا حركة يسمع صداها بالداخل. ذاك المنزل الطيني المسقف بالقصدير، بدا شبه مهجور في ذاك اليوم من أواخر يناير.

لم يكن صعب عليهن اقتحام المنزل، لم يحتجن لتكسير بابه الخشبية. فقط اكتفن بدفعها لتشرع في وجوههن. لم تكن موصدة، كما يفعل كثير القرويين، لا يحكمون إغلاق أبوابهم تبقى مفتوحة في وجه كل من يستأذن دخولها حتى من الغرباء. وفي ذلك دليل مختصر على كرمهم وحسن استقبالهم للغريب قبل المعروف. وهي عادة متأصلة لكنها اضمحلت حاليا بسبب زحف عادات التمدن الدخيلة على نسيج قروي أصيل.

بخطوات متثاقلة ولجوا الدار وفي وسطها وجدوا الجارة الستينية ممددة على ظهرها والدم يحيط بها. كان رأسها شبه مهشم. جميعهن صرخن وأطلقن صيحات النجدة استنفارا لأزواجهن وكل من في الدوار كبارهم وصغارهم.

- الجارة مقتولة

عبارة صحن بها باكيات نادبات مصيرا ما توقعوه لجارة من أطيب خلق الله وعلى خلق حسن. طيلة حياتها لم تتخاصم إلا نادرا، وإن سيء فهمها اعتذرت وطوت صفحة الغضب. كانت عبارات "الخير فيما اختاره الله" و"الله ينبهنا لعيوبنا" كثيرة التداول على لسانها. لذلك لم يفهم أحد أسباب قتلها ومن يكن القاتل.

تجمع الجيران واخبر عون السلطة وأشعرت عناصر الدرك وحضرت، إلا ابنتها الأربعينية لم يظهر لها أثر. بحثوا وسألوا عنها، فاتضخ أنها غائبة بدورها منذ يومين. لقد اعتادوا على غياب هذه الفتاة المدمنة على المخدرات والخمر وكل الموبقات. كانت شديدة العصبية تنفعل لأبسط الأشياء حتى أن كثير ناس الدوار صنفوها ضمن خانة المختلين. لكن علاقتها بأمها كانت جيدة لا تثير شك أحد من الجيران.

عاينت الضابطة القضائية جثة الهالك وصورتها واتضح أن جرحا غائرا في رأسها تسبب في وفاتها نتيجة ما نزف منها من دم، كما كشف ذلك أيضا التشريح الطبي. وفاتها لم تكن عادية، وحتى فرضية سقوطها المفاجئ على رأسها، استبعدها المحققون، لأن الجرح في أعلى الرأس وليس أسفله.

نقلت الجثة لمستودع الأموات بالمستشفى ودفنت بعد يوم، وباشر المحققون بحثهم لفك الجريمة. استمعوا للجارات اللائي عثرن عليها جثة هامدة وسط منزلها القروي، ولكل من يمكن أن يفيد البحث في شيء قد يوصل لتحديد هوية القاتل. وظل البحث عن الابنة أسابيعا لكونها مشتبه فيها ما يبرره غيابه في نفس يوم اختفاء الأم وعدم عودتها أو اتصالها بهاتفها للاطمئنان عليها.

كانت الابنة غادرت القرية وتوجهت لمدينة مجاورة، حيث عاشت مشردة لها في الشارع مأوى متغير كل ليلة. التشرد كانت عاشته قبل ذلك لما فرت من منزل الأم لكثرة عتابها لها على إدمانها وتشويه سمعة العائلة بممارساتها اللااخلاقية. كانت قضت شهورا هائمة في الشوارع إلى أن عادت من تلقاء نفسها بعدما ضاقت بها كل السبل وأصبحت جسدا مستباحا لكل الذكور.

عصبيتها كانت عادة ما تنتهي بنزاعات دامية مع أشخاص ولأتفه الأسباب. وذاك ما وقع بعدما اختفت لآخر مرة. لقد ضربت مشردا أهانها بحجرة أصابته في رأسه وكاد يفقد حياته. بحث الأمن في الحادث، قاد إليها لتعتقل وبعد تنقيطها اتضح أنها مبحوث عنها من طرف الدرك للاشتباه في تورطها في قتل أمها. لذلك سلمت لعناصر التي اقتادتها لمركز السرية للتحقيق معها حول وفاة أمها. لم تنكر الفعل واعترفت تلقائيا ومن أول سؤال، حاكية ما وقع في ذلك الصباح.

كانت الأم دائمة العتاب لابنتها ولا تتوانى في سبها، وفي ذاك الصباح تكرر العتاب واللوم، والتهبت أعصاب الفتاة. حاولت أن تغادر المنزل، أزاحت حجرا يستعمل لإغلاق الباب، في الوقت الذي سمعت فيه عبارة ذمتها على لسان أمها وصفتها بالعاهرة وأوصاف أخرى أججت غضبها ودفعتها للقيام برد فعل عنيف غير متوقع ولا هو مألوف حتى في الحالات التي كانت فيها تنازع أمها. وتخاصمها أيام، لم تكن تجرأ على إيذائها لأنها تعزها كثيرا وتقدر حجم تضحياتها معها. لكن هذه المرة وقع ما لم يكن في الحسبان.

وفي لحظة انحناء أمها لتناول شيء من الأرض، أمسكت بحجرة خلف الباب ورشقتها بها. من سوء حظها أن الضربة أصابتها في رأسها لتسقط أرضا ممرغة في دمها دون أن يسمع لها غير صرخة واحدة أغمي بعدها عليها. حينئذ توجهت لغرفة وجمعت أغراضها وغادرت القرية بعدما تخلصت من الحجرة أداة الجريمة في طريقها لمركز الجماعة بموقع دلت عناصر الدرك عليه.

أقرت الابنة بقتل أمها ومثلت الجريمة بمسرحها بحضور أمني وقضائي، وأحيل الجانية على الوكيل العام وأودعت السجن وحكم عليها ب10 سنوات سجنا نافذة بجناية الضرب والجرح المفضيين إلى الموت دون نية إحداثه، وما زالت تقضيها في السجن عقابا على فعل جرمي مرفوض.

آخر الأخبار