قتلة الأصول... قتل أباه بحجرة وانتظر وصول الدرك

الكاتب : الجريدة24

09 ديسمبر 2023 - 10:20
الخط :

 فاس: رضا حمد الله

الجو ربيعي في تلك القرية المحاطة بجبال شامخة وغابات كثيفة. صورة المكان أشبه بلوحة تشكيلية كاملة الاخضرار تتخللها رقع ترابية اللون. حقول فلاحية وسط الغابة يملكها فلاحون اجتثوا شجر الغابة وأعدوها للحرث والتشجير بأشجار مثمرة كاللوز والتين والزيتون والعنب وكل ما يذر عليهم دخلا يساعدهم في حياتهم.

في ذاك اليوم كانت الحركة شبه مشلولة في الطرقات. الجميع في حقولهم يقلمون الأشجار أو ينقون الأرض والزرع من الحشائش الطفيلية. إنهم كخلايا نحل مجتهدة، قليل منهم من لا يفعل الطقوس نفسها في الاستيقاظ باكرا والتوجه للحقل وقضاء أكبر مدة فيه. اجتهادهم نابع من علاقتهم بالأرض يحبونها وتمنحهم خيراتها بسخاء.

أحمد خمسيني لم يمنعه كبر سنه، من الوفاء بهذه اليوميات، لا يتخلف عن العمل إلا إذا أقعده المرض. وفي ذلك اليوم كانت زوجته مرافقته إلى ذاك الحقل الواقع بين الغابات الكثيفة، الذي توارث استغلاله وما فيه من أشجار مثمرة يحرص على العناية بها كلما حل موسم تقليمها وتشذيبها. وذاك ما انكب عليه في ذاك اليوم.

كانت زوجته تجمع كلأ الماشية وهو منهمك في التشذيب. أما الابن البكر فكان ما يزال نائما في المنزل الواقع وسط الأرض. الابن كان كسولا يكره العمل المتعب في الفلاحة، بعدما وجد نفسه عاطلا بعدما لفظته الثانوية لرسوبه 3 سنوات متتالية في الباكلوريا. حينها عاد من المدينة حيث كان مستقرا مع عمه، إلى دوار لا يعرف سبل العيش فيه ولو أنه ولد وترعرع فيه. الفترة التي قضاها بالمدينة غيرته.

كان لا يشارك أباه العمل في الحقل، إلا نادرا وبعد تكرار أسطوانة العتاب اليومي الذي لم يحرك فيه شعرة الحماس، أو كما كان ينعته والده كل مرة بعبارة "ما فيك نفس"، دلالة تهاونه وكسله واستهتاره عكس ما كان يفكر هو فيه من هجرة جديدة للمدينة والبحث عن عمل أقل تعبا وأكثر مردودية، حتى وهو لا يتوفر على مؤهلات الحصول على عمل محترم طالما أن مسار تعليمه توقف عند عتبة نهاية الثانوي التأهيلي، بل لم يفكر حتى في الحصول على دبلوم للتكوين المهني.

لم يحضر الابن لحيث يوجد والداه في الحقل، إلا لما اقترب الظهيرة على الانتصاف. تأخر لم يتقبله الأب كعادته، إنه يريد ابنا بجانبه حيثما وجد وكيفما كان العمل وحجم التعب. تعامله معه وقساوة عتابه له، جعل الابن يكره أباه لحد الحقد عليه.

منذ عاد للاستقرار في القرية قبل سنتين، لم يكن ليسمع كل صباح غير العتاب وكلمات من قبيل "واش غادي نبقى نخدم عليك وانت شارف" و"نوض راك غادي تشرف فالكاشة" و"نوض يا بارد الكتاف"... عبارات وغيرها كانت تزيد من غضبه وتؤججه.

بوصوله كرر الأب أسطوانة اللوم، لابن وقف قبالته ناظرا بتمعن وسخرية. هذه المرة لم يصمت أو غير المكان، بادله الشتم بنظيره. وعيره بأبشع الأوصاف، لم يحترم أباه الذي حاول ضربه بمؤخرة فأس كان يحرث به محيط شجرة زيتون استعدادها لتسميدها بهطول قريب للمطر. تحاشى الابن الضربة وتراجع للوراء قبل أن يسقط وينهض من جديد.

بنهوضه لم يجد حجرة أمسكها ورشق بها والده القريب. صرخ الأب صرخة واحدة وسقط والدم يسيل من رأسه. الضربة جرحته جرحا أقل عمقا من جرح نفسي مزمن خلفه فشل ابن راهن عليه كثيرا للوصول لأعلى الرتب، كان يتمناه طبيبا، وذاب حلمه برسوبه. صراخ الأب دفع زوجته التي كانت بمكان بعيد، للهرولة مسرعة إليه. ولما وصلت وجدته في لحظة احتضار. لم تسمع منه غير كلمة "المسامحة" آخر كلمة نطقها ليتهاوى بين يديها. تحسست أطرافه، فتيقنت من وفاته وعلا صراخه جمع أقرب الناس إلى الحقل قبل تجمع الباقي وإخبار عون السلطة والدرك.

لم يغادر الابن المكان وجلس القرفصاء باكيا نادما على فعل لا يرضاه لغيره فبالأخرى لغيره. لم يفر وانتظر حضور الدرك. وبعد مرور ساعة ونصف كان في قبضتهم وقد اقتادوه إلى مقر السرية للتحقيق معه. لم ينكر ولا تملص من مسؤولية قتل أبيه في لحظة غضب. لقد أخطأ ويقبل بالعقاب.

آخر الأخبار