أعلام فاس وعلماؤها: بن العربي العلوي... عالم بارع حارب الشعوذة والدجل

فاس: رضا حمد الله
لا ينازع أحد في مكانة الشيخ محمد بن العربي العلوي أحد الوجوه العلمية الكبيرة التي أفرزتها ظروف مغرب القرن العشرين وعاشت بفاس وسطع نجمها بها. جميع من تحدث عن حياته ومساره العلمي، أشاد بتجمع كل الخصال الجميلة فيه وحب الرجل لوطنه وتسخيره عمله لخدمته.
شخصيات وزعامات وطنية ودولية أشادت به وأثنت على هذا الرجل، ومنهم الزعيم علال الفاسي ومحمد المختار السوسي والمقاومين وحسن العرائشي وعبد اللطيف بنجلون ومحمد زياد، والزعماء علي يعتة وشارل أندري جوليان وغيرهم كثير مما ذكره الباحث محمد الوديع الآسفي.
الباحث ألف كتابا عن السلفي المناضل محمد بن العربي العلوي، ضمنه جوانب مختلفة ومتعددة من شخصيته وحياته ومساره وكفاحه في وجه الدول الأوروبية الطامعة في ثروات المغرب وما رافق محاولة بسط الهيمنة عليه من سيادة مظاهرة التردي والجمود الفكري في المجتمع المغربي.
حينئذ كانت الشعوذة والخرافة سائدة كما كثرة الزوايا الدينية التي زاغ الكثير منها عن روح السنة والكتاب، وشوهت الفهم الصحيح والطبيعي للإسلام، ما حاول الرجل التصدي له بكتاباته كما لكل أوجه وصور الجهل الطاغي والسائد والمستأسد، مما استثمره الاستعمار لبسط الإخضاع.
واستعمل محمد بن العربي العلوي، في تصديه للشعوذة والجهل، زاده الصوفي منذ صغره وولادته ونشأته بالقصر الجديد بمدغرة في إحدى واحات تافيلالت، حيث شرب من كأس الصوفية في الطريقة التيجانية المنتشرة حينها هناك، على غرار باقي الطرق التي دافع عنها لاحقا.
وأصبح مع مرور الوقت واحدا من الأساتذة مضرب بهم المثل في مجال السلفية بالمغرب على غرار أستاذه أبي شعيب الدكالي، لكن شيئا سيحدث في حياته بعد قراءته كتاب "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان" لابن تيمية، الذي قدمه له الكتبي إدريس برادة هدية.
وشكل هذا الكتاب هدية هذا الكتبي بحي السبيطريين بفاس، منارا لمساره لاحقا بل فتح بصره وبصيرته على ما لم يعلم ولا حلم به في بداياته، قبل أن يتمعن في المجال ويكتشف الإسلام الذي يحرر الإنسانية من العبودية والاستغلال والظلم، ويحكم العقل والمنطق والعلم في كل شيء.
عدة كتب ستنير فكره لاحقا وتقوي عزيمته وتخرجه من ربقة التقليد الأعمى، لينقلب من فقيه عادي إلى مفكر إسلامي فاضح للمشعوذين ومجادلهم بالحجة العقلية والدينية، لينطلق حاملا مشعل إنارة عقول الشباب، وتنقيتها من مختلف المعتقدات والاعتقادات الفاسدة والزائغة.
ولعل أهم شهادة قيلت في حقه في المجال، هي تلك لمحمد عابد الجابري، الذي قال عنه "بالفعل كان الشيخ محمد بن العربي العلوي، نموذجا للعالم السلفي المناضل الشعبي في المغرب، سواء أثناء عقد الحماية أو في عهد الاستقلال"، في شهادة تكشف شخصية رجل مميز بعلمه وفكره.
هذا الرجل تكونت شخصيته أيضا بفعل تربيته الخاصة وسط أسرته حيث لعب والده دورا كبيرا في توجيهه، بل كان له مرجعا يستعين به لفهم الدروس واستيعابها، قبل وبعد الاستقرار بفاس حيث كانت بدايته من مدرسة الصفارين بالمدينة العتيقة، حيث تتلمذ على أيدي كبار العلماء.
وأنار حينها مجموعة من الفقهاء ومنهم محمد بناني والتهامي جنون وعبد السلام بناني، طريقه نحو دراسات علمية وأدبية وتاريخية ومنطقية وفلكية، موازاة مع دراسته التفسير والحديث وعلوم أخرى، جعلته لاحقا "لامعا يشهد له بذلك شيوخه وفي مقدمتهم الشيخ أحمد بن الخياط".