الصحراء في قرارات مجلس الأمن : جثت دفنت.. مناورات أحبطت.. حقوق انتصرت

الكاتب : الجريدة24

27 فبراير 2024 - 10:51
الخط :

مصطفى العراقي

بلغ عدد قرارات مجلس الأمن التي تناولت قضية الصحراء 76 قرارا صدر أولها في أكتوبر من سنة 1975.وآخرها في أكتوبر الماضي. ومن المفترض أن يصدر قرار جديد في أكتوبر المقبل...

قرارات تنوعت مضامينها، تعددت محطاتها، تفاوتت أحجامها، اختلفت درجة حرارة إعدادها ...

منها من كانت له أسباب نزول.. ومنها من نزلت منه أسباب وصعدت إليه بدائل..  منها من سعى لمعالجة عراقيل. وتجاوز مآزق. ومنها اقتصر على مسائل تقنية.. قرارات تشابهت فقراتها في مراحل.. واختلفت في أخرى..

76 قرار أصدرها المجلس خلال خمسة عقود بناء على 66 تقرير قدمها اليه الأمناء العامون للأمم المتحدة من كورت فالدهايم الى أنطونيو غويتيريس.

76 قرارا جلها اتخذ من تلك التقارير حول الحالة في الصحراء مرجعا.. بعضها كانت ولادته عسيرة بعد مخاضات في المناقشات وجدل في التعديلات حاولت أثناءها بعض الأطراف بأن تستصدر مواقف مناهضة للمغرب.. أو تدرج مصطلحات او عبارات توحي بأنها حققت انتصارا..

خمسة عقود، كانت الدبلوماسية المغربية في نيويورك والرباط تدير المعركة على أرض القرارات وكواليسها بحكمة وتدبرها بتبصر، بسلاح القناعة بمغربية الصحراء وعدالة القضية وإجماع أمة و...بفضح مناورات ونوايا الخصوم وإحباط مخططاتهم..

76 قرارا، مضني هو البحث في وثائقها وتفاصيلها وخرائطها الإحصائية. وإذ أقدم بعض الخلاصات فإني أسعى لرسم صورة تقريبية عن هذا الكم الذي يمثل ما نسبته 2,80 تقريبا من مجموع القرارات التي أصدرها مجلس الأمن (2723 إلى غاية 30 يناير الماضي) منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة في سنة 1945.

33 من القرارات صدرت بين 1975 و1999 و43 منها منذ سنة 2000 الى اليوم.. قرارات عايشت ستة أمناء عامين للأمم المتحدة.. وواكبت تحولات عالم ومتغيرات قارة وتبدلات منطقة...

ولأن كل قرار بحاجة لأن يعبر الأعضاء الخمسة عشر بالمجلس (الدائمون وغير الدائمين) عن مواقفهم تصويتا وتفسيرا، فقد كانت الحصيلة بشأن هذه ال 76 قرار:

التوافق على 3 منها (قرارات 1975).

الاجماع على 62.

الاغلبية على 11 قرار بعد امتناع او اعتراض أعضاء بالمجلس:

تسع قرارات عرفت امتناعا.

واثنان توزع فيهما التصويت إيجابا واعتراضا وامتناعا.

فمن الدول الدائمة العضوية امتنعت روسيا 9 مرات والصين مرة واحدة.

ومن الدول غير الدائمة العضوية امتنعت   8 دول من افريقيا (ضمنها تونس البلد العربي الوحيد) وهي ناميبيا (في اول تصويت لها) وجنوب افريقيا (ثلاث مرات) واثيوبيا (مرتين) ومالي وانغولا وكينيا والموزمبيق (مرة واحدة).

ونيوزيلاندا من (اوقيانوسيا).

وبوليفيا من أمريكا الجنوبية.

وجامايكا من منطقة الكاريبي.

وعارضت ثلاث دول هي ناميبيا من افريقيا (قرار واحد) والاوروغواي وفنزويلا من أمريكا الجنوبية (قرار واحد).

والمثير ان القرارات الصادرة منذ 2018 الى اليوم شهدت تصويتا بأغلبية 13 عضوا وامتناع إثنين عن التصويت كان الثابت فيها هو روسيا وبلد افريقي.

لكل قرار أو مجموع قرارات سياقات معينة، دولية أو اقليمية. أو مقاربات ومقترحات وتصورات تم طرحها على طاولة مجلس الامن جاء بها الأمين العام أو مبعوثوه الشخصيون..

هناك خيارات تم التخلي عنها.. بعضها تم الزج به في متاهات التأويل   بما لا ينسجم مع روحه الاصلية إلى أن لقي حتفه.. وبعضها كان نفق عبوره للتنفيذ مسدودا.  وحدها حقوق المغرب، مغربية صحرائه صمدت وشكلت جدارا تحطمت عليه تحركات الخصوم وشعاراتهم.

أول القرارات صدر في منتصف سبعينيات القرن الماضي. كانت هناك دولتان جارتان وثالثة مغاربية ينسقون من وراء حجاب المؤامرة ويرتبون مخططا مناوئا لبلادنا: اسبانيا المناورة من أجل إيجاد صيغة توفر لها استمرار هيمنتها على الصحراء. والجزائر المعادية لوحدة المغرب الترابية ...وليبيا الواهمة بزعامة قومية ...

وكان المغرب ولمواجهة المخطط، يهيئ لمبادرة أطاحت بأوهام مدريد والجزائر وطرابلس: المسيرة الخضراء التي أعلن عنها الملك الحسن الثاني رحمه الله في 16 أكتوبر 1975.

عقد مجلس الامن اجتماعا له في 22 أكتوبر من تلك السنة بناء على رسالة    وجهها مندوب اسبانيا   بالأمم المتحدة في 18 أكتوبر إلى رئيس مجلس الأمن يطلب فيها "إثناء المغرب على تنظيم المسيرة " و"اتخاذ القرارات اللازمة" لمواجهة ما أسماه ب"غزو" الصحراء. واعتبر في رسالته ان "القيام بالمسيرة سيولد خلافات بين الدول ويهدد السلام والأمن الدوليين. ويتجاهل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره...".

عقد المجلس جلسات له دعا اليها قي 20 أكتوبر كلا من الرباط ومدريد الى المشاركة في إحداها دون تصويت. كما دعا الجزائر الى جلسته في 22 أكتوبر. وفي نفس اليوم   أصدر قرارا   أعلن فيه أن انعقاده يستند على الفصل 34 من ميثاق الأمم المتحدة (ينص الفصل على أن لمجلس الأمن   فحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي).  ويستند على الفصل 33 (ينص على " يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجؤوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها). .."وأنه يطلب من الأمين العام الى اجراء مشاورات عاجلة مع الأطراف المعنية والمهتمة ويقدم تقريرا في الموضوع...من أجل اتخاذ التدابير اللازمة ".

وفي 2 نونبر عقد المجلس اجتماعا جديدا نظر فيه الى تقرير الأمين العام وأصدر قراراه ال 379.

وفي 6 نونبر تاريخ انطلاق المسيرة الخضراء اتخذ   قرارا ثالثا كلف فيه رئيسه بأن يبلغ الملك الحسن الثاني" بأن يوقف بشكل فوري المسيرة ". وأن "على الأطراف المعنية والمهتمة اتخاذ الإجراءات التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة".

حققت المسيرة هدفها وفشل الخصوم في مبتغاهم..

مر عقد حيكت ضد بلادنا مؤامرات قادتها الجزائر وليبيا..  وانحازت منظمة الوحدة الافريقية لأطروحتهما. وشنت قوات جارتنا الشرقية بزي البوليساريو وبسلاح ليبي هجمات عدوانية على المغرب.. إلى أن طوى العقيد القذافي صفحة العداء وفتح صفحة جديدة مع الرباط بعد انشاء "الاتحاد العربي الافريقي" في غشت 1984.

في 1988 وضع ملف الصحراء من جديد على طاولة مجلس الامن الذي أصدر في 20 شتنبر من تلك السنة قراره الرابع أعلن من خلاله عن مقترحات مشتركة بين الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس المنظمة الافريقية وهي المقترحات التي شكلت قاعدة ما سمي ب"خطة التسوية" في قرار 27 يونيه 1990.

كانت الخطة ترتكز بالإضافة لوقف إطلاق النار على تحديد هوية الناخبين المحتملين في استفتاء لتقرير المصير.

استوطنت الخطة ب 36 قرارا من قرارات المجلس الى وفاتها سنة 2001 تجر معها الى مثواها الأخير كلا من "لجنة تحديد الهوية" و"الاستفتاء". وسنحاول من خلال قراءة للقرارات اقتفاء آثار الثلاثة الى أن صاروا جثتا هامدة:

الجثة الأولى: "خطة التسوية" 

قدم الامين العام للأمم المتحدة ورئيس منظمة الوحدة الافريقية مقترحاتهما المشتركة الى المغرب وجبهة البوليساريو في 11 غشت 1988. وتمت الموافقة عليها في اجتماعات منفصلة، مستقلة بتاريخ 30 غشت منه " بغية إجراء استفتاء بالصحراء تنظمه وتراقبه الأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة الوحدة الافريقية ". ومن هذه المقترحات انبثق ما سمي ب "خطة التسوية " والتي ورد تفصيلها في التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار الى مجلس الامن في 18 يونيه 1990. وتم إقرارها بموجب القرارين 658 (1990) و690 (1991) للمجلس.

أبدى المغرب حسن النية في قبول هذه الخطة بالرغم من أنه أنسحب من المنظمة القارية في 1984 بعد أن أقحمت في عضويتها وفي انتهاكات صارخة لميثاقها ومبادئها وتاريخها ما يسمى ب "الجمهورية الصحراوية"..

تزامنت الدينامية الجديدة بالنسبة لملف الصحراء وقتها مع عودة العلاقات المغربية   الجزائرية في ماي 1988، ومشاركة الملك الحسن الثاني في القمة العربية التي احتضنتها العاصمة الجزائرية في يونيه من تلك السنة، واللقاء الذي ضم قادة دول المغرب الكبير في زيرالدة نفس الشهر، وتأسيس اتحاد المغرب العربي بمراكش في فبراير 1989، وسقوط جدار برلين في 9 نونبر 1989، وبعدها انهيار الاتحاد السوفياتي في 26 دجنبر 1991 وبالتالي تراجع سياسة الاستقطاب شيئا ما في بعض الملفات الإقليمية ...

ولتنفيذ الخطة والاشراف على وقف إطلاق النار، أعلن مجلس الامن في قراره 690 بتاريخ 29 ابريل 1991 إنشاء تحت سلطته "بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية "(المينورسو) ...

لكن هذا المولود /الخطة لم تنظر له المؤسسة العسكرية الجزائرية بعين التسوية بل من زاوية إطالة النزاع انسجاما مع سعيها للهيمنة الإقليمية بالمنطقة، وجعلت كل مطالب ومقترحات ومواقف الجبهة الانفصالية تطبخ بمطابخها وتحمل توقيع دبلوماسية قصر المرادية...

اصطدمت "خطة التسوية" في خطواتها الأولى وهي تسعى للانتقال من قرارات مجلس الامن الى حيز التنفيذ، اصطدمت بمحاولات تأويل مستوياتها وآلياتها من طرف جبهة البوليساريو الناطقة باسم مطالب الجزائر. وبرز ذلك من حجم التحفظات التي أبداها الانفصاليون مدعومين من طرف النظام الجزائري. لذلك اتسعت مساحة قلق المجلس قرارا بعد قرار دشنها بما أعلنه في 31 دجنبر 1991 من أنه   " لاحظ   بقلق الصعوبات وحالات التأخير التي صودفت اثناء تنفيذ خطة التسوية بالصيغة التي تم اعتمادها في القرارين 658 و690".  وفي مارس 1993 أورد أنه " يساوره القلق للمصاعب والتأخيرات التي اعترضت تنفيذ خطة التسوية .... " . وبدا واضحا ان الطرفين المناوئين للمغرب يطرحان تفسيرات مصطنعة لأهلية الناخبين المحتملين وكيفية تطبيق المعايير بشأنها عكس ما طرحه الأمين العام في تقريره في 19 دجنبر 19991.

وخشية من وفاة المولود (خطة التسوية) قبل أن يبلغ سنته الخامسة؛ أوفد مجلس الأمن وطبقا لقراره 995(1995) بعثة الى المنطقة في الفترة ما بين 3 و9 يونية 1995.. لكنها اصطدمت من جهة بتشبث البوليساريو بإحصاء معيب أجرته اسبانيا سنة 1974   وبتحفظاتها تجاه معايير وشيوخ مراكز تحديد الهوية ... ومن جهة ثانية رفض حكومة الجزائر على عكس ما تضمنته الخطة، بأن يتم حصر قوات الانفصاليين في معسكراتهم التي تتواجد أصلا فوق أراضيها واقترحت بأن تخصص لهم معسكرات في المناطق العازلة...

لم تضخ توصيات البعثة أكسجينا بجسد خطة التسوية الذي اختنق بعراقيل اصطنعتها الجبهة وحاضنتها الجزائر. وبدا ذلك واضحا في قرار المجلس (1002) في 30 يونية 1995 حيث أعرب عن "قلقه لتأخير تنفيذ خطة التسوية مرة أخرى ...". وفي قراره بتاريخ 22 شتنبر 1995 أعرب عن خيبة امله لعدم احراز     تقدم كافي في تنفيذ الخطة ... ولأول مرة استعمل المجلس مصطلح "مأزق" في قراره 1056 بتاريخ 29 ماي 1996 اذ طلب من الأمين العام "ان يواصل مساعيه للخروج من المأزق الذي يحبط تنفيذ خطة التسوية... ".

جاء كوفي عنان الى الأمانة العامة للأمم المتحدة في يناير 1997 يحمل معه رصيدا أمميا في كيفية التعامل مع الازمات. وارتأى أن يعين في مارس من نفس السنة الأمريكي جيمس بيكر مبعوثا شخصيا له في قضية الصحراء..

لم تجد محاولات   بيكر ولا اجتماعاته ومخططاته ولا حتى سيناريوهاته ومناوراته النفخ في خطة التسوية روحا جديدة. وعكست قرارات مجلس الامن في بداية الالفية المأزق بكل وضوح. بل إن المجلس أقر في القرارين (1301)   ل 31 ماي 2000 و (1309) ل 25 يوليوز 2000 عن وجود خلافات أساسية حول تفسير الاحكام الرئيسة للخطة التسوية والاتفاقات لم يستطع اجتماع لندن تجاوزها ...  وفي القرار 1324 بتاريخ 30 أكتوبر 2000 لاحظ انه لا يزال يتعين تسوية الخلافات الجوهرية   بشأن تفسير هذه الاحكام.

أغلقت مطالب البوليساريو والجزائر وتأويلاتهما الأفق امام الخطة في سنة 2000. وبدأت قرارات المجلس تتخلص تدريجيا من ايراد اسمها الى أن ووريت الثرى بعد أن نزلت من قطاره في محطة 29 يونيه 2001 (القرار 1359) حيث كان اخر مرة تمت الإشارة اليها.. ومنذ سنتها تم التخلي عنها في القرارات اللاحقة الى اليوم كخيار برزت استحالة تنفيذه. ومن يومها بدأت تبرز في قرارات المجلس فقرات جديدة تمت صياغتها كخلاصات وقناعات لدى المنتظم الدولي من قبيل: "الحاجة الماسة للبحث عن حل سياسي...  "..

جاء جيمس بيكر ب"الاتفاق الإطاري" في يونيه 2001 الذي تبناه مجلس الامن في قراره 1359 (29 يونيه 2001). وقبل المغرب التفاوض على أساسه وإبداء المرونة اللازمة.. لكن الجزائر والبوليساريو اختارتا تجاهل ذلك القرار ورفضتا التفاوض بل إن الجزائر قدمت في 2 نونبر 2001 خطة لتقسيم الصحراء رفضتها بلادنا لأسباب قانونية وسياسية في آن..

مرت سنة أصدر المجلس خلالها ثلاثة قرارات "تقنية" بهدف منحه الوقت الكافي لتدبر قراره   كما قال الأمين العام، و ليفسح المجال السياسي لوليد جديد تم الاعلان عن ميلاده   في قرار المجلس (1495) بتاريخ 31 يوليوز 2003 يحمل اسم "خطة السلام" وكان قد تضمنها تقرير الأمين العام الذي قدم اليه في ماي من نفس السنة.. خطة جاءت كصيغة منقحة ل"الاتفاق الاطاري" لكنها بدت وكأنها صيغت على مقاس الطرح الجزائري ولاقت رفضا من الرباط.

اصطدمت "المهارات الدبلوماسية" لجيمس بيكر بصخرة الرغبة الجزائرية أولا في تمديد زمن النزاع وثانيا خشية   الانفصاليين من ان يفقدوا امتيازات استطابوها وهم يحتكرون المناصب العليا لجبهة البوليساريو ويتصرفون في أموال ومواد المساعدات.. ولم يجد بيكر من خيار جديد سوى أن يقرر مصيره في يونيه 2004 والذي كان هو الاستقالة من منصب قضى فيه كمبعوث شخصي للأمين العام ست سنوات.

الجثة الثانية": لجنة تحديد الهوية

شكلت الأمم المتحدة في بداية التسعينيات لجنة تحديد الهوية " مكلفة بوضع القائمة النهائية لأهالي الصحراء المؤهلين للاشتراك في التصويت أثناء الاستفتاء...".  لكنها صادفت في طريقها   ألغاما زرعتها كل من البوليساريو والجزائر خاصة في تفسير وتطبيق معايير أهلية الناخبين. وبهدف شق طريق "آمنة" للجنة صاغ الأمين العام وممثله الخاص آنذاك ايريك جونسون اقتراحا توفيقيا تضمنته مذكرة تفسيرية في27 شتنبر 1993 صادق عليها مجلس الامن. لكن هذا الاقتراح ظل مجرد فقرات في تقرير الأمين العام لم تعبر الى حيز التنفيذ.. ولم يتوصل المجلس وفي اجتماعين عقدهما سنة 1994 الى صيغة قرار لحلحلة الأوضاع. وكان البديل بيانين لرئاسته في يوليوز ونونبر من نفس السنة.

في بداية 1995 وبعد مفاوضات ومشاورات عرفت مكاتب اللجنة دينامية حذرة لكن مثقلة بعراقيل مصطنعة من طرف الجزائر والبوليساريو.. تحركت في مراحل وكأنها تسير على ظهر سلحفاة. ودخلت الى غرف الإنعاش أكثر من مرة:

ففي 31 يناير 1996 أعرب المجلس في قراره 1042 عن قلقه البالغ إزاء حالة الجمود التي باتت تعوق عملية تحديد الهوية وما ترتب على ذلك من عدم احراز تقدم نحو انجاز "خطة التسوية".

وفي القرار 1056 بتاريخ 29 ماي 1996 عبر عن أسفه البالغ لعدم توفر الإرادة المطلوبة للتعاون مع بعثة الأمم المتحدة لغرض استئناف واستكمال عملية تحديد الهوية وكذلك لعدم احراز تقدم ملموس، نتيجة لذلك، صوب تنفيذ خطة التسوية.

ووافق المجلس على توصية الأمين العام بتعليق عملية تحديد الهوية (وتعليق عمل اللجنة مؤقتا)" إلى ان يقدم الطرفان دلائل مقنعة وملموسة على أنهما ملتزمان باستئناف واستكمال العملية دون مزيد من العقبات، وفقا لخطة التسوية".

وأعلن أن جبهة البوليساريو ترفض الاشتراك في تحديد الهوية، لثلاث مجموعات من بين المجموعات القبلية موضع النزاع ... بالرغم من أنها تنحدر من الصحراء وتتوفر فيها المعايير التي وضعتها الأمم المتحدة.

اعتقد الأمين العام للأمم المتحدة ومعه مجلس الامن أن تعيين المبعوث الشخصي جيمس بيكر في سنة 1997 سيخرج لجنة تحديد الهوية من النفق لكنه لم يفلح في ذلك طيلة سبع سنوات من ولايته.  بالرغم من أنه وضع بروتوكولات ملحقة رحب بها المجلس في قرار 30 أكتوبر 1998 وتتصل بتحديد هوية بعض الأشخاص وبإجراءات الطعن.... لكن اللجنة استمرت في التعثر ويبدو أن استئناف عملها في سنة 1999   كان بمثابة النفس الأخير لها قبل ان تسلم الروح   ولم تعد الإشارة اليها بشكل صريح   ابتداء من قرار للمجلس في 29 فبرير 2000 وأصبحت صراحة وضمنا جزءا من "المشاكل المتعددة (والخلافات الجوهرية) المتعلقة بتنفيذ خطة التسوية ". توقف عملها وغاب ذكرها وكانت تنتظر فقط دفنها وهو ما تم  لها بالإضافة الى خطة التسوية التي لم تصمد بدورها امام مناورات الجزائر والبوليساريو..

وبوفاة "خطة التسوية" و"لجنة تحديد الهوية" انهار التصور الذي صادق عليه مجلس الامن في 1990. ولم يعد لما سمي بالاستفتاء معنى لعدم وجود لوائح ناخبين مؤهلين للمشاركة فيه أو أجندة لمحطاته..

الجثة الثالثة: "الاستفتاء"

لمطلب الاستفتاء بالصحراء تاريخ بعدة ألوان. أولها ما كانت تدبره اسبانيا في سنة 1974 وبعدها ما كان يرتب له خصوم المغرب في أروقة منظمة الوحدة الافريقية.. ومن محطاته كذلك ما أعلن عنه الحسن الثاني وهو يحضر قمة نيروبي في 1981 حيث قال:

"واعتبارا لهذا كله، ومن أجل أننا نريد بكل ما لأرادتنا من قوة إنقاذ مجموعتنا الإفريقية من كل ما من شأنه أن يهددها بالانفجار والتمزق، ومن أجل أننا نريد دون كلل أو سأم أن نحافظ لفائدة منظمة الوحدة الإفريقية وهي تقابل العالم كله على صورتها كمنظمة متماسكة واعية ومسؤولة، فإننا قررنا أن نأخذ بعين الاعتبار مسطرة استفتاء مراقب تراعي شروطه التطبيقية في آن واحد أهداف التوصيات الأخيرة الصادرة عن اللجنة الخاصة: لجنة الحكماء، وما للمغرب من اقتناع بحقوقه المشروعة".

ومن ألوان هذا الاستفتاء غير المأسوف عليه ما تم إدراجه بقرارات مجلس الامن:

كانت العبارة في قرارات 1988 و1990و 1991هي "إجراء استفتاء بشأن تقرير المصير...". ثم أصبحت في قرار 1993"تنظيم الاستفتاء الخاص بتقرير المصير".

لكن في بيان لرئيسة المجلس في 15 نونبر 1994 تحولت العبارة الى" إجراء استفتاء حر ونزيه ومحايد". وظلت بهذه الصيغة في قرارات المجلس   الموالية وطيلة سبع سنوات الى   29 يونيه 2001. بعدها لم يعد له ذكر وبالتالي لم يعد إجراءه خيارا ممكنا..  وحدهما الجزائر والبوليساريو من سجنتا نفسيهما منذ بداية الالفية في مطلب اتضح انه مستحيل ومتجاوز: مطلب تنظيم الاستفتاء.

وفي السنة الموالية (2002) وبمناسبة خطاب الذكرى 27 للمسيرة الخضراء قال جلالة الملك محمد السادس

"لقد كان من شأن إجماعنا الوطني على نهج الخيار الديمقراطي الجهوي وما حققناه من تقدم مشهود به عالميا أن تزايد تجاوب المجتمع الدولي مع وجاهة موقفنا، ‏بإيجاد حل سياسي للنزاع المفتعل حول استرجاعنا لصحرائنا في نطاق احترام سيادة المملكة ووحدتها الترابية. الأمر الذي صار معه مشروع تنظيم الاستفتاء الوارد في مخطط التسوية الأممي متجاوزا لعدم قابليته إطلاقا للإنجاز الفعلي".

تخلصت قرارات مجلس الامن من "خطة التسوية" و"لجنة تحديد الهوية" والاستفتاء... وحتى من ما طرحه جيمس بيكر أي مخططه الأول والثاني. وبدأت رحلة البحث عن حل سياسي بديل لخيارات اتضح أنه لا أفق لها..

كما تخلصت القرارات في بداية التسعينيات من منظمة الوحدة الافريقية بالرغم من أن "خطة التسوية" كانت تقتضي تعاون الأمم المتحدة معها.  إلا أن هذه الأخيرة واصلت التعامل في بيانات وتوصيات مؤتمراتها في تلك الفترة بنفس اللغة العدائية ضد المغرب. وبفعل الدبلوماسية المغربية لم يعد لهذه المنظمة التي أصبحت تسمى الاتحاد الافريقي مكان في قرارات المجلس بعد أن كانت تحضر فيها كطرف متعاون في القرارات 1988 و658 (يونية 1990) و690(أبريل 1991) و725 (دجنبر 1991). ولم تعد الإشارة اليها بعد ذلك ألا في القرار 1056 (ماي 1996) من خلال رسالة بعثها في تلك السنة رئيس منظمة الوحدة الافريقية (رئيس وزراء إثيوبيا) والأمين العام للمنظمة تتعلق  ب"الطريق المسدود أمام تنفيذ خطة التسوية نتيجة الصعاب التي تكتنف عملية تحديد هوية الناخبين ". وبذلك أصبح ملف نزاع الصحراء حصريا لدى الأمم المتحدة. وهو ما أكده القرار 693 المعتمد بالإجماع خلال قمة الاتحاد الافريقي بنواكشوط سنة 2018.

 

 

آخر الأخبار