أبو العباس السبتي.. نفر من الحياكة لأجل العلم وأسس مذهب الصدقة

أمينة المستاري
أبو العباس السبتي، وهو أحمد بن جعفر الخزرجي ولد بسبتة عام 524 للهجرة، بشهرة لم ينلها باقي رجالات مراكش، مدينة الشمس وتربة الأولياء.
السبتي أمازيغي الأصل، ولد بسبتة سنة 524 هـ وتوفي سنة 601هـ، يتحدر من أسرة فقيرة فعاش الفقر وخبر قساوته. اضطرت والدته إلى ارساله إلى حاك لتعلم الحرفة مقابل أجر، لكنه كان يفر من المعمل ليلتحق بكتاب أبي عبد الله محمد الفخار، فتضطر أمه إلى إعادته إلى الصانع ومعاقبته، حتى اقترح الفخار على الأم أن يعلم صغيرها ويدفع لها أجرا.
في سن 16 غادر السبتي سبتة طلبا للعلم واختار مدينة العلم والصلاح مراكش، والتي كانت تعيش حالة حصار من طرف الموحدين بعد سقوط آخر حصن للمرابطين، فاضطر إلى التوجه لجبل كليز، الذي يرجح أن يكون بقبيلة هرغة بالأطلس الكبير، مع وصيفه مسعود الحاج ، وهي الفترة التي قصد فيها مجموعة من المتصوفة الجبل خاصة القاضي عياض، الإمام السهلي، الإمام وايحلان...
بقي السبتي بالجبل للخلوة 40 سنة، قبل أن يقطع خلوته ويعود إلى مراكش، بعد دعوته من طرف المنصور للإقامة بالمدينة للتبرك به، وحبّس عليه مدرسة للعلم والتدريس ودارا للسكنى.
قام بنشر مذهبه الذي تبناه هو مذهب الصدقة و اعتبرها جوهر الإسلام الذي في جميع أركانه نجده مبنيا على الإحسان و على الصدقة، فكان يقول " أصل الخير في الدنيا والآخرة الإنفاق، وأصل الشر في الدنيا والآخرة البخل" ، فكان يجول في الأسواق ويحث الناس على الصدقة، فقد كان عالما يدرس الرياضيات وتنبه وفق مذهبه الصوفي إلى أن الإحسان هو أعلى درجات الإيمان، وهو مرتبط بالمراقبة الدائمة و أيضا بالجود و الكرم.
فكان يقول أن الله سبحانه و تعالى يكرم الإنسان بدون أن يطلب منه، وهذا يعتبر قمة الكرم، كما يكرم الكائنات بدون تمييز لعقيدتها أو مذهبها، وهو النهج الذي سار عليه أبو العباس السبتي الذي كان يعتبر الصدقة لجميع الناس، يهودييهم ومسيحييهم ومسلميهم، حتى قال ابن رشد في حق طريقة تصوف السبتي: " هذا رجل مذهب القدماء منا الذين يرون بأن الوجود ينفعل بالجود "، فهو زاوج فيه ما بين الجانب الروحي و أيضا البعد الإجتماعي.
كان المرضى والمعوزون وذوو العاهات في زمانه يعيشون من هذا المذهب و لازالوا إلى غاية اليوم، خاصة في الأضرحة.
حاز السبتي رئاسة الفقه في وقته، ضابطا لقواعد الفقه المالكي، يدرس الحساب ويسخره في إنجاز عمليات توزيع الزكاة والصدقات على المحتاجين، وابتدع نظاما معقدا جعله يوزع 10/9 ثروته على الفقراء والمحتاجين، حدد السبتي مراتب الصدقة في المشاطرة، الإحسان، شكر النعمة. وقد ارتبطت يه القولة الشهيرة العباسية، المعروفة بين بائعي المأكولات الذين يتصدقون كل صباح بأول ما يصنعونه من حلويات وكعك...