سوق درب غلف في الدار البيضاء.. قلعة القراصنة

الكاتب : الجريدة24

05 يونيو 2019 - 10:30
الخط :

هشام رماح

كيف لهذا السوق القصديري الذي يتوسط عمارات إسمنتية أن تحبل أحشاؤه، بقراصنة دوخوا العالم؟ السؤال استنكاري والأكيد أن سوق درب غلف يحير العالم بعباقرته، فها هنا تحل الشيفرات وتقرصن القنوات التلفزية، التي جعلت منهم أعداءها، تتحداهم بالأموال لكن يهزمونها بذكاء لم يكتسبه جلهم بعد التكوين أو الدراسة.

برامج معلوماتية "رهينة" لدى قراصنة  

لم يكن يضع عصابة على عينيه، ولم يكن هناك ببغاء يقف على كتفه، رجلاه سليمتان، هو لا يجوب البحار ولا يمخر عباب المحيطات، لا يبحث عن الكنوز المدفونة في جزر تتناثر في جهات العالم الأربع.

إنه هو قرصان يكد في كسر السرية التي تلف البرامج المعلوماتية، يبيع برنامج المحاسبة "سيال" بـ10 دراهم فقط.

امتنع عن الإفصاح عن اسمه، وكان يعتمر قبعة تقيه شمس فصل الصيف، وينهمك في تصفيف الأقراص التي يعرض للبيع، ويتبادل الحديث جهارا مع تجار يجاورونه في وسط الممر الضيق داخل سوق درب غلف.

أما برامج الكمبيوتر يقتنيها زبناء تظهر على وجوههم علامات اليسر، يسألون عما يريدون اقتناءه، ولا يتهاودون على الأثمان التي يصرح بها الباعة، الثمن يبدو لهم رخيصا بالنسبة لبرنامج يساوي ملايين السنتيمات.

"إنهم عباقرة، يجعلوننا على حد السواء مع غيرنا من سكان العالم" بامتنان يؤكد محمد الذي كان يقف عند محل لبيع الأجهزة الالكترونية.

يقول إنه يريد اقتناء لاقط جديد أخبره أحد زملائه في العمل أنه يوفر إمكانية مشاهدة مباريات كأس إفريقيا للأمم بعد إدخال شيفرة "كود" يجلب المباريات إلى المنزل دون اقتناء بطاقة اشتراك خاصة بذلك، يستطرد أن الفكرة راقته خاصة وأن موعد البطولة التي ستقام في أرض الكنانة يزحف بخطى حثيثة.

تختلط الأغاني المنبعثة من أجهزة الدي في دي" المعروضة للبيع في محلات ضيقة تفتقر إلى الكهرباء، وتشتغل بمحركات تحول البنزين لطاقة كهربائية، كما تختلف الوجوه التي ترتاد سوق درب غلف، ولكل غايته.

قراصنة لكن عباقرة

من يعتبرهم العالم قراصنة، يكبرون يوما بعد يوم في أعين زبنائهم، يرون أنهم عباقرة، دفعتهم الحاجة للعمل الى البحث عن أي وسيلة لكسب القوت.

من بين هؤلاء تجد "ح"، سنه يتجاوز منتصف الثلاثينات، لحية مشذبة تخفي تحتها نصف وجهه، ينكب في محله على مداعبة أزرار حاسوب  محمول.

يريد "ح" فك شيفرة هاتف نقال تابع لشركة أوربية، لم يكن الهاتف يقبل رقاقة شركات الاتصالات في المغرب، وهو ما أصبح ممكنا بفضل 20 درهما هي ثمن تكلفة فك الشيفرة التي كانت تمنع ذلك.

احتلت ابتسامة واسعة محيا الزبون الذي كان ينتظر عند المحل، أمده بالنقود، وانغمس في البحث بين قائمة الهاتف الذي يتجاوز ثمنه الأصلي الراتب الشهري للكثيرين من المغاربة.

أرباب المحلات رفضوا الكشف عن أسمائهم، يؤكدون قدرتهم على فك "عقدة" كل هاتف كيفما كان نوعه أو أصله.

البطاقات الهاتفية تباع كذلك بأثمنة جد مناسبة، وآخر التقليعات من الهواتف المحمولة أيضا تمتليء بها الواجهات الزجاجية للمحلات.

في غالب الأحيان يكتري تجار الهواتف بقعة أرضية قد لا تتعدى مساحتها المتر مربع من أصحاب المحلات التي يرابضون أمامها، ولهم أن يجعلوا من هذه المحلات أمكنة تبيت داخلها واجهاتهم.

لقد فاقت شهرة سوق درب غلف الآفاق وتجاوزت حدود المغرب، وقد أصبح معروفا حتى في دول أوربا الشرقية، وأمريكا اللاتينية، في دولة مثل البرازيل التي تحتل الرتبة الأولى عالميا في القرصنة، ليليها المغرب بنسبة تعادل 94 بالمائة.

ولا خلاف أنه ومن هنا تتكبد شركات عالمية وقنوات تلفزيونية أشد الخسائر عبر تجنيدها جيشا من الخبراء تؤدي لهم الكثير ليحدوا من مد قراصنة هذه القلعة القصديرية.

آخر الأخبار