الحق في الولوج إلى المعلومة سلاح ذو حدين

الكاتب : الجريدة24

28 سبتمبر 2023 - 10:00
الخط :

أضحت المعلومة اليوم، في سياق المشهد المعقد والمترابط للقرن الحادي والعشرين، أكثر من أي وقت مضى مصدرا ثمينا، فهي تشكل أداة فعالة لتعزيز الشفافية والديمقراطية، من خلال الحق في الولوج إلى المعلومة، وفي الآن ذاته حقلا يعج بالتحديات المرتبطة، على الخصوص، بحماية الحياة الخاصة وأمن الوطن.

وفي واقع الأمر، لا يعد الحق في الوصول إلى المعلومة مجرد إجراء إداري بسيط، بل يمثل آلية تفتح باب المسؤولية الحكومية في ضمان هذا الحق، ومكافحة الفساد، والمشاركة المواطنة في الحياة العامة، واتخاذ قرارات صائبة.

ويتعلق الأمر بحق أساسي من أجل الاشتغال الديمقراطي للمجتمعات، والذي ينهض بالتنمية، ويحسن الأداء الاقتصادي، ويجعل من السلطات العمومية مسؤولة عن أعمالها وتدبيرها للمال العام. كما يكتسي الحق في الوصول إلى المعلومة أهمية قصوى لتقوية المشاركة المواطنة لتحسين جودة الخدمات العمومية.

واعترافا بأهمية هذا الحق، تم الإعلان، في شهر أكتوبر من سنة 2019، خلال الدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 28 شتنبر من كل سنة يوما عالميا لتعميم الحصول على المعلومات على مستوى الأمم المتحدة. وسيتم هذه السنة تسليط الضوء، بشكل خاص، على أهمية الفضاء الإلكتروني للولوج إلى المعلومة.

الولوج إلى المعلومة في عصر الرقمنة

أدت الرقمنة إلى إحداث ثورة في مجال الولوج إلى المعلومة، حيث أضحى الفضاء الإلكتروني يضطلع بدور محوري. فقد أحدثت شبكة الأنترنت تحولات في تبادلاتنا، وفي قدرتنا في الحصول على المعلومة ومشاركتها، وهو ما مهد الطريق لعهد جديد في الولوج الشامل إلى المعلومة. ورغم أن شبكة الأنترنت توفر فرصا هائلة، إلا أنها لا تخلو من أوجه قصور وتحديات تستحق تفكيرا عميقا.

ولا يمكن لأي أحد إنكار أن الأنترنت أدت إلى إحداث تحولات عميقة، بإزالة الحواجز الجغرافية والزمنية، حيث مكنت من ولوج عالمي لثروة من المعلومات. فمن المكتبات الافتراضية إلى الدروس المجانية عبر الأنترنت، ساهمت هذه الأخيرة في دمقرطة الوصول إلى المعلومة، فاسحة المجال لأي كان، وفي كافة أرجاء العالم، للتعلم والتثقيف والاطلاع على المعلومة.

وأحدثت المنصات المتواجدة على الأنترنت فضاء يمكن الأفراد من تقاسم وجهات نظرهم، ومناقشة قضايا عالمية، والانخراط في نقاشات متحضرة. وفتحت المدونات والشبكات الاجتماعية ومنتديات المناقشة آفاقا جديدة للتعبير عن الذات والحوار بين الثقافات.

كما مكن الوصول إلى المعلومة، بشكل فوري، المواطنين من الاطلاع بشكل أفضل على الأحداث الراهنة، حيث تشكل وسائل الإعلام الإلكترونية و المدونات الصوتية "البودكاست" وتدفق المستجدات مصدرا قارا للأخبار.

مناطق ظل ماتزال قائمة

وفور فتح متصفح الأنترنت أو تطبيقاتنا الإلكترونية، يتدفق كم هائل من المعلومات يتم بثها بوتيرة مذهلة. ويمكن أن تتحول هذه الوفرة إلى سيل من المعلومات المضللة، حيث إن الأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة وحملات التضليل، تنتشر كالنار في الهشيم، مما يؤدي إلى تغليط الناس وتشويه الواقع.

ورغم أن الحق في الولوج إلى المعلومة عنصر أساسي من أجل الديمقراطية، إلا أنه ما يزال يواجه تحديات كبيرة، حيث تمثل حماية الحياة الخاصة والمعطيات الحساسة إحدى العقبات الأساسية في هذا المجال.

فمن خلال تقاسم المستخدمين أكثر فأكثر لمعلومات شخصية عبر الإنترنت، أصبحت حماية الحياة الخاصة مصدر قلق كبير، إذ أضحى المساس بالحياة الخاصة وانتحال الهوية والمراقبة تهديدات محتملة.

أما حماية الحياة الخاصة فهي منطقة ظل أخرى. ففي الوقت الذي نطالب فيه بولوج كامل إلى المعلومة، نجد أنفسنا، في الوقت نفسه، أمام مأزق مرتبط بحماية الحياة الخاصة. فما هو الحد الفاصل بين الحاجة إلى الشفافية والحق في الخصوصية؟ ذلك أن الكشف عن معلومات شخصية قد تكون له عواقب مدمرة.

جميعا من أجل التحسيس بالولوج إلى المعلومة

يهدف اليوم العالمي لتعميم الحصول على المعلومات، والذي يحتفى به في 28 شتنبر من كل سنة، إلى تحسيس العالم بأسره بالأهمية الحاسمة للولوج إلى المعلومات من أجل النهوض بالديمقراطية والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان واستقلالية الأفراد. ويسلط هذا اليوم الضوء على مختلف جوانب الوصول إلى المعلومة، حيث سيتم التركيز هذه السنة، بالأساس، على أهمية الفضاء الإلكتروني في ضمان الولوج الشامل إلى المعلومة.

ويروم هذا الاحتفاء التشجيع على التفكير والعمل من أجل تعزيز الولوج الشامل إلى المعلومة عبر الإنترنت، كما يؤكد أهمية حرية التعبير عبر الإنترنت، وحماية الحياة الخاصة، والتعليم الرقمي، وكذا الشمول الرقمي.

ويعد هذا اليوم، أيضا، مناسبة لتحسيس العموم، بالرهانات المرتبطة بالولوج إلى المعلومة عبر الإنترنت وتشجيع التعليم الرقمي، حيث تنظم ندوات وورشات ومؤتمرات وغيرها من التظاهرات في جميع أنحاء العالم لمناقشة هذه القضايا.

ويبقى الحق في الوصول إلى المعلومة أحد ركائز الديمقراطية، غير أن تفعيله على الوجه الصحيح يتعين أن يأخذ دائما بعين الاعتبار الحدود التي تفرض نفسها بحدة. وللاستفادة القصوى من مزايا هذا الحق ينبغي أن نكون "مستهلكين" حذرين للمعلومة.

فالفضاء الإلكتروني يعد أداة قوية، ولكنه يتطلب، كذلك، يقظة مستمرة، ذلك أن الأمر يتعلق بازدواجية معقدة تعكس عالما رقميا يتطور باستمرار.

آخر الأخبار