مغرب ما قبل الاستعمار بعيون جاسوس فرنسي/ الحلقة 13

الكاتب : الجريدة24

12 أبريل 2024 - 09:45
الخط :

أمينة المستاري

عجل احتلال الدار البيضاء بسقوط مولاي عبد العزيز، واندلاع ثورة مراكش، فقد كان مولاي عبد الحفيظ يبيت للإطاحة بأخيه، وحانت اللحظة التي انتظرها طويلا، خاصة وقد لقي مساندة من قياد الأطلس المدني والكلاوي.

كان المدني قويا وقام بفرض سيطرته على مناطق امتدت من وادي نفيس إلى دمنات ومن نواحي مراكش إلى ما وراء جبال الأطلس.

كتب مولاي عبد الحفيظ عقد البيعة وعرضه على مناصريه من قياد وأعيان، منهم من قام بذلك عن طواعية واختيار ومنها من أرغم على ذلك من طرف الكلاوي والكندافي والمدني، وأصبح مولاي عبد الحفيظ سلطانا للجهاد في سبيل الإسلام وضد أخيه والمستعمر.

لكن علماء فاس تراجعوا عن بيعتهم، وظلت قبائل الغرب والشاوية وفية للسلطان مؤقتا، فيما بايع الريسولي بالشمال مولاي عبد الحفيظ وكذا الروكي بتازة.

اضطر مولاي عبد العزيز إلى الجوء للجنرال ليوطي لطلب المساعدة منه، لمواجهة شقيقه علما أن إرسال فرنسا حمالة الشرف للسلطان أجهز على شعبيته، وهو الذي يعتبر أميرا للمؤمنين.

يحكي فريديريك كيف حمل خرائطه الجغرافية التي أنجزها في المغرب إلى الجيش بباريس، ودراسته حول الشاوية إلى لجنة المغرب، وتمكن من أن يصبح كاتبا في صحيفة "الطان" في ركن المغرب والبلدان الإسلامية.

يؤكد فريديريك أنه ظل يساند مولاي عبد العزيز، ويدافع عنه، خاصة بعد أن أصبحت ألمانيا مساندة لمولاي عبد الحفيظ الذي تعهد أن يلقي بالفرنسيين إلى البحر.

تمكنت فرنسا في تلك الفترة من الحفاظ على الهدوء بالدار البيضاء وتطهير ضواحيها القريبة وجعلها قابلة للسكن، لكن الأمر لم يطل فسرعان ما عاد البدو للهجوم بحماسة يذكيها رغبتهم في "الجهاد" الذي نادى به مولاي عبد الحفيظ، وتكونت تجمعات في تادرت، مرشيش وتيط مليل ثم قام مولاي رشيد باحتلال قصبة مديونة.

تم عزل الدار البيضاء بتوالي أحداث الاعتداءات والهجومات، وهو ما دفع إلى مضاعفة القوات الفرنسية لتوسيع نطاق عملياتها، فقام الجنرال درود بالاستيلاء على مديونة.

في 5 يناير نزل الجنرال داماد في مدينة الدار البيضاء لتولي قيادة فيلق الاحتلال الذي بلغ عدد رجاله 15 ألف، ليحتل قصبات فضالة وبرشيد وبوزنيقة في ثمانية أيام، وأخضع القبائل المجاورة للدار البيضاء بصفة نهائية، واحتل دار برشيد وكسر مقاومة قبائل جنوب غربي الشاوية، وهي عمليات متوازية قام فريديريك الجاسوس الفرنسي بإنجاز خريطة تمثلها.

استمر الفرنسيون في غاراتهم وإنجازاتهم التي وصفها الطبيب ب"المبهرة"، لكنهم لم يحتلو الشاوية بسبب الأوامر الآتية من باريس، لكنهم كبدوا البدو خسائر ثقيلة.

سرد الجاسوس الفرنسي أحداث معارك عديدة استعملت فيها نيران المدفعية ...وتمكن الجنرال من القضاء على بونوالة، الذي عرف بين الناس بكراماته ويدعي قدرته على القضاء على الكفار، ونجح في جمع شمل القبائل حوله بعد أن أعلن أنه الإمام المهدي، لكن الفرنسيين قضوا على تجمع الدواوير، ليلوذ بونوالة إلى دكالة، واستمر الجنرال الفرنسي في القيام بغاراته حتى بلغ قلب منطقة المداكرة، وتمكن فيما بعد من تحقيق السلم والهدوء، وسار على منوال الجنرال ليوطي فقام بإحاطة الأماكن التي قام بتهدئتها بحزام من المراكز المحصنة ووضع عليها تجريدت من القوات الفرنسية والكوم المغربي، عهد إليها بمراقبة القبائل المطيعة والدفاع عنها، بل قام بوصل جميع تلك المراكز ببعضها وربطها بقاعدة الدار الدار البيضاء.

لكن الترسانة الفرنسية لم تكن متينة في جهة الغرب بخلاف جهتي الشرق والجنوب، لذلك ما فتئت أن نشبت مواجهات بين قبيلتي الشياظمة وشتوكة لمناصرة القبيلة الثانية لبونوالة، وربط الثانية علاقات مع الدار البيضاء.

قام الجنرال داماد باحتلال أزمور بعد طرده للمحلة الحفيظية "مولاي عبد الحفيظ" لتأمين سلامة الفرنسيين، الشيء الذي لم يتقبله الألمان واحتجوا بقوة، واتهمت الجنرال بتحريض القبائل المجاورة لأزمور على إشعال الحرب مع دكالة، لكن المسؤول العسكري تلقى أوامر بإحداث مركز سيدي بوبكر في أراضي اشتوكة لتكون آخر حلقة في الحزام الأمني، بعد قمع الشاوية.

قامت فرنسا باستعراض في 14 يوليوز 1908 في الدار البيضاء، بحضور القنصليات والجاليات الأوربية في إعلان عن نهاية مرحلة عسكرية، ويهتم داماد بتنظيم المنطقة التي تقطنها 500 ألف نسمة، محاولا إقناعها بالمزايا التي ستعود عليها من الوضع الجديد. وبعد أن هجرت الساكنة الدار البيضاء وأصبح الوضع كارثيا ، عاد الوضع أفضل مما كان وعمرت البوادي بالسكان الذين عادوا إلى أراضيهم الأصلية بعد فترة فوضى، ودخلت تحت سلطة القياد وعاد القضاة لعملهم وكذا الإدارة التي أخذت مسارها العادي تحت مراقبة ضباط مصالح الاستخبارات الفرنسية.

شيد الفرنسيون القصبات التي تحولت إلى مراك جذب، وظهرت تجمعات سكانية وعاد البدو إلى أعمالهم للرعي في طرق تجوبها السيارات والمواكب العسكرية والقوافل التي تنامت .

قام الجنرال داماد بتحسين سبل الاتصال الكبرى، وتم تعبيد أقسام منها ومد خط سككي وجسور، وتم رفع جودة عيون الماء وحفر الآبار وإحداث غاسل ومجازر وفنادق والمستوصفات وقام الجنود والمدرسين بالتطوع لتعليم الأطفال الفرنسية، وتم إحداث فرق "الكوم" المألفة من 150 من المشاة و50 من الفرسان، وعزمت فرنسا على سحب الجنود بمجرد الانتهاء من تنظيم طابور الشرطة الفرنسية الإسبانية حسب ما نص عليه ميثاق الخزيرات لاستتباب الأمن، الأمر الذي لم يرق لألمانيا وجعلها تضع عراقيل في طريق فرنسا، كتحريض الجنود على الفرار وترحيلهم ومنحهم جوازات سفر ألمانية...حتى كادت أن تنشب حرب بين الدولتين لولا تدخل سفير فرنسا في برلين ورفع القضية إلى محكمة لاهاي التي قضت بخطأ ألمانيا.

حان وقت رحيل الجنرال داماد في 22 فبراير، لكن قبل ذلك قام بجولة تفقدية للشاوية، وترك أثرا طيبا ، يقول فريديريك، في نفس الساكنة.

آخر الأخبار